مؤامرة كونية على ماكرون

2018.05.07 | 00:05 دمشق

+A
حجم الخط
-A

تشهد فرنسا، منذ أسابيع، إضرابات ومظاهرات في إطار حركة احتجاجات واسعة ضد السياسات الليبرالية للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. وإذا كان عمال السكك الحديدية يقودون الحركة، فقد انضمت إليهم قطاعات اجتماعية واسعة، نسبياً، كالعاملين في الخطوط الجوية والممرضات والمتقاعدين وموظفي القطاع العام والطلاب.

وفي إحدى أكبر المظاهرات التي شهدتها باريس، السبت، رفعت صور لماكرون تشبهه بمصاص الدماء دراكولا، ولافتات شبهته بروبن هود المضاد الذي يسرق من الفقراء ليعطي الأثرياء، على عكس روبن هود الأصلي. وإذا كان عمال النقل يأخذون على الحكومة الفرنسية مشاريعها "الإصلاحية" التي تهدف إلى خصخصة بعض القطاعات الحكومية وإلغاء الضمان الاجتماعي بالنسبة للموظفين الجدد، فطلاب الجامعات يحتجون على قانون جديد من شأنه غربلة المقبولين في الجامعات بما يتفق والميول اليمينية النخبوية.

اللافت في المظاهرات الفرنسية هو استهداف الرئيس ماكرون الذي سيكمل عامه الأول في السلطة بعد أيام قليلة، سواء من خلال الصور أو اللافتات المرفوعة في المظاهرات أو هتافات جمهورها الذي قدِّرَ بعشرات الألوف، لم يخل الأمر من صدامات عنيفة بينهم وبين الشرطة التي حاولت تفريقهم بالقوة.

السلطة في فرنسا، والرئيس ماكرون بالذات، لم يتهما المحتجين، إلى الآن، بأنهم أدوات مؤامرة كونية

أما الغريب فهو أن السلطة في فرنسا، والرئيس ماكرون بالذات، لم يتهما المحتجين، إلى الآن، بأنهم أدوات مؤامرة كونية، على ما فعل ويفعل دراكولات منطقتنا في زمن ثورات الربيع العربي. والأغبى من ذلك أن متظاهراً واحداً أو مشاركاً واحداً في الإضرابات النقابية لم يقتل، إلى اليوم، برصاصة قناص أو تحت التعذيب في فروع المخابرات الفرنسية المشهورة بقسوتها، ولا ألقت الطائرات، إلى الآن، ببراميل متفجرة على المدن والأحياء التي شهدت احتجاجات.

مع العلم أن الأسباب متوفرة بكثرة لافتراض وجود أصابع خارجية في الحراك الفرنسي. وهي ليست أصابع تركية – سعودية – قطرية أو امبريالية – صهيونية، كما كانت الحال في ثورات الربيع العربي، والثورة السورية بصورة خاصة؛ بل هي من المحور المضاد، هذه المرة، أي محور الممانعة. فعلى الرغم من تصريحاته "الإيجابية" المبكرة بشأن المسألة السورية، في الأشهر الأولى التي تلت بداية عهده، وشكلت استفزازاً للمعارضة، حين قال، مثلاً، إن نظام بشار الأسد عدو للشعب السوري، وليس لفرنسا، ارتفعت وتيرة تدخلاته في الشأن السوري، لاحقاً، وتغيرت وجهة تصريحاته، وصولاً إلى إرسال تعزيزات عسكرية إلى منبج وكلام متكرر عن "دور فرنسي" في الحل السياسي للصراع السوري، وتنسيق مع الأميركيين، وغيرها من الأعمال التي فاقت بسلبيتها العداء اللفظي الفارغ من المضمون لسلفه فرانسوا هولاند.

بل وصل الأمر بماكرون إلى مشاركة الطيران الفرنسي في "العدوان الثلاثي" على سورية الأسد، وإعلانه عن بدء الإجراءات القانونية لسحب وسام الشرف من بشار. وهو ما دفع الأخير إلى استباق الإهانة الوشيكة وإعادة الوسام طوعاً، ليفوّت الفرصة على ماكرون ويحرمه، بذلك، من متعة إذلاله.

وإذا كانت المشاركة الفرنسية في "العدوان الثلاثي" يمكن تمريرها (بما أنها تحولت إلى انتصار احتفلوا به في شوارع دمشق وساحاتها) فقرار سحب وسام الشرف هذا كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، فكان لا بد من رد عملي يستهدف "نظام ماكرون" بالذات. فكانت الإضرابات والمظاهرات التي عمت المدن والأقاليم الفرنسية، وسرعان ما تجاوزت المطالب الإصلاحية إلى مطلب إسقاط النظام.

(أم أن كل تلك الحركة الاحتجاجية هي من صنع "قنوات الفتنة" واستديوهات دمشق وبيروت؟)

لوحظ أن ماكرون الذي صعّد ضد نظام بشار، بعد ضرب دوما بالسلاح الكيماوي، ما زال يتصرف بإيجابية مع إيران

لوحظ أن ماكرون الذي صعّد ضد نظام بشار، بعد ضرب دوما بالسلاح الكيماوي، ما زال يتصرف بإيجابية مع إيران، وهو يحاول إقناع الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعدم الانسحاب من الاتفاق النووي. كذلك فهو لم يصعد لهجته ضد روسيا، بل اكتفى بمطالبتها بالضغط على نظام بشار لإرغامه على الدخول في حل سياسي، ظناً منه أنه يمارس السياسة بهدف تشتيت محور الممانعة وبذر بذور الشقاق بين عناصره.

السياسة الفرنسية "الإيجابية" إلى الآن تجاه إيران، هي ما يفسر أن سورية الأسد اكتفت، إلى الآن، بتحريك ثورة سلمية ضد ماكرون. أما إذا أبرز المذكور أنيابه ضد طهران أيضاً، فوقتها يتم تفعيل الخطة (ب): الخلايا الإرهابية النائمة للمفتي بدر الدين حسون! 

(ملاحظة: المقالة ساخرة، يرجى عدم حمل بعض مضمونها على محمل الجد)