لن ينقذوا نظام الأسد، ولكن؟

2019.02.08 | 00:02 دمشق

+A
حجم الخط
-A

في الوقت الذي نشهد فيه إحجاماً أوربياً وأميركياً عن إعادة دمج نظام الأسد في المجتمع الدولي من جديد، فإننا نشهد مقابل ذلك، إقبالاً عربياً واضحاً نحو إعادة جسور العلاقات مع دمشق، فبعد التكليف الروسي الذي نفذه البشير يوم 17 – 12 – 2018 ، بادرت دولة الإمارات إلى فتح سفارتها في دمشق خلال شهر كانون الأول 2018 ، وذلك موازاة مع نشاط دبلوماسي ملحوظ يهدف إلى تكثيف المشاورات بين عدة أطراف عربية أبرزها (مصر والأردن) ترمي إلى إعادة تفعيل مقعد دمشق في الجامعة العربية، ولعل من أبرز ملامح هذا الحراك كانت القمة التي انعقدت على شاطئ البحر الميت في الأردن، في نهاية كانون الثاني 2019 ، وحضرها وزراء خارجية ست دول عربية ( مصر – الأردن – الإمارات – السعودية – البحرين – الكويت).

ولئن انتهى الاجتماع المشار إليه دون صدور بيان ختامي، إلّا أن ما رشّح عن اللقاء السداسي يؤكّد أن من أولوياته التحضير لقرار جماعي يمكّن بشار الأسد من حضور القمة العربية المقبلة المزمع عقدها بتونس في (31 – آذار 2019). وتجدر الإشارة إلى أن دول الخليج الست، كانت قد قررت سحبَ سفاراتها من دمشق، في آذار 2012، احتجاجاً على قيام نظام الأسد بارتكاب مجزرة بحق المدنيين السوريين، في إشارة واضحة من تلك الدول إلى قمع الاحتجاجات السلمية في سوريا.

فما الذي – إذاً – دفع بعض دول الخليج، ومصر والأردن، إلى العدول عن قرارها بمقاطعة نظام الأسد؟ لعلّ في محاولة الإجابة مسألتين أساسيتين متداخلتين

 وبعد ذلك التاريخ أقدم نظام الأسد على ما هو أشد إجراماً من تلك المجازر، إذ تحوّل عنف النظام من القمع الممنهج للمتظاهرين إلى استخدام سلاح الطيران وإلقاء البراميل المتفجرة على رؤوس المدنيين، وصولاً إلى استخدام أسلحة الإبادة الشاملة المتمثلة بالسلاح الكيمياوي، فما الذي – إذاً – دفع بعض دول الخليج، ومصر والأردن، إلى العدول عن قرارها بمقاطعة نظام الأسد؟ لعلّ في محاولة الإجابة مسألتين أساسيتين متداخلتين:

الأولى، ذات صلة وثيقة بأسباب المقاطعة ذاتها، إذ ليس صحيحاً أن دول الخليج، بل الغالب الأعم من الأنظمة العربية، تدعم وتقف إلى جانب ثورة السوريين من أجل عملية التغيير الديمقراطي في سوريا والإطاحة التامة بنظام الاستبداد، وبناء دولة حديثة، بل الأصح أنها كانت ترغب بالإطاحة بنظام الأسد، لاعتقادها أنه امتداد عضوي لدولة إيران التي مازالت تجسّد الخطر الأكبر على المنطقة، بل إن نظام إيران كان وما زال مصدر الرعب الأول الذي يقلق دول الخليج، وبالتالي فإن زوال نظام الأسد إنما يعني تحجيم النفوذ الإيراني، ما يعني أيضاً تقليص الخطر والرعب الناتج عن سياسات إيران حيال دول المنطقة. وهذا الموقف الخليجي بحد ذاته هو موقف صحيح، ويتقاطع مع موقف السوريين، لو أنه سار إلى نهاياته في السياق الصحيح.

الثانية، ذات صلة بالاستراتيجيات الأمنية الخليجية، والتي لم تنبثق – غالباً – من حاجات وطنية تجسّد تطلعات ومصالح هذه الدول ذاتها، بقدر ما كانت – وما تزال - تجسيداً لسياسة المحاور والأحلاف التي ترسمها وتقرّها الولايات المتحدة الأميركية، ولئن كان من المتعذر على دول الخليج، بحكم نشأتها وتكوينها – من الناحية الموضوعية – مجابهة أو رفض السياسات الأميركية، إلّا أن المطلوب في حدوده الدنيا، هو حيازة هامش – ولو جزئي – لمصلحة أمنية وطنية، تتقاطع مع ما يدعى بالأمن القومي العربي، ولا تكون مصدر خراب ودمار على شعوب المنطقة.

من المتعذر على دول الخليج، بحكم نشأتها وتكوينها – من الناحية الموضوعية – مجابهة أو رفض السياسات الأميركية، إلّا أن المطلوب في حدوده الدنيا، هو حيازة هامش – ولو جزئي – لمصلحة أمنية وطنية

لقد استشعرت دول الخليج الخطر الإيراني منذ وصول الخميني إلى السلطة 1979، وساندت العراق في حربه مع إيران طيلة ثماني سنوات (1980 – 1988)، خوفاً من اجتياح الخميني للبوابة الخليجية، وحين انتهت تلك الحرب، أظهرت دول الخليج تماهياً كاملاً بالاستراتيجية الأميركية التي كانت تهدف إلى (الاحتواء المزدوج) لإيران والعراق معاً، فساهمت في حرب اقتصادية على العراق، ما دفع حكومة العراق آنذاك بارتكاب خطأ فادح باجتياح الكويت في 2 آب 1990، وانتهى ذلك الاجتياح بقيام تحالف دولي بقيادة واشنطن، شن حرباً على العراق ليلة 17 كانون ثاني عام 1991، تلك الحرب التي أفضت – بعد 12 عاماً من حصار خانق على بغداد – إلى الغزو الأميركي للعراق عام 2003 ، وهكذا وجدت دول الخليج ذاتها بعد عقدين ونيّف من الحروب على أرض العراق، أن الخطر الذي كانت تخشى أن يتسرّب إليها من النوافذ، قد داهمها من الأبواب المشرعة، وأعني بذلك تسليم الولايات المتحدة الأميركية كامل الأرض العراقية إلى ملالي طهران.

 لقد فشلت دول الخليج، بل دول المنطقة كاملة، باحتواء إيران، والحيلولة دون تدفّق خطرها الأمني الناتج عن سياساتها العدوانية على الأمن القومي العربي منذ ثمانينيات القرن الماضي وحتى الآن، كما فشلت سابقاً كل المحاولات الخليجية باحتواء حافظ الأسد – بالرغم من كل وسائل الترغيب - وإبعاده عن التماهي مع إيران، وكان من المفترض أن تعي السياسات الخليجية الثوابت الراسخة في سياسات طهران، والتي لا يمكن لإيران مفارقتها مهما تبدّل رؤوس أنظمة الحكم، طالما مبدأ (ولاية الفقيه) هو الثابت الذي لا يتحول.

إن انحياز دول الخليج إلى جانب ثورة السوريين، يتجاوز كونه موقفاً يحقق مصالح سياسية وأمنية لتلك الدول ذاتها، بل هو موقف أخلاقي وواجب إنساني يجسّد رفض الظلم الذي يكابده السوريون منذ عقود، إلّا أن هذا الموقف الذي اغتبط به السوريون عام 2012، ووجدوا فيه نصرةً لقضيتهم العادلة، سرعان ما بدأ بالتغيير، منذ نهاية العام 2013 ،وإن كان لا يمكننا في هذا السياق، الحديث عن سيرورة ووقائع هذا التغيّر كاملةً، إلّا أنه يمكن الإشارة إلى أمرين، الأول: يتمثل بطبيعة الذرائع التي تتم بموجبها المصالحة مع نظام دمشق، كضرورة عودة دمشق إلى حاضنتها العربية ودورها الاستراتيجي بالنسبة إلى الأمن القومي، ما يعني تكراراً وإنتاجاً مزيفاً وممجوجاً لخطاب الممانعة الذي اعتاش عليه نظام الأسد طيلة العقود الماضية. أما الأمر الثاني، فيبدو أكثر سخرية ومرارة، حين تتم مغازلة بشار الأسد تحت ذريعة احتوائه وإبعاده عن إيران، وكأن أصل المشكلة، يُراد منها أن تكون أساساً للحل. ولكن ما لم يقلْه الراغبون بعودتهم إلى نظام الأسد على العلن، ولكنه لا يخفى على أي متابع لشؤون المنطقة، هو أن الصراع الخليجي – القطري الراهن، استدعى منهم تشكيل محور خليجي – مصري، لمواجهة ما يطلقون عليه (التوغل التركي في سوريا)، وذلك بسبب العلاقات المميزة بين قطر وتركيا. إذ لم تعد إيران هي مصدر الخطر على المنطقة، بل تركيا، وفقاً للمحور الجديد، وليس غريباً أن يتحدث بعض المسؤولين في دولة الإمارات عن مظلومية حزب الاتحاد الديمقراطي (pyd)، باعتباره يجسّد الحالة الكردية التي تعاني الاضطهاد، ليس من نظام الأسد، بل من تركيا، وكأن بقية الشعب السوري تعيش بألف خير.

لا يخفى على أي متابع لشؤون المنطقة، هو أن الصراع الخليجي – القطري الراهن، استدعى منهم تشكيل محور خليجي – مصري، لمواجهة ما يطلقون عليه (التوغل التركي في سوريا)

بقي القول: إن مجمل المحاولات الرامية إلى إعادة تأهيل نظام الأسد، عربياً وإقليمياً، لن تنقذه مما هو فيه، وذلك في ظل الحصار الاقتصادي الخانق المفروض عليه أوروبياً وأميركياً، وكذلك في ظل الكوابح الأميركية التي تحول دون رجوع حاكم دمشق إلى المنظومة الدولية، فضلاً عن المنظمات الإنسانية والقانونية الدولية التي لم يعد بشار الأسد وحاشيته بنظرها سوى متّهمين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وتطالب بمحاكمتهم.

حقيقة واحدة تجسّدها رغبة الأنظمة الساعية إلى إعادة احتضان بشار الأسد، تكمن في أن هذه الأنظمة لا تستطيع مفارقة ماهياتها، ذلك أن الانحياز إلى جانب الإجرام – حتى ولو كان هذا الانحياز رمزياً – هو إجرام، بل اعتداء على عدالة وشرعية ثورة السوريين، وكذلك اعتداء قيمي على دماء مئات الآلاف من الشهداء والملايين من المشردين واللاجئين.