لن يفلت رئيس الصدفة

2018.08.09 | 00:08 دمشق

+A
حجم الخط
-A

لم يكن بشار الأسد يحلم ولو للحظة واحدة أنه سيكون رئيساً لسوريا فقد كان هذا الحلم بعيد جدا عن التحقيق لولا وفاة أخيه الأكبر باسل فجأة عام 1994 وحتى بعد انتخابه رئيساً عام 2000 في انتخابات صورية هزلية بعد تعديل سريع للدستور بجلسة واحدة لم تستمر أكثر من 15 دقيقة الذي سمح للشاب الذي لم يكمل حينئذ 35 عاماً بالترشح للمنصب.

لم يدرك بشار الذي انتقل إلى السياسة حديثا" من مهنة الطب أن عام 2011 سيشكلّ لحظة فارقة في التاريخ الحديث لسوريا والتي قلبت كل مخططاته ومخططات أبيه  بإعلان الثورة عليه وعلى نظامه التي انتقلت لاحقاً إلى حرب أهلية تحوّلت معها سوريا إلى دمار هائل ومن ثم إلى معارك الوكالات بين القوى الدولية والإقليمية.

نجح الأسد في الوقت الذي  لم ينجح فيه عدد من رؤساء دول الربيع العربي  بالمنطقة، فهو الوحيد الذي استطاع الاستمرار في كرسيه رغم القبضة الدموية التي تعامل بها مع الاحتجاجات، ورغم كل الوعيد الذي تلّقاه من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية اليوم وبعد ثمان أعوام على مطالبة الشعب برحيله وبرحيل نظامه يَظهر الأسد رئيس الصدفة كما لو أنه قد تجاوز المرحلة الصعبة التي هددته محققاً عدة مكاسب لنظامه، وأخفقت كل السيناريوهات التي توقعت سقوطا" سريعا" لنظامه الذي يبدو أنه تجاوز دائرة الخطر.

يبقى أقصى ما حققه الأسد لنفسه هو أنه ما يزال باقيا على الكرسي

لكن هذا النجاح يثير جدلا واسعا حول حقائق الوضع وحول تحوّل سوريا إلى مساحة حرب بالوكالة لا يملك فيها الأسد سلطة حقيقية، ومع هذا من الصعب للغاية أن نتحدث عن انتصار بشار الأسد في المعركة فحتى لو استعاد زمام المبادرة فهو سيستلم بلداً يعيش فيه 85 % ممّا تبقى من سكانه تحت خط الفقر فضلاً عن كوارث في مجال الصحة وتدمير تام للبنى التحتية، لكن يبقى أقصى ما حققه الأسد لنفسه هو أنه ما يزال باقيا على الكرسي إذ استطاع أن يتجاوز حالياً مرحلة الخطر التي هددته واستطاع أن يليّن مواقف الكثير من القوى الرافضة لاستمراره الأمر الذي يشكّل صفعة لمن ادعى تمثيل الثورة .

وبالمقابل لا تبدو خريطة مناطق النفوذ داخل سوريا وردية للمتعاطفين مع الأسد فالنظام فقد السيطرة على الكثير من الأراضي التي تفرّقت بقاعها بين المقاتلين الأكراد والمعارضة المسلحة والتنظيمات الجهادية وتركيا وحزب الله على الرغم من أحداث الأشهر الأخيرة التي توّضح أن الأسد استرجع السيطرة الكاملة على عدة مناطق حيوية خاصة حمص وحلب ودير الزور وريف دمشق بما فيها الغوطة الشرقية معقل الثورة وأخيرا درعا وريفها والقنيطرة وريفها. 

ومن أكبر ما استفاد منه الأسد النتائج المرحلية السيئة للربيع العربي التي غذت شعوراً زائفا" بالرغبة في الأمن أكثر من البحث عن تغيير الأنظمة، إذ يمكن القول إنه عكس الحماسة التي ميزت عام 2011 ظهر نوع من الاستياء في أكثر من دولة من دول الربيع العربي خاصة على ضوء انقلاب السيسي والفوضى الحاصلة في ليبيا واليمن وترّدي الأحوال الاقتصادية في تونس والبعبع الذي صنعه وتذرّع به نظام الأسد داعش وأخواتها وبأن هذه الجماعات الإرهابية قد تتحول إلى بديل للأنظمة الديكتاتورية فكانت الحرب على الإرهاب والذي كان ذريعة قوية لبقاء الأسد ونظامه أيضا".

لم تعد المطالب الدولية برحيل الأسد قوية كما كانت سابقا

لم تعد المطالب الدولية برحيل الأسد قوية كما كانت سابقا"، صحيح أن الولايات المتحدة وفرنسا وتركيا والسعودية ما تزال تشدّد على خروج بشار من الحُكم إلّا أنه على الواقع الميداني تتعامل الكثير من القوى الإقليمية وحتى بعض السوريين أنفسهم من منظار أن بشار سيحكم سوريا لسنوات قادمة حتى ولو كان ثمن هذا الحكم بلدا ضعيفا.

أما مكاسب روسيا وإيران فبقدر ما يظهر الدِرع الروسي قوياً لحماية الأسد بقدر ما يعطي إشارات كثيرة أن الاستراتيجية الروسية في سوريا ترغب بحماية مصالح أكثر من مجرّد التوقف عند حاكم لا يجد رؤساء دول أخرى غضاضة من وصفه بالمجرم أو الحيوان وتحاول موسكو قطف ثمار تحرّكها العسكري في سوريا خاصة وأنها أنفقت الكثير من المال خلال الحرب في ظروف صعبة يجتازها الاقتصاد الروسي المنهك جرّاء أزمة مالية تعود لأسباب متعددة كالعقوبات الدولية.

يُدرك الأسد أن الحماية التي تلقاها من روسيا وكذلك من إيران ليست دون ثمن مالي لذلك فقد دعاهما إلى أن يكونا أكبر المساهمين في إعادة إعمار سوريا واستثمار مواردها الطبيعية كالغاز والفوسفات وليست طهران وموسكو المستفيدتان فقط فهناك قوى أخرى بقيت على الحياد هي الأخرى يعدها الأسد بجزء من الكعكة مستقبلا.

بعد هذا كله وإذا القينا نظرة على واقع الحال السوري نتأكد أن انتصار بشار مشكوك فيه فالتقديرات الواردة في تقارير الكثير من مراكز الأبحاث السياسية والاقتصادية تعطي لمحة عن مدى كارثية الأوضاع بالبلد فأكثر من 75 بالمئة تحت الفقر الشديد 60 بالمئة يعانون من البطالة ومعدل أمد الحياة تراجع بـ20 عاما ونصف، الأطفال توقفوا عن الدراسة وكارثة في المجال الصحي سمحت بانتشار عدة أوبئة، وتبين تقديرات أخرى أن حوالي مليون سوري قُتلوا منذ بدء الحرب وأكثر من ذلك بكثير في صفوف الجرحى ومعطوبي الحرب فضلاً عن نزوح حوالي 6 ملايين سوري خارج سوريا وأكثر من 10 مليون إلى المناطق المحررة وفق أرقام الأمم المتحدة والكثير منهم شباب متعلم، وأيضا" مئات الآلاف من المعتقلين والمختفين قسرياً.

الخسائر الاقتصادية مرعبه قد تصل إلى 300 مليار دولار

أما الخسائر الاقتصادية فهي مرعبه قد تصل إلى 300 مليار دولار، أما إعادة الإعمار وحسب التقديرات الأولية فإن إعادة بناء البنى التحتية فقط سيكلف على الأقل 200 مليار دولار وهذا لا يمكن حتى لروسيا وإيران تحمل أعبائه في الوقت الذي تعاني فيه روسيا وإيران من العقوبات الدولية وأزمات اقتصادية كبيرة ممّا يجعل سوريا مستقبلا" قريبة من النموذج الصومالي أي انهيار تام للدولة رغم استمرار النظام.

بالإضافة إلى هذا كله هناك جوانب كثيرة تؤكد أن الأسد لن يحكم سوريا مجددا" فهناك كذلك القرار السياسي فسماح الأسد لإيران بالتمدد العسكري في سوريا بسبب فقدانه عدداً كبيراً من الجنود بين قتلى ومنشقين فهذا يحقق طموح إيران في السيطرة على القرار السياسي في سوريا وهذا لم يحدث سابقا حتى بالعلاقات التي جمعت والده حافظ الأسد بالنظام الإيراني وهذا بالإضافة إلى تدخل الكثير من الدول في الشأن السوري ليظهر الأسد مجرد دمية لمن هبّ ودب.

ومع كل هذا الوضع القاتم الذي يحيط بالملّف السوري وإن انتصر بشار الأسد عسكريا على الشعب السوري الثائر لن يربح الأسد ولن يحكم سوريا مرة أخرى على الأقل شعبيا فقد ثبت فشله في حكم سوريا على مدى ثمانية عشر عاما" وهذا ما يتحدث به كثير من أبناء طائفته وحتى المقربين منه وعند هدوء العاصفة سيتحرك سريعا" من تضرر من وجود بشار الأسد وأولهم هؤلاء الذين يتحدثون عن فشله على كافة المستويات وستكون المعركة طاحنة لن يفلت منها الأسد هذه المرة.