icon
التغطية الحية

لبنان ينتقم من حقبة "الاحتلال السوري" عبر اللاجئين

2018.07.11 | 16:07 دمشق

لاجئون سوريون يغادرون بلدة عرسال اللبنانية إلى سوريا (رويترز)
تلفزيون سوريا -لبنان- محمد حسن
+A
حجم الخط
-A

الممارسات التمييزية من قبل اللبنانيين على الجنسيات الأخرى ليست استثنائيةً اليوم، فهي ثقافة عامة عند بعض اللبنانيين، يمكن تسميتها بـ "العنصرية"، حيث يتمثل انتشارها في وسائل التواصل الاجتماعي والوسائل الإعلامية التي تدافع عن برامجها العنصرية بأنها تُعجِب مشاهديها، وتستمر بفعل تفاخرها بنسبة المشاهدات العالية وطالت السخرية والممارسات العنصرية جميع فئات المجتمع، اللاجئون والعمال الأجانب وعاملات المنازل، وبعض السُيّاح الأجانب، وحتى طالت اللاجئين الهاربين من جحيم الحرب السورية، فالمستضعفين تسحق حقوقهم، وتُجردت منهم.

صدارة العنصرية

ترسخت الصور النمطية بين المجتمع اللبناني بعد تداعيات عرسال في آب 2014، "التي شاركت فيها فصائل إسلامية قدمت من سوريا إلى الحدود اللبنانية، وخاضت معارك مع الجيش اللبناني، وخطفت جنوداً وضباطاً من صفوف الأخير"

تنتشر بين الحين والآخر سلسلة من الهجمات العنصرية ضد فئة مجتمعية معينة في لبنان، حيث يتصدر الهجمات اللاجئون السوريون، كونهم أصبحوا أكثرية "الغرباء" في لبنان، وأصبحت الاتهامات تلاحقهم أينما وُجدوا - ارتكابهم الجرائم، نشر فكر الإرهاب الداعشي (تنظيم الدولة الاسلامية)، عمالتهم الاستخباراتية مع النظام، وسلبهم لفرص العمل، وهروبهم إلى لبنان وترك الشبان اللبنانيين (مقاتلي حزب الله) يشاركون في المعارك دفاعاً عن سوريا عوضاً عنهم كلاجئين - جميعها اتهامات يواجهها اللاجئون كل حين، هذا لا يعني أن جزءاً  من السوريين لا يقومون بتصرفات سلبية في المجتمع اللبناني المضيف، ولكن ما هي التصرفات و أين نسبتهم من اللاجئين؟

ترسخت الصور النمطية بين المجتمع اللبناني بعد تداعيات عرسال في آب 2014، "التي شاركت فيها فصائل إسلامية قدمت من سوريا إلى الحدود اللبنانية، وخاضت معارك مع الجيش اللبناني، وخطفت جنوداً وضباطاً من صفوف الأخير"، أدت لازدياد الاحتقان بين اللبنانيين والسوريين، وانتشرت موجات عنصرية كبيرة والتفّت الخطابات إلى الخطر الذي يحيط بلبنان واللبنانيين جراء تدفق السوريين إلى لبنان، قد غيّرت موجة العنصرية التي كانت تتمحور حول اللاجئين من مصر والسودان وأثيوبيا وسيرلنكا والفلبين، إلى العبء الذي سيواجه لبنان أمنياً واقتصادياً واجتماعياً من الوجود السوري في لبنان.

نتذكر، في 12 فبراير/شباط عام 2016، تعرض الشاب اللبناني "بول محبوب" وهو يسير في ساحة بلدة فرطبون في منطقة جبيل اللبنانية، لضرب مبرح من بضعة شباب من المنطقة  بعد أن طلبوا منه بطريقة استفزازية وساخرة وفوقية الكشف عن هويته فرفض ذلك، فاعتقدوا أنه "سوري الجنسية". هناك الكثير من المواقف التي تشبه الضرب الذي تعرض له محبوب في بلدته، هذه الحادثة ما هي إلا انعكاس واضح لما وصل إليه مستوى العنصرية تجاه السوريين في لبنان، وقد تمكن موقع «إنسايدر مونكي» الأمريكي من جمع استطلاعين للرأي منفصلين؛ وذلك بهدف تصنّيف أكثر 25 دولة عنصرية في العالم، لتظهر النتائج أنّ لبنان في المرتبة الثانية بعد الهند في تصنيف الدول الأكثر عنصرية في العالم، إذ أظهرت الأرقام أن 36.3% من المستطلعين لا يرغبون بمجاورة أشخاص من أعراق أخرى، بينما قال 64.5% منهم: أنهم شهدوا حوادث عنصرية.

بعيداً عن انقسام رأي اللبنانيين حول المسألة السورية، سواء كانت عسكرية أم سياسية، فإن موضوع اللاجئين السوريين في لبنان مادة خلافية إضافية إلى الخلافات التقليدية التي كانت تسبق موجة اللجوء إلى لبنان عام 2011، فمحور 14 آذار الممثل "بتيار المستقبل" أبدى تعاطفاً مع اللاجئين السوريين الهاربين من الحرب في سوريا وكان دعمه للمعارضة السورية قد اقتصر على الناحية السياسية، أما محور 8 آذار الممثل "بحزب الله"  لم يقتصر على الجانب السياسي وحسب، بل تعداه إلى المشاركة كـلاعب أساسي في دعم النظام عسكرياً، أما جانب المسيحيين الممثل بالتيار الوطني الحر المقرب من النظام بعد عام 2005، فاقتصرت تصرفاته في لبنان باتخاذ مواقف متطرفة حيال اللاجئين، ومنطق تخويف وتخوين اللبنانيين من اللاجئين ساد في جميع خطاباته، أما عن باقي الأطراف المسيحية لا سيما القوات اللبنانية فأخذت موقفاً حيادياً وأن حضور اللاجئين السوريين ظرفياً ولا يستدعي الخوف والتوتر لأجلهم، قبل أن تحذر الأخيرة الأمم المتحدة بإجلاء السوريين في أول باخرة إليهم.

 وزير الخارجية جبران باسيل: "نبهنا من اليوم الأول بأن ملف النازحين يشكل هاجسا أساسيا لدينا وأصبح حقيقة كونه يشكل ملجأ ومأوى لبعض الإرهابيين"

عنصرية الخطاب

وعن التصريحات، نذكر منها؛ تصريح سابق لرئيس الجمهورية ميشال عون "الحاجة إلى معالجة مشكلة النازحين باتت أكثر من ملحّة في لبنان لأنها تضغط بكل ثقلها ومن النواحي كافة الاقتصادية والاجتماعية والأمنية"، وتصريح وزير الخارجية جبران باسيل بعد تداعيات عرسال العام الماضي: "نبهنا من اليوم الأول بأن ملف النازحين يشكل هاجسا أساسيا لدينا وأصبح حقيقة كونه يشكل ملجأ ومأوى لبعض الإرهابيين"، وتحذير رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع " لم تقبل الأمم المتحدة إعادة النازحين إلى سوريا فنحن سنضعهم على أول باخرة متجهة إليها" وغيرهم من السياسيين البارزين الذين بدأوا برفع أصواتهم منادين بعودة اللاجئين إلى سوريا.

إن طريقة ضخ الأفكار العنصرية من قبل الزعماء والمسؤولين السياسيين اللبنانيين عبر وسائل التواصل الاجتماعي بالمنشورات المستمرة ووسائل الإعلام بالتصريحات الرسمية، ساهمت بشكل كبير في المعاملة العنصرية والمسيئة لوضع اللاجئين السوريين، مما أدى إلى خرق القوانين للأنظمة الداخلية والدستور اللبناني لبعض البلديات والأجهزة الأمنية، فقامت بعض البلديات بفرض عقوبات عديدة من حظر تجول في ساعات الليل، وفرض العمل بالسخرة، ودفع مبالغ مالية لقاء الخدمات التي تقدمها البلديات، ومن يعارض قوانين البلديات فقد يطرد من المنطقة بحجة مخالفته للقانون!، وفي آخر تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش، قالت أنها وثقت عملية اخلاء قسري لما يقارب 3664 لاجئاً سورياً من قبل 13 بلدية لبنانية، فيما يواجه 42 ألف لاجئ خطر الترحيل القسري في بلديات أخرى، وقالت: "الطرد من قبل البلديات يبدو تمييزياً وغير قانوني".

أما عن الأجهزة الأمنية، فأصبحت المداهمات المستمرة لمخيمات اللاجئين على المحاذية للحدود السورية في البقاع والشمال اللبناني ومنطقة عرسال، والأبنية السكنية في بيروت وضواحيها، محط انشغالهم بين عامي 2014 و2017، إلى أن رفعت المنظمات الدولية المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان كـ "هيومن رايتس ووتش" والمنظمات المحلية كـ "الأجندة القانونية" توصيات للأمم المتحدة من شأنها تخفيف الضغط الأمني والمعاملة السيئة من قبل الأجهزة الأمنية مع اللاجئين السوريين، فأصبحت قليلة في عام 2018، لكن جميع الأساليب تلك حدّت من حرية اللاجئين وأهانت كرامتهم.

 

عن الحقبة السورية السوداء في لبنان

في مدونة على ساسة بوست، كتبت الصحفية ميرفت عوف بإحدى مقالاتها "وبالرغم من أن استقلال سوريا و لبنان كان في عامٍ واحد إلا أن فرنسا جعلت اللبنانيين يتصوَّرون أنها "أمهم الحنون" كما يصفها المحلل السياسي السوري "جميل عمار"، لذلك رسمت هذه العلاقة هُوَّة كبيرة بين دمشق وبيروت، دفعت على إثرها سوريا بعدم الاعتراف باستقلال لبنان، وبقي الأمر حتى اندلعت الحرب الأهلية عام ١٩٧٥ عندما لعبت سوريا دورًا محوريًا بالصراع من خلال قوات الردع، وهنا يقول عمار: "كان الجيش السوري أشبه بجيش محتل خلق هذا التصرف كره و حقد عند اللبنانيين تجاه السوريين، جاءت فرصة الانتقام بعد لجوء أعداد كبيرة من السوريين إلى لبنان، وبدلًا من أن يردوا الجميل على استضافة السوريين للبنانين العام ٢٠٠٦، قاموا بعمليات أقل ما يمكن أن تتصف به أنها عنصرية تجاه السوريين.""

ما قبل آذار عام 2005، نستذكر أن سبب تدخل جيش النظام في لبنان هو لوقف الاقتتال الطائفي (الحرب الأهلية) فيه، والتي دخلها الأول في سبعينيات القرن الماضي، بعد مؤتمر الطائف في السعودية الذي عُقد بناءاً على قرار جامعة الدول العربية، فقد مر على لبنان أيام تمزّق داخلي بسبب الانتهاكات التي طالت اللبنانيين جميعاً آنذاك، حيث استقر حواجز جيش النظام في جميع أرجاء البلاد، وانتشرت السرقات وتدمير الممتلكات العامة والخاصة وانتهكت حقوق اللبنانيين حتى أحسوا اللبنانيين بأنهم غرباء عن أرضهم.

في وقت مُنعوا فيه الزعماء والسياسيون من اعتراضهم عن التواجد السوري، منذ أن بدأ مسلسل الاغتيالات والتفجيرات في عام 2004، كان أول ضحية بمحاولة الاغتيال قد طالت النائب مروان حمادة في أول تشرين الأول عام 2004، وكان استهدافه وغيره من النواب الذين رفضوا التمديد للرئيس "أميل لحود" والتي كان لسوريا دور هام في تمديد فترة رئاسته، وبعدها تم اغتيال النائب جبران تويني، وكمال جنبلاط الذي صرح بأنه ضد التواجد السوري في لبنان!. حين كانت القوات السورية تسيطر سياسياً وعسكرياً واقتصادياً وأمنياً على لبنان، وقد حاولوا اغتيال ميشال عون الذي كان يشاطر جنبلاط الرأي!.

بقي جيش نظام الأسد ل29 عاماً في لبنان، ولم ينسحب إلا نتيجة للضغوطات التي مورست بحقه بعد الاتهامات التي وجهت إليه إثر اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري في بيروت، وجميع أصابع الاتهام أشارت إلى سوريا، فغادر النظام السوري وتكلل بحقبة وذكريات سوداء، والجرائم وصور التعذيب التي تظهر على السوريين ما هي الّا انتقامات لتاريخ الاحتلال السوري للبنان، متى سينتهي الكابوس السوري لدى اللبنانيين، وتُفصل اللحظات التاريخية بين احتلال النظام ولجوء السوريين؟.