لماذا مادورو؟

2019.02.04 | 23:02 دمشق

+A
حجم الخط
-A

ست دول أوروبية، من بينها فرنسا وألمانيا، حذرت بشديد العبارة الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو بضرورة الإعلان عن تنظيم انتخابات رئاسية في أسرع وقت ممكن في البلاد وفي حال عدم التزامه بذلك في مهلة أقصاها كان ليل الأمس، فهذه الدول ستعترف برئيس البرلمان جوان غيدو كرئيس مؤقت للبلاد.

وبعد انتهاء المهلة، جرى التمديد لها فرنسياً لليلة إضافية. مع أن الرئيس قد صرّح بأن بلاده "لا تقبل تهديداً من أحد ولا تقبل مهلة من أحد. الانتخابات الرئاسية جرت في فنزويلا وإذا أراد الإمبرياليون انتخابات جديدة فعليهم الانتظار حتى 2025".

الرئيس نيكولاس مادورو، الذي وصل للرئاسة خلفاً لهوغو شافيز المتوفى سنة 2013، تبنّى سياسات الأخير الإفقارية للبلاد تحت مسميات يساروية تبنت نظرياً المبادئ الاشتراكية والتعاونية والثورية، لكنها فعلياً، ساهمت في إفقار أغنى الدول في أميركا اللاتينية عبر سياسات كسب الولاء وشراء الذمم وتوزيع العطايا داخليا، كما الحلفاء خارجياً كإيران وحزب الله والحكم السوري.

وعلى العكس من الحماقة الترامبية المتأصلة والتي تمثّلت بالاعتراف المباشر بالرئيس البديل، والتي انضم إليها حلفاء واشنطن في أميركا اللاتينية وعلى رأسهم اليمين المتطرف الحاكم في البرازيل كما اليمين المعتدل تطرفاً في كولومبيا، واللذان يعتبران أن مادورو عدو إقليمي هام لهما، فقد حاول الأوروبيون أن يؤسسوا مساراً تصالحياً من خلال القيام بعرض إجراء الانتخابات الرئاسية المسبقة تلك. ولكن الرئيس مادورو، قوي خارجياً بدعم روسي غير مشروط، ولكن حذر، ومطمئن داخلياً إلى وقوف قادة الجيش الذين نهلوا من عطاياه طويلا إلى جانبه، فقد رفض هذا العرض "التصالحي الوسطي" الأوروبي وقام بعرض بديل عنه عبر اقتراح الدعوة إلى تنظيم انتخابات تشريعية مسبقة. وهو بهذه الخطوة يستهزئ بالعرض الأوروبي بصفاقة لأنه يعرض إعادة انتخاب البرلمان الذي هو في الأصل معادي له والذي سبق لأجهزته الأمنية أن خطفت رئيسه لساعات منذ عدة أسابيع قبل أن يقوم بإعلان نفسه رئيساً للبلاد منذ أيام.

مع تفاقم أزمة الرئاسة، واصطفاف القوى الدولية، بدأت الانشقاقات في صفوف الجيش وبدأ بعض الجنرالات بالتخلي عن صاحب نعمتهم وحاميهم كعادة الضباط في الأنظمة الفاسدة

مع تفاقم أزمة الرئاسة، واصطفاف القوى الدولية، بدأت الانشقاقات في صفوف الجيش وبدأ بعض الجنرالات بالتخلي عن صاحب نعمتهم وحاميهم كعادة الضباط في الأنظمة الفاسدة. فهم يستفيدون ما دامت العطاءات متوفرة، ولكنهم لن يقاتلوا من أجل أن يحتفظ غوغائي متخبط بمنصبه. وسيصيرون أبطال الأمة إن هم عرفوا اختيار توقيت الانشقاق المناسب. وشهد السلك الدبلوماسي أيضا بعضاً من انشقاقات السفراء بتأثير داخلي أو تحت ضغط البلدان المستضيفة.

في مثل هذه الظروف شديدة "الإمبريالية" والتي تُقرّر فيها واشنطن وحلفاؤها تغيير رأس نظام في أحد اصقاع الأرض، يقع صاحب المبدأ والمؤمن بالديمقراطية وبالعدالة الاجتماعية، أمام مأزق أخلاقي لا يمكن تجاهله. فمن المؤكد بأنه سيميل إلى إدانة التدخل الخارجي كمبدأ يستند إلى حق الشعوب في تقرير مصيرها بعيداً عن تدخل القوى العظمى. ولكنه سيجد نفسه في ذات الوقت في موقف يُحسد عليه، فمن الصعب الدفاع عن المدعو مادورو في مجمل سياساته الداخلية وإدارته للبلاد من جهة، وفي تحالفاته الخارجية مع الأنظمة سيئة السمعة والممارسة كروسيا وايران وسوريا، والقوى العسكرية غير الدولاتية كحزب الله مثلاً.  

من الصعب الدفاع عن المدعو مادورو في مجمل سياساته الداخلية وإدارته للبلاد من جهة، وفي تحالفاته الخارجية مع الأنظمة سيئة السمعة والممارسة كروسيا وإيران وسوريا

أما داخلياً، فهو قد أسهم بشدة ونجاح في تعزيز تحوّل فنزويلا من بلد نفطي كان يمتلك إمكانيات هائلة في المنطقة ويؤثر في سوق النفط العالمية إلى بلد فقير مليء بالجريمة وبالعنف المجاني وملايين شعبه تلجأ عبر الحدود إلى الجيران بحثا عن الطعام وعن العمل. إضافة إلى التزامه بالعمل على نمط كل الديكتاتوريات العالم ثالثية أمنياً وقمعياً، بحيث رمى بمعارضيه في السجون وأغدق الأموال على مواليه والذين شكلوا من حوله هالة من الكذب والنفاق العزيزين على الأنظمة الديكتاتورية التي تتلون باليسار وبمبادئه بعيدا عن أي تطبيق عملي لها. وصار نظامه نموذجاً لتضامن اليسار البافلوفي الأوروبي والعربي كما الأنظمة المستبدة في مختلف أصقاع الأرض.

ومن نافل القول، بأن البافلوفية السياسية، ستدفع بالكثير من اليساريين العرب ومن في حكمهم إلى التضامن مع الديكتاتور مادورو لمجرد أنه في مواجهة مع أميركا وحلفائها في المنطقة. وسينسى المعنيون بهذا المرض العضال ـ أي البافلوفية السياسية ـ أمر الفساد المستشري والشرعية المغتصبة منذ انتخابات 2015 ووجود أكثر من 90 في المئة من الشعب تحت خط الفقر، أمام ضرورة التضامن مع مادورو في وجه "مؤامرات الامبريالية العالمية وصنيعاتها".

وسيلتفت آخرون للتساؤل عن سر الحسم الغربي في ضرورة تغيير النظام في فنزويلا مقابل التراخي الواضح في هذا الملف عربياً أمام القادة الذين ينتهكون الشرعية والحقوق ويرتكبون جرائم حرب ضد شعوبهم. والجواب ينبثق حتماً من منطق السؤال ذاته، فيوصل إلى الحتمية التي تقول بأنهم لا يريدون إذا تغيير هؤلاء القادة العرب الذين يستفيدون من فسادهم وتبعيتهم وخوفهم على الكرسي. وفي الخلاصة، فإن القول بأن قوىً دولية حاولت أن تقلب نظام حكم عربي ما وفشلت في ذلك نتيجة مقاومته والتفاف جموع المواطنين من حوله ليست الا أكاذيب يحلو للسذج أن يتلقفوها.