icon
التغطية الحية

لماذا تسعى "هيئة تحرير الشام" للسيطرة على دارة عزة غرب حلب؟

2019.01.01 | 14:01 دمشق

قصف جوي سابق لـ"نظام الأسد" على بلدة دارة عزة غرب حلب (الأناضول)
فراس فحام - تلفزيون سوريا
+A
حجم الخط
-A

جددت "هيئة تحرير الشام" صباح اليوم الثلاثاء الأول من شهر كانون الثاني، هجومها على مواقع "الجبهة الوطنية للتحرير" في مدينة دارة عزة بريف حلب الغربي، وذلك بعد عدة أيام من استجماع القوات وحشدها في محيط المنطقة.

واتخذت الهيئة من قضية مقتل عناصر في بلدة تلعادة قرب دارة عزة، وقالت إنهم تابعون لها لتبرر هجومها العسكري، على الرغم من توصل الطرفين لاتفاق في الثلاثين من الشهر الماضي يقضي بتشكيل محكمة مستقلة يرأسها القاضي "أنس عيروط".

وأفادت مصادر ميدانية خاصة لموقع تلفزيون سوريا أن الهيئة ركزت هجومها صباح اليوم على ثلاثة محاور، الأول من جهة بلدة تقاد والثاني من طرف خان العسل والثالث من محيط دارة عزة، والهدف من ذلك عزل الدارة عن محيطها وفصل طريقها مع منطقة "عفرين" لمنع الجيش الوطني السوري من التدخل بالمواجهات.

وأصدرت "الوطنية للتحرير" بياناً رسمياً أكدت فيه أن الهيئة تسعى لاستغلال حادثة "تلعادة" من أجل توسيع سيطرتها، وإبعاد الجبهة عن مناطق إستراتيجية خاضعة لها، مشيرةً إلى أنها ستدافع عن نفسها ضد الاعتداء.

وبحسب ما أكدته مصادر عسكرية في "الجبهة الوطنية للتحرير" لموقع تلفزيون سوريا، فقد قامت فصائل الجبهة بتشكيل غرفة عملية للتنسيق فيما بينها للتعامل مع هجوم الهيئة على مواقع بعض مكوناتها.

وليست المرة الأولى التي تسعى فيها "هيئة تحرير الشام" لدخول منطقة دارة عزة، فقد سبقها محاولات عديدة أبرزها في شهري شباط وأيلول من العام الماضي، لكن الأمور استقرت في النهاية إلى استمرار خضوع المنطقة لسيطرة "حركة نور الدين الزنكي" المنضوية ضمن الجبهة الوطنية للتحرير.

 

أهمية دارة عزة الإستراتيجية
تعتبر قمة جبل الشيخ بركات الواقعة في دارة عزة والبالغ ارتفاعها 1000 متر نقطة حاكمة ومطلة على كامل الشريط الحدودي مع تركيا في محافظتي حلب وإدلب.

وتطل المنطقة الواقعة على هضبة مرتفعة على مداخل مدينة حلب الغربية في كل من المنصورة وخان العسل، مما يكسب موقعها أهمية اقتصادية خاصة في حال توصل الجانبين الروسي والتركي إلى تفاهم حول فتح الطرقات الدولية M4  و M5 الواصلين بين دمشق - حلب، واللاذقية – حلب.

ومنذ سيطرة الجيش الوطني السوري على منطقة عفرين في شهر آذار عام 2018 بعد عملية "غصن الزيتون"، أصبحت دارة عزة ممراً اقتصادياً لقوافل المحروقات والشاحنات التجارية الوافدة من شمال وشرق حلب إلى غربها وبالتالي محافظة إدلب وبالعكس، كما أن اقتراب موعد افتتاح معبر جنديرس مع ولاية هاتاي التركية وتوجه الجانب التركي لجعله ممراً للبضائع التجارية بدل معبر باب الهوى يزيد من أهمية المنطقة التي تعتبر حلقة وصل بين عفرين وغرب حلب.

وتولي هيئة تحرير الشام لمنطقة دارة عزة أهمية عسكرية خاصة، حيث تعتبر أن استمرار وجودها خارج سيطرتها يعني احتمالية تدفق قوات الجيش الوطني السوري إلى غرب حلب ومحافظة إدلب بأية لحظة ودون عوائق.

 

قطع شريان الجبهة الوطنية للتحرير
تعتبر "دارة عزة" بالنسبة للجبهة الوطنية للتحرير بمثابة رئة تنفس، على اعتبار أن وقوعها تحت سيطرتها يسمح لها بالتنقل بين إدلب وعفرين وشمال حلب دون المرور على مناطق سيطرة "هيئة تحرير الشام".

ويبدو أن الهيئة ترغب بإبعاد الجبهة عن دارة عزة للتحكم لاحقاً بكل تحركاتها العسكرية وأيضاً رغبة منها في تفويت المكاسب الاقتصادية عليها والناجمة عن الاستحواذ على طريق تجاري مهم، وأيضاً تريد الهيئة ضمان عدم اتصال مناطق الجبهة مع "الجيش الوطني السوري" في منطقتي عمليات "غصن الزيتون" و "درع الفرات"، خاصة وأن فصائل من "الوطني السوري" تدخلت في مواجهات سابقة في دارة عزة لصالح الجبهة الوطنية للتحرير.

وتسعى الهيئة من خلال التضييق على "الجبهة الوطنية للتحرير" وعزلها عن الاتصال بالحدود التركية إلى تكريس نفسها كسلطة أمر واقع، بهدف إجبار تركيا على التنسيق معها لضمان العبور الآمن إلى نقاط المراقبة في عمق إدلب وشمال حماة، واستخدام هذه الورقة لإطالة أمد بقاء التنظيم أطول فترة ممكنة وثني تركيا عن اتخاذ قرار إنهائه.

 

تكريس سلطة "حكومة الإنقاذ"
إن بنك الأهداف الذي وضعته "هيئة تحرير الشام" لا يقتصر فقط على مدينة دارة عزة أو مناطق سيطرة "حركة نور الدين الزنكي"، وإنما يتعداها ليشمل كل من معرة النعمان وأريحا، أكبر مدن محافظة إدلب من حيث المساحة والثقل السكاني، والخارجتين عن سيطرة "حكومة الإنقاذ" منذ شهر شباط 2018 بعد أن سيطرت عليها فصائل "جبهة تحرير سوريا" و"صقور الشام" الذين انضووا جميعاً بوقت لاحق ضمن "الجبهة الوطنية للتحرير".

وتنشط مكاتب "الحكومة المؤقتة" في كل من ريف حلب الغربي وأريحا ومعرة النعمان، الأمر الذي يشكل تهديداً لنجاح مشروع "الإنقاذ" الواجهة المدنية لـ"هيئة تحرير الشام" على الصعيدين الداخلي والخارجي.

وكانت "حكومة الإنقاذ" قد فرضت هيمنتها على المجالس المحلية والمنشآت التعليمية والمرافق العامة بشكل تدريجي في مناطق سيطرة "هيئة تحرير الشام"، لكنها اصطدمت برفض فصائل "الجبهة الوطنية للتحرير" للمشروع، حيث عملت هذه الفصائل بدروها على إفساح المجال لـ "المؤقتة"  والمجالس المحلية التابعة لها بالعمل في مناطقها.

خلاصة: يبدو أن الأمور في الشمال السوري تتجه إلى ما يشبه الحرب المفتوحة في ظل بيان يعتبر الأول من نوعه للقيادة العامة للجبهة الوطنية للتحرير، التي التزمت الصمت في المواجهات السابقة، حيث تدرك الأخيرة أن "هيئة تحرير الشام" لن تكتفي ببعض مكوناتها في حال تمكنت من قطع شريان اتصال الجبهة مع الحدود التركية، أما "هيئة تحرير الشام" فيبدو أنها تستشعر أخطاراً تهدد وجودها وقد تكون اقتربت في ظل تكثيف اللقاءات الدولية في الأسابيع الماضية لترتيب أوضاع الشمال السوري ومنطقة شرق الفرات.