لبنان.. الجمهورية الجديدة

2019.09.14 | 00:09 دمشق

+A
حجم الخط
-A

في عام 2013 وفي إحدى أقوى خطب زعيم حزب الله حسن نصر الله، صرخ عالياً بطريقته المعهودة قائلاً ( من أراد أن يدافع عن المعارضة السورية فليذهب إلى سوريا، و من أراد أن يدافع عن النظام فليذهب إلى سوريا، ولكن دعوا طرابلس في أمان ) وكان وقتها  الحديث محتدم في لبنان عن الأمن وسياسة عدم الانحياز وكان حينها نصر الله في أوج جديته خائفاً من تحول الأرض اللبنانية إلى ساحة معركة تخلخل مفهوم التوازن مع إسرائيل الذي فرضته وقائع حرب 2006، حينها كان ما يسمى بـ ( حلف المقاومة ) مذعوراً من فكرة خروج سوريا من الحلف الإقليمي وبالتالي سقوطه بالكامل بسبب كونها جسراً جغرافياً بين إيران وحلفائها.

أراد الحزب أن يحيد ساحته الداخلية ويأمنها ولكن مع إغفال احتمالية دمار سوريا بالكامل، وهذا ما حصل تماماً، فقد غدت سوريا ساحة لحرب بالوكالة

حينها أراد الحزب أن يحيد ساحته الداخلية ويأمنها ولكن مع إغفال احتمالية دمار سوريا بالكامل، وهذا ما حصل تماماً، فقد غدت سوريا ساحة لحرب بالوكالة بين دول إقليمية وعربية ودولية وضاعت بين أقدام المتحاربين قضية الشعب السوري ودعوته للحرية والديمقراطية و حقوق المواطن السوري أصبحت هوامش في خطب تدين الإرهاب والعمالة والخيانة

ولكن منذ سنة على الأقل تزايدت ضغوط الإدارة الأميركية الجديدة على النظام الإيراني الذي بات يدس أنفه في كل قضية في المنطقة العربية ويعيث فيها فساداً و إذكاءاً للنار ، وحسب ديدن الاستراتيجية الدفاعية الإيرانية المعتمدة منذ يوم الثورة الإسلامية هناك، فإن خطة الدفاع عن طهران تبدأ بمد خطوط دفاعية أمامية تحيط بالجمهورية الإسلامية، تمتد من أفغانستان وآسيا الوسطى وحتى بلوشستان في باكستان وطبعاً في العراق وسوريا ولبنان وفلسطين ومؤخراً في اليمن، أما البند الثاني من الاستراتيجية الدفاعية الإيرانية فهي أخذ التنمية في المنطقة كرهينة تحت نيران الصورايخ والنيران الإيرانية ونيران حلفائها دوماً، فمنطقة الخليج العربي بما تشهده من تنمية وازدهار وقوة اقتصادية من جهة وإسرائيل ربيبة الغرب المدللة وما تشهده من استقرار بفضل المعطيات الإقليمية، باتوا جميعاً رهائن تحت رحمة الصورايخ الإيرانية وصواريخ الحشد الشعبي وحزب الله والحوثيين، جميعاً أصبحوا يوقتون حساباتهم على التوقيت الفارسي في طهران ، فكلما اشتد الخناق بين الغرب والولايات المتحدة من جهة وبين إيران، عملت طهران على زعزعة الأمن الإقليمي وإرسال الطائرات المسيرة من صعدة في اليمن نحو الأراضي السعودية أو الإماراتية أو فجرت المفاوضات في الدوحة بين طالبان والولايات المتحدة عبر عناصر مخترقة من قبلها في حركة طالبان ، وفي مراجعة سريعة لمجريات الشد والجذب بين الغرب وطهران ، نرى الواقع الإقليمي يشتعل على إيقاع ذلك التجاذب ، ولكن ما حصل بالفعل هو أن تلك السياسة نجحت بالفعل ، بل ونجحت بشكل مذهل أيضاً ، فالنظام الإيراني الذي يتفاخر بأنه أصبح قوة عالمية لا يجب التهاون بها على الإطلاق ، نسي بأنه أصبح كذلك بفعل سياسة قطع الطريق وأخذ الرهائن ، رهائن بحجم دول وليس حجم أشخاص ، ولم يصبح قوة إقليمية بسبب قوته الاقتصادية أو معدلات التنمية المتنامية لديه أو رفاهية شعبه ، بل على العكس أصبح قوة بلطجة إقليمية يحسب الجميع حساب أذاها وليس حساب فضل التعامل والتحالف معها .

في خضم كل ذلك خرج حزب الله من عزلته وأحادية مسببات وجوده وتشكله كقوة عسكرية لبنانية خارج سيطرة الدولة ، وأعلن في تحول مفاجئ أن هدف ( المقاومة الإسلامية في لبنان ) لم يعد فقط تحرير الأراضي المحتلة كما يدعي ، بل أصبح حماية إيران ، والقتال تحت راية الخامنئي (قائد حزب الله وملهمه ) حسب تصريحات زعيم حزب الله بنفسه قبل أيام ..وبذلك فإن الحزب يكسر قواعد الاشتباك التي لطالما أصر على الحفاظ عليها بينه وبين إسرائيل ، وهو يصرح بأن (أي اعتداء على إيران فإن حزب الله سوف يكون أول المدافعين عن طهران في كل مكان من العالم ) وهذه سابقة كبيرة جداً فيما يتعلق بالتداخل الإقليمي وتطبيق إيران العملي لاستراتيجيات الدفاع التي أصرت على تنفيذها ، فهي حتى الآن لم تقاتل بجنودها أو بحرسها الثوري بشكل مباشر ، وإنما تزج بمئات الآلاف من مقاتلي المليشيات من أفغانستان وباكستان والعراق ولبنان واليمن في معاركها الإقليمية ، ولكنها اليوم تزج بحزب يتمثل رسمياً في البرلمان اللبناني في معركتها للحفاظ على نظامها السياسي ، وبذلك فإنها تزج بالأمن والاستقرار الإقليمي اللبناني والعربي في أتون معركة ليست معركته على الإطلاق.

في خضم كل ذلك خرج حزب الله من عزلته وأحادية مسببات وجوده وتشكله كقوة عسكرية لبنانية خارج سيطرة الدولة

الأغرب من كل هذا هو الصمت الرسمي الحكومي والرئاسي اللبناني على كل ما يحصل ، صحيح أن الصمت الرسمي اللبناني يندرج ضمن دومينو انهيار الدولة العربية عموماً ، ولكنه خرج عن خطوط اللياقة الدبلوماسية وإتيكيتات التعامل الرسمي ، فحتى دول كسوريا والعراق ، وهي منهارة كبنيان رسمي و إداري بشكل كامل ، ولكنها لا تزال تتعامل لفظياً حتى الآن بسياسة ( نحن نسمح ونحن لا نسمح ) أو تصريحات من نوع : ( السيادة الوطنية و استقلالية القرار الوطني ) أما في الحالة اللبنانية فإن الانهيار الإداري بلغ مستوى الانهيار اليمني أو الأفغاني وربما أسوأ ، حيث صادر الحزب كامل القرار الرسمي وأعلن من داخل العاصمة بيروت أنه هو صاحب قرار الحرب والسلم وأن كلمته في الدولة هي العليا ، وهي الانحياز والتبعية الكاملة لإيران ..فأهلاً بالجمهورية اللبنانية الجديدة.