ليست هناك إدلب ثانية في سورية

2018.09.06 | 00:09 دمشق

+A
حجم الخط
-A

الكارثة التي وصلت إليها الثورة السورية بعد ثماني سنوات من حرب وحشية يشنها النظام وداعموه: روسيا وإيران، هي تحولها إلى حرب على الإرهاب متمثل رسمياً وعلنياً بالتنظيمات الإسلامية المتطرفة (داعش والنصرة) وعملياً حرب على كل من تجرأ وثار ضد دكتاتورية الأسد. ساعد في هذا سلوك هذه التنظيمات القمعية تجاه الأشكال التي خلقها الناشطون والمجتمع المحلي من طرق إدارة وتنظيم لمجتمعاتهم، ناهيك عن تدخلاتهم غير المبررة في طريقة عيش الناس.

تأتي التحضيرات للهجوم على إدلب وسط تعقيدات كبرى، فمن جهة يسعى بوتين نحو تحقيق نصر سياسي ما كتتويج لتدميره البلاد، بعد استعادة المناطق التي كانت تحت سيطرة قوات المعارضة المسلحة، وآخرها درعا، وخاصة بعد عدم الاستجابة لمبادرته "الإنسانية" بإعادة اللاجئين كما يرغب من الأوروبيين أثناء زيارته لألمانيا، وهو البلد الأوروبي الذي يضم أكبر عدد من اللاجئين السوريين، حيث اعتبرت المستشارة ميركل أن الظروف غير آمنة لعودة اللاجئين.

تروّج وسائل الإعلام الروسية والتابعة للنظام بأن إدلب هي موطنٌ للإرهاب

ولتبرير مهاجمة إدلب، تروّج وسائل الإعلام الروسية والتابعة للنظام بأن إدلب هي موطنٌ للإرهاب، ويحكمها الإرهابيون، بينما في الواقع أن الغالبية العظمى من السكان هم من المدنيين، حيث يقطنها الآن حوالي 3,5 مليون إنسان، منهم مليون طفل، بينما لا يتجاوز عدد المقاتلين 70 ألفاً، منهم عشرة آلاف من هيئة تحرير الشام.

أما تصريحات دي ميستورا، مبعوث الأمم المتحدة إلى سورية، يوم الخميس الماضي، أو "مبادرته" الإنسانية في فتح ممرات إنسانية للعناصر الجهادية الموجودة في إدلب، فهي ليست سوى تكرارا لندائه السابق وقت حصار حلب في أواخر عام 2016، في هذه الأثناء مكملةً لمساعي الدبلوماسية الروسية المشبعة بالعمل المخابراتي، وهو الذي يدرك تماماً التفويض الأميركي لروسيا بالتصرف في مناطق "سورية المفيدة" وفي مناطق خفض التصعيد التي تم الاتفاق عليها مع تركيا وإيران في آستانا، كما أن تصريحات الولايات المتحدة والغرب منحصرة ضد استخدام النظام للأسلحة الكيمياوية تبرهن على عدم اكتراثه بالقتل بالأسلحة الأخرى، التي اعتبرها النظام كافية. 

ما سيحدد مصير إدلب الآن هو مدى التوافق والاختلاف بين تركيا وروسيا، رغم تعارضهما في كثير من المواقف حول سورية، لكن من الواضح وبعد تصنيف تركيا لهيئة تحرير الشام كمنظمة إرهابية -وهو الإعلان الذي تأخر عن تصنيف الأمم المتحدة لها بذلك مدة خمس سنوات (2013-2018)- هناك اتجاه للتوافق يقوم على الخلاص من الهيئة مما يجنب المنطقة كارثة إنسانية. وسيتكشف شيءٌ من هذا في اجتماعهما إضافة لإيران في آستانا، في 7 أيلول.

وفق تلك الوقائع، أصبحت معركة الخلاص من هيئة تحرير الشام مرجحة، لا بل ضرورة، كونها مصنفة إرهابية، من خلال معركة تدعمها تركيا وتقوم بها فصائل الجيش السوري الحر (الجبهة الوطنية للتحرير)، مما يمنع توغل قوات النظام وارتكابها للفظائع مما يسبب بتهجير البشر وهو الأمر الذي تخشاه تركيا -التي تحوي على أراضيها الآن حوالي (3,5) ملايين سوري- حيث لم تعد هناك إدلب ثانية ينزح الناس إليها. 

يدعم السوريون عموماً والساكنون في المحافظة خصوصاً هذا الخيار الأخير (محاربة فصائل الجيش الحر المتعاونة مع تركيا)، ومن مصلحتهم، والمظاهرات التي عمّت المحافظة خير شاهد.

أما إذا تمّ التخلي عن أهالي إدلب لمصير مشابه لما جرى في الغوطة ودرعا، بحجة الخلاص من الإرهاب وإعادة الاستقرار، ستكون النهاية لإمكانية ولادة بديل ديمقراطي للاستبداد، من خلال التجارب القائمة هناك حيث جرت أول انتخابات عامة حرّة لمجلس محلي ذات يوم، وحيث تجارب المجتمع المدني ناجحة إلى حدٍ ما، وسيزيد من احتمالات تزايد التطرف والإرهاب الذي لن يبقى محصوراً في نطاق المحافظة، بل سينتقل لأماكن أخرى بكل تأكيد، وسيصوّر الجهاديين بأنهم المدافعين عن البلاد.

لم يخاطر السوريون بحياتهم ويثوروا ضد ديكتاتورية الأسد ليستبدلوها بأخرى

لم يخاطر السوريون بحياتهم ويثوروا ضد ديكتاتورية الأسد ليستبدلوها بأخرى، وما مظاهراتهم في الأسبوع الماضي إلا تعبير عن رفضهم لكل أشكال الدكتاتورية والتسلط، تلك المظاهرات التي رفضت تسلط الهيئة وعودة نظام الأسد الدكتاتوري، وتبقى خياراتهم هي الأسلم في المقاومة.

ثمة أمر آخر يدعو إلى هذه المعركة، وهو فتح الطرق الدولية بين الدول المجاورة لسورية (تركيا والأردن ولبنان) ومن ثم إلى دول الخليج العربي، لأسباب اقتصادية وسياسية، وهو ما سيشكل نقطة التشابك المقبلة بين الدول الضامنة في آستانا.