لماذا لم يُسقطوا الأسد

2018.10.25 | 00:10 دمشق

+A
حجم الخط
-A

لماذا لم يُسقطوا الأسد

الأنظمة الشمولية البوليسية وبخاصة التي لها تجارب عديدة في قمع شعوبها تقوم بتحصين نفسها في الكثير من الأسوار الفولاذية التي تمنع سقوطها، وإن سقطت تكون السقطة مدوية كما حدث في سقوط تشاوشيسكو رومانيا، لتنسف كل الدولة وأركانها وخاصة مؤسساتها الأمنية، والتي لهذا السبب يتم بناؤها بشكل متين يمنعها من الانهيار في مختلف الظروف.

ومن هنا يتساءل الكثير عن سبب حماية الأسد من قبل المجتمع الدولي وبقائه في السلطة حتى الآن، على الرغم من الجرائم الفظيعة التي اقترفها بحق الشعب السوري وعلى الرغم من تفكك البنية الأساسية لجيش الأسد وأغلب مؤسساته إلا الأجهزة الأمنية منها، والتي هي أحد أهم أسباب بقاء الأسد واستمراره على سدة الحكم، فقد بقيت متماسكة متراصة تتحكم في زمام الأمور على كامل المناطق التي يسيطر عليها الأسد، بل وعلى كثير من الأفراد والفصائل المحسوبة على الثورة السورية عبر اختراقات بالجملة لصفوف الثورة.

ولعل ما حدث في الجنوب السوري والغوطة الشرقية والشمال الحمصي وحلب الشرقية خير مثال على كم الاختراق الهائل للثورة، ابتداء من فصائلها العسكرية

دور القوى الدولية هو الأكثر فعالية في حماية الأسد كروسيا التي وقفت إلى جانب الأسد منذ بداية الثورة وقدمت له كل أنواع الدعم العسكري والأمني، والأهم الدعم السياسي

وصولا إلى مؤسساتها السياسية والخدمية المتمثلة في هيئة التفاوض والائتلاف والحكومة المؤقتة، ولعل النجاح الأمني لمنظومة الأسد طوال فترة الثورة ليس بسبب قوة الأجهزة الأمنية وخبرتها وحسب، إنما لأسباب أخرى تتعلق بالخدمات الجليلة التي قُدمت لهذا النظام العصابة من دول إقليمية كإيران التي أمعنت في دعم الأسد في قتل الشعب السوري بأبشع الطرق الوحشية وتشريده وإحلال الميليشيات الطائفية مكانه.

ولا ننسى دور الكيان الصهيوني في حمايته للأسد من خلف الكواليس متحالفة مع روسيا وداعمة لها في تنفيذ مخططها في سوريا، ومن المؤكد أن دور القوى الدولية هو الأكثر فعالية في حماية الأسد كروسيا التي وقفت إلى جانب الأسد منذ بداية الثورة وقدمت له كل أنواع الدعم العسكري والأمني، والأهم الدعم السياسي الذي تمثل في استخدام الفيتو في مجلس الأمن أكثر من عشر مرات، أما الولايات المتحدة الأمريكية فكان دورها إدارة اللعبة التي تؤدي إلى إعادة إنتاج الأسد ونظامه، تارة تتماهى مع الشعب السوري ومطالبه وتارة أخرى صمت مطبق غير مفسر، لكن دورها الحقيقي تكشف بشكل واضح عندما تخلت عن فصائل الجنوب السوري ما أدى إلى تنفيذ هذه الفصائل مطالب الروس دون تحقيق أي مكسب للثورة السورية.

هذه الخدمات التي ساعدت الأسد وعصاباته على التغلغل في مفاصل الثورة والتحكم بمفاتيحها عبر مؤسساتها وقادة بعض فصائلها التي تم التحكم بها بشكل كامل من قبل الدول الداعمة لها وبالتالي تم تدجينها وربطها بمشروع بقاء الأسد وإعادة إنتاجه من حيث تدري أو لا تدري.

وإذا أردنا أن نعرف لماذا وقف هؤلاء جميعاً مع الأسد ولم يقف مع شعبنا وثورتنا إلا ما ندر وعلى حياء نجد أن هناك أسبابًا كثيرة، أهمها أننا نحن كثورة أخطأت في اختيار قادتها الذين لم يقنعوا أحدا بهم كقادة حقيقيين لشعب ثائر ضحى بأغلى ما يملك من أجل أن ينال حريته وكرامته من خلال فشلهم في إقناع أصحاب القرار في العالم بأنهم رجالات دولة يُمكن أن يحكموا سوريا المستقبل من خلال تحقيق مصالح هؤلاء فيها، التي ثبت أنها

مخابرات الأسد هي اليد الطولى في العالم مع بعض الأنظمة الوظيفية في المنطقة في صناعة الإرهاب ونشره وتعويمه والاستفادة منه في تحقيق مصالح مشتركة مع الكثير من المؤسسات الأمنية الدولية

تتمتع بمكانة خاصة في العالم، من خلال موقعها الجيوسياسي والأمني بسبب مجاورتها للكيان الصهيوني، وقد تجلت مكانتها الخاصة هذه في حماية الصهاينة للأسد وبشكل علني لا لبس فيه لأنه قدم لهم كل متطلباتهم بل كان هو وأبوه "الخادم الأمين" للصهاينة وكيانهم وهذا هو أحد أهم أسباب استمرار حكم هذه العائلة سوريا حتى الآن.

ولعل أحد أهم أسباب عدم سقوط الأسد حتى الآن أيضاً الدور الذي تقوم به أجهزة مخابرات الأسد المتشعب والمتغلغل في المنظومة الأمنية الدولية في كافة أرجاء المعمورة والخدمات الجليلة التي قدمتها هذه الأجهزة  لهذه المنظومات، ومن هذه الخدمات أن هذه أجهزة مخابرات الأسد هي اليد الطولى في العالم مع بعض الأنظمة الوظيفية في المنطقة في صناعة الإرهاب ونشره وتعويمه والاستفادة منه في تحقيق مصالح مشتركة مع الكثير من المؤسسات الأمنية الدولية، ولعل ما حدث في الثورة السورية المباركة خير مثال على ذلك من خلال الأفراد والمجموعات المدجنين والمختبرين الذين تم إطلاق سراحهم من سجن صيدنايا، بالتزامن مع هروب منظم لقادة القاعدة المدجنين من سجون المالكي كسجن أبو غريب وغيره في العراق، وهذا الأمر كوّن داخل الثورة السورية تيارا أطاح بكل قادة الثورة الحقيقيين الذين تم إقصاؤهم أو اعتقالهم أو تصفيتهم بشكل ممنهج،  ليسيطر هذا التيار على قرار العمل المسلح وليرتكبوا الفظائع في أهلنا وشعبنا، والذي من المفروض أن يقوم هؤلاء بحمايته طالما أنهم حملوا لواء الدفاع عن الإسلام، لكن ثبت أنهم ليسوا إسلاميين ولا علاقة لهم بالدين الإسلامي الحنيف، بل هم أدوات خدمت الأسد وكانت أحد أهم العوامل التي ساعدت الأسد على إعادة السيطرة على معظم المناطق التي حررها الجيش الحر الحقيقي الذي تم طمس معالمه الوطنية وحرفه عن هدفه الحقيقي، الذي أصبح بندقية مأجورة تتقاذفها مصالح الدول الداعمة له على حساب مصالح الشعب السوري ودماء شهدائه.

إن الدور الوظيفي الذي نجح في تنفيذه الأسد وأجهزة مخابراته وغياب البديل الحقيقي له ممن أمسكوا زمام أمور الثورة واغتصبوا تمثيلها هو السبب الحقيقي لبقاء الأسد حتى الآن لا بل يقوم أصحاب القرار في العالم في إعادة إنتاجه من جديد ليتابع المهمة الموكلة له في حماية الكيان الصهيوني وتفكيك المجتمع السوري لإعادته إلى الحضيرة لاستكمال مخطط تجهيله وطمس حضارته من خلال مشاريع التغيير الديموغرافي الذي ينفذها الأسد وأجهزته بدعم مطلق من المحتل الإيراني وغض النظر من الأمريكان أصحاب المصلحة الحقيقية في كل ما حدث ويحدث للشعب السوري.