لماذا يعيد حزب الله تعريض لبنان للخطر؟

2018.12.10 | 19:04 دمشق

+A
حجم الخط
-A

خلال حرب لبنان عام 2006، قامت إسرائيل بتدمير مئات المنازل وتهجير أكثر من ربع سكّان الشعب اللبناني، كما محا سلاح جوّها قرى بأكملها من الشريط الجنوبي. سقط نتيجة هذه الحرب أكثر من ألف مواطن وحوالي 4500 جريح، وتكبّد لبنان الرسمي خسائر اقتصادية هائلة بمليارات الدولارات وتراجع النمو الاقتصادي أكثر من 4%، كل ذلك لأنّ إيران قرّرت في لحظة ما أنّ تحريك حزب الله مناسب لخدمة ملفّها النووي في ذلك الوقت بالرغم من أنّ أمين عام حزب الله كان قد وعد اللبنانيين بصيف هادئ.

ادّعى حزب الله فيما بعد أنّه حقق انتصاراً في تلك الحرب علماً أنّ الجبهة أُغلقت في وجهه تماماً. نعمت إسرائيل منذ ذلك الوقت وحتى اليوم بـ 12 عاماً من الهدوء، وهي أطول مدة ممكنة من السلام التام على الحدود مع لبنان، لدرجة أنّ بعض الجنرالات الإسرائيليين كانوا يتفاخرون بأنّ الوضع على الجبهة مع لبنان أفضل من الوضع على الجبهة مع الدول الموقعة على سلام مع تل أبيب!

بعض الجنرالات الإسرائيليين كانوا يتفاخرون بأنّ الوضع على الجبهة مع لبنان أفضل من الوضع على الجبهة مع الدول الموقعة على سلام مع تل أبيب!

في العام 2011، اندلعت الثورة السورية. وبالرغم من أنّ الموقف الرسمي اللبناني كان يتمسك بمنطق النأي بالنفس، إلا أنّ حزب الله عمل مرّة أخرى وفق التوّجهات السياسية الإقليمية لإيران. مطمئنا إلى أنّ إسرائيل لن تهاجمه من الخلف، قام الحزب بتوجيه معظم قواته إلى الداخل السوري لدعم نظام الأسد والإمعان في الاعتداء على السوريين داخل بلدهم. وعندما فرغ من مهمّته الأساسية حاول الحزب استخدام الساحة السورية ضد إسرائيل من أجل التغطية على أفعاله ولإعادة بناء شرعيته العربية والإسلامية التي خسرها منذ زمن، لكن تل أبيب حدّدت خطوطها الحمراء بدقّة هناك وشرعت في استهدافه في كل مرّة كان يحاول فيها توظيف المشهد لصالحه.

مع عودة جزء من قواته من سوريا إلى لبنان، وانسحاب الولايات المتّحدة من الاتفاق النووي الإيراني وتحديد روسيا لنطاق عمل إسرائيل في سوريا، عاد لبنان ليتحوّل ساحة محتملة لحسابات إيرانية مرّة أخرى. في مناوشاتها مع الغرب، تعتمد إيران على أذرعها الإقليمية للتفاوض أو لدفع الضغوط عنها أو حتى لابتزاز اللاعبين الآخرين. وفي هذا السياق، يبدو دور حزب الله اليوم مدفوعا بإرادة إيرانية لمواجهة الضغوط الامريكية المتزايدة على طهران بعد فرض سلسلة عقوبات عليها، وهي الضغوط التي من المتوقع أن تزداد بعد ستة أشهر.

ولأنّ الأنفاق تعدّ إحدى الأدوات المتوقّع استخدامها في أي مواجهة قادمة، أطلقت إسرائيل الأسبوع الماضي عملية تحت مسمى "درع الشمال" لتدمير الأنفاق التي حفرها حزب الله من داخل الحدود اللبنانية. وفقاً لتصريحات مسؤولين في الجيش الإسرائيلي، فان الأخير قام بتوظيف تقنية "passive seismic" التي يتم استخدامها عادةً في عمليات الكشف عن النفط والغاز تحت الأرض وذلك من أجل اكتشاف وتحديد الأنفاق التي حفرها حزب الله على طول الحدود.

أطلقت إسرائيل الأسبوع الماضي عملية تحت مسمى "درع الشمال" لتدمير الأنفاق التي حفرها حزب الله من داخل الحدود اللبنانية

تحوّلت الحملة ضد أنفاق حزب الله إلى انتصار استخباراتي وإعلامي مجاني لإسرائيل التي لم تفوّت الفرصة أيضاً لعرض الأمر على المسؤولين الأمريكيين وعلى قوات اليونيفيل التابعة للأمم المتّحدة لتحميل لبنان المسؤولية عن أي نتائج قد تنجم لاحقاً. نجحت إسرائيل أيضاً في تصوير هذا العمل على أنّه "أنفاق هجومية" تُعطي إسرائيل مسوغاً دفاعياً للقيام بعمل عسكري ضد حزب الله دفاعاً عن أمنها. وبهذا المعنى، فإن الحزب يغامر مجدداً في وضع لبنان في عين العاصفة دون أي مبررات محلّية، وهو بذلك يسهّل الطريق فعلياً لتل أبيب لإعادة لبنان إلى العصر الحجري كما وعد بذلك مسؤولوها.

تجاهل هذه الوقائع أو غض الطرف عنها أو الادعاء بأنّها غير موجودة لا يغيّر من حقيقة أنّ الارتباط العضوي لحزب الله بإيران يعرّض لبنان إلى مخاطر مهولة لا يستطيع مواجهتها أو تحمّل أعباءها. من المفارقات أنّ ما يجري في سوريا واليمن والعراق، قد يضخّم من شعور الحزب بالتفوق بشكل يسمح له باستثمار هذه الانتصارات الوهمية في استفزاز الدول الأخرى لحساب إيران مما قد يدفع إلى مغامرات غير مسحوبة النتائج تماماً كما حصل في عام 2006.