لماذا لم يسقط الأسد إذاً؟

2019.04.15 | 21:25 دمشق

+A
حجم الخط
-A

خلال سنوات الثورة السورية المتواصلة كان رحيل زعيم أو رئيس دولة، موته أو انتهاء ولايته دستوريا أمرا يشكل نصرا لقطيع من مناصري الأسد ومعتنقي مذهب "الأسد أو لا أحد"، وثماني سنوات ونيف كانت كافية للاستمرار بصنع صور تضم زعماء كثراً يضعهم أتباع هذا المذهب بكفة مقابل كفة بشار الأسد فبتنا نرى مثلا صورة تجمع (الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما مع الرئيس الفرنسي فرانسو هولاند والملك السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز وأمير قطر السابق وغيرهم...) معنونة الصورة بعبارات من قبيل "رحلوا جميعا وبقي الأسد" دون أدنى وعي تنتشر الصور بينهم رغم أنها تعبّر عن مهانة لهم أولاً ولبلادهم لأنها تخالف أبسط الحقوق بتداول السلطة سلميا وبإيجاد آلية حقيقية وعادلة لحكم البلاد والعباد.

اليوم أيضاً تنتشر صورة تجمع رؤساء الجمهوريات العربية الساقطين في موسمي الربيع العربي -الذي أثبت بالدليل القاطع أن مواسمه لن تنتهي مذ أزهر قبل أكثر من ثماني سنوات وإن عطّلته مواسم خريف متلاحقة- صورة الساقطين مجتمعين مدهشة، وهي إذ جمعتهم يوماً في صف واحد كزعماء تعاود جمعهم كأصحاب مصير واحد طالهم، السقوط تنحياً أو اقتلاعاً أو قتلاً، وها نحن نقول ليت بشار الأسد كان معهم في الصورة، فلو كان بينهم لأصبحت فألاً حسنا بأنه الساقط القادم وأن نبوءة أطفال درعا "جاك الدور يا دكتور" ستتحقق قريبا... لكن لماذا سقط الجمع ولم يسقط الأسد؟

قد يكون هذا السؤال باهظ الثمن هو سؤال السوريين الأهم حاليا وهم في سنتهم التاسعة من الثورة يغبطون السودانيين والجزائريين وينتظرون دورهم.. هل ثورتهم لم تكن عادلة؟ هل كانوا فعلا طرفا -من حيث يدرون أو لا يدرون- في مؤامرة على حكم الأسد "المقاوم" ليس إلا، هل وهل..؟
ببساطة، كانوا دون ظهير يقيهم، ويدفع بآمالهم، يقيهم القتل المعد لهم طوال خمسة عقود كان خلالها الأسدان الأب والابن ومن معهم

الأسد الأب أحاط نفسه أثناء فترة ترسيخ حكمه بجيش مؤدلج، قوّاه بعشرات الأجهزة الأمنية الخشنة وجعل لها أذرعاً مسلحة لا توالي الوطن بل تواليه

يصنعون قوة فتاكة سموها الجيش وهم العارفون بأن هذا البلاد لا قوة فيها سوى للعسكر والجيوش، وإن هم روّضوا هذه المؤسسة وصمموها كما يريدون "طائفيا ومصلحيا" وربطوها بعقائد وخلفيات وتخوفات وأطماع وكذلك بقوى داخلية وخارجية محددة ستكون لها الغلبة.

الأسد الأب أحاط نفسه أثناء فترة ترسيخ حكمه بجيش مؤدلج، قوّاه بعشرات الأجهزة الأمنية الخشنة وجعل لها أذرعاً مسلحة لا توالي الوطن بل تواليه، ومن خلفها دائما سخرت كل مقدرات الدولة لبنائها وبناء الجيش الذي سيكون لاحقا الذراع الأمضى والأقوى للاستمرار بالحكم، لا للانقلاب عليه كما حصل مع أقرانه في الجمهوريات العربية.

الجيوش هي التي اقتنصت فرص مواسم الربيع العربي وانقضت على الحكم فأطاحت بزين العابدين ثم مبارك فالقذافي وصالح والآن بوتفليقة والبشير وبن عوف، إلا جيش الأسد انقض على الشعب وأطاح بأحلامه ومازال مسخرا كل ما تيسر له وأتيح من قوة ليس أولها سلاح الطيران المدمر ولا آخرها الكيماوي.

لا جنرلات أقوياء في جيش الأسد هم نفسهم من كانوا خلصاً للأب استمروا بإخلاصهم أكثرهم معد طائفيا لهذا الغرض وبعضهم مصلحياً فمؤسسة الأسد العسكرية مربوطة المصير ومحكومة بأمرين لا ثالث لهما أولا الاستمرار الدعائي بالعداء لإسرائيل يبرر كل شيء، وثانيا لا يُفقد الحكم إلا من خلال العسكر في بلاد العرب، فكانوا أعداء لبعض تجمعهم مصلحة الاستمرار معا أو الزوال كليا، وبكل الحالتين كان الشعب السوري الضحية الدائمة لما يسمى جيشه الباسل، في السلم يسرق قوته ومقدراته بحجة التجهيز لحرب إسرائيل وفي الثورة ينصبه عدوا فيقتل ويدمر ويشرد دون رادع، فهذا الجيش الذي والى الأسد وناصره هو منتج رديء من مصانع الأسدين التي قدمت لسوريا طيارين

السوريون خسروا معركتهم بالتحرر وما بقي لهم سوى الحسرات هل هزموا؟ هل كانوا أضعف من أقرانهم الثائرين في تلك البلاد؟

قادرين أن يذخروا مقاتلاتهم الحربية ليحلقوا ويقصفوا إخوانهم نساء وأطفالا وشباباً، هذه المصانع قدمت ضباطا قادرين أن يعدّوا صواريخ محملة بالسلاح الكيماوي ليضربوا بها سوريين آخرين، هذه المصانع الأسدية ندبة في جبين التاريخ السوري وهي من عوامل تأخر النصر في معادلة العين والمخرز، هذه المصانع أنتجت بشرا قادرين على اعتقال وتعذيب نصف مليون سوري منهم نساء اغتصبن في الأقبية الباردة فقط لأنهن من عائلات فيها ثائر أو معارض.. لهذه الأسباب ولكثير من الوحشية والقهر لم يسقط الأسد إلى الآن.

أما وقد وقع ما وقع وفي موجة الربيع الثانية، أسقطت رؤوس ما كنا لنحسبها تسقط وبسرعة فاقت التوقعات هل يمكن القول إن السوريين خسروا معركتهم بالتحرر وما بقي لهم سوى الحسرات هل هزموا؟ هل كانوا أضعف من أقرانهم الثائرين في تلك البلاد؟ أما عليهم الآن التمسك أكثر بالأمل..؟ لا لم يكونوا أضعف بل كانوا الأكثر تضحية وفداء في سبيل ثورتهم وحقهم، ورغم كل التحفظات على المعارضة التي تمثل الثورة اليوم لكنها بنت مرحلة صعبة وشاقة وعليها الاستمرار بإخلاص للدم المسفوك حتى ينال السوريون ما يستحقون، ورغم كل التضحيات لا خيار للسوريين سوى أن يستمروا فمهما كان الواقع صعبا إلا أنه لن يسقط الحق بالحلم بحرية كاملة لسوريا ولكل السوريين.