لا ينقذ الغريق غريقا.. اتفاقيات اقتصاديات ملالي - أسديات

2019.02.04 | 00:02 دمشق

+A
حجم الخط
-A

الأربعون ذروة الاكتمال والنضج لأي كائن أو كيان. هذا العام تبلغ "ثورة الملالي الخمينية" سن الأربعين. وكل ما يتم فيها وخلالها يحمل ترميزاَ خاصاً. إبراز صورة /إسحاق جهانغيري/ نائب الرئيس الإيراني إلى جانب بشار الأسد ملفت في الاتفاقيات الاقتصادية بين ملالي طهران ونظام الأسد. الأسد معروف؛ ولكن مَن هو هذا الـ/إسحاق جهانغيري/؟! إسحاق كان يوماً وزيراً للصناعة في حكومة خاتمي، ثم رُقٍي إلى منصب النائب الأول لرئيس الجمهورية الإيرانية "روحاني؛ الأمر الذي يحتاج ثقة خاصة من المرشد الأعلى علي خامنئي الذي لا يعجبه العجب. والسؤال، لماذا إبراز صورته مع بشار الأسد في هذه الاتفاقات الاقتصادية الأخيرة بين الملالي ومنظومة الأسد؟ والجواب، إنه مرشح المرشد لرئاسة إيران عام 2021.

جهانغيري كان أحد الإيرانيين الذين حاصروا السفارة الأميركية منذ أربعين عاما؛ احتل مكاناً خاصاً في صفوف الحرس الثوري الإيراني الذي وضع يده على القطاع الصناعي والإنشائي والاستثماري. أصبح عضواً في مجلس الشورى الإيراني لمرتين، ثم محافظاً لأصفهان. وقبل أن يقع الخيار عليه ليكون نائباً للرئيس روحاني؛ ترشّح للرئاسة الإيرانية لدقائق ضد معلمه روحاني. اتضح لاحقاً أن فعله الأخير كان مبرمجاً تماماً، فدقائق قبل أن يُغلَق باب الترشيح، أتى الرجل، وتقدّم بأوراقه، ثم انسحب بإيعاز من المرشد، ليعزز وضع روحاني.

يُذكر أنه إثر الاتفاق النووي الإيراني، انقسمت المنظومة الحاكمة في طهران إلى فريقين: واحد صوّر ذلك الاتفاق بأنه سيجلب السمن والعسل والازدهار الاقتصادي لإيران من خلال تدفق الأموال المحجوزة، ورفع الحصار، والاستثمارات؛ وآخر بقي متمترساً عند شعارات الخميني: “الموت لأميركا” و"الشيطان الأكبر”؛ وندد بالاتفاق. كان جهانغيري من الفريق الأول مدافعاً شرساً؛ لسانه أكثر طلاقة من معلّمه؛ وربما كان ذلك أحد أسباب ترشحه ليكون حاجز صد ومهاجماً كي يحمي تَرشٌح روحاني ويضمن نجاحه. وهذا الذي كان.

"جهانغيري" سيكون رئيس إيران عام 2021

باختصار، "جهانغيري" سيكون رئيس إيران عام 2021. من هنا إبراز الصورة الثنائية. إيران الملالي تتعامل مع سوريا الأسد كـ"درة التاج"؛ بين دول نفوذها الأربع/العراق - لبنان - اليمن - سوريا/. إيران تبرمج نفسها أيضاَ لعام الحسم (2021)؛ عندما تعيد ترشيح بشار الأسد لسوريا، و"جهانغيري" لإيران. هذه هي الصورة التي تبرز بعد أن وقع رئيس إيران المستقبلي اتفاقاته مع سوريا الأسد’. هذا هو الترميز الإيراني.

في زيارته الاقتصادية الأولى لسوريا الأسد منذ عامين، وضع جهانغيري يد إيران على مناجم الفوسفات السورية بالمطلق عبر اتفاقيات مع حكومة الأسد؛ اتفاقيات بموجبها لا يقترب سوري من تلك المناجم. وقّع اتفاقات أخرى تنشئ إيران بموجبها مؤسسة اتصالات متجاوزة أيّ سيادة وطنية سورية؛ تضع إيران يدها على أراضٍ شاسعة بآلاف الهكتارات الزراعية في الأرض السورية. زد على ذلك مشاريع تتعلق بالنفط ومشتقاته، إضافة إلى مشاريع مياه تكون إيران المتصرف الأول بها. اللافت في كل تلك الاتفاقيات أن جهانغيري هو المهندس والمدبر والموقّع، على الدوام، من الجانب الإيراني.

هذا هو جهانغيري مشروع آية الله خامنئي للرئاسة الإيرانية عام 2021. رجل عفّ عن الرئاسة، له الرصيد الأقوى اقتصادياً في دهاليز الحرس الثوري، المُختَبر بسياسة الولاء للقائد الأعلى، منقذ الإصلاحيين، منقذ رئاسة معلمه روحاني، عبقري الجزر وجهة السياحة والاستجمام والاستثمار في الخليج الذي أضفت إيران فارسيتها عليه وافتراسها له، وأخيراً موقِّع اتفاقيات الاحتلال مع حكومة الشماعة الأسدية. 

في هذه الاتفاقات، ما من شك بأنه إذا كان قاسم سليماني القناع العسكري للخامينائي، فإسحاق جهانغيري قناعه الاقتصادي. لا يمكن لجهانغيري أن يصلح ما أفسده الجهان أسدي. غريق لا ينجي غريقا.

الاقتصاد الذي يتكئ عليه رئيس المستقبل الإيراني اقتصاد معطوب مبني على النفط الخام

الاقتصاد الذي يتكئ عليه رئيس المستقبل الإيراني اقتصاد معطوب مبني على النفط الخام /خُمس الناتج القومي/، لكن الكاسد بفعل الحصار الأميركي؛ إنه المال الأسود؛ مال تجارة المخدرات والإرهاب؛ مال المليارات الأوبامية التي لم يستفد منها الاقتصاد الإيراني أو الإنسان الإيراني قرشاً أو "توماناً" واحدا. إنه اقتصاد البطالة القاتل لثلاثة أرباع الطاقة البشرية الإيرانية، إنه اقتصاد القمع لملايين الإيرانيين الذين إن تنفسوا بغير ما يشاء المرشد، تكون حبال المشانق بانتظارهم؛ إنه اقتصاد مشاريع الإرهاب ونشر الفوضى والعبث الإقليمي والدولي. كل ذلك؛ وهناك مَن يهرب من قانون "قيصر" الخانق إلى أحضان ذلك المخنوق والخانق في آن معاً. فهل يحمل ميت ميتا؟! وهل يعيد إعمار، مَن اختص بالتدمير والدمار؟!

أما الاقتصاد الأسدي الشريك، وحجم مأساته التي لا حدود لها، فهو أقرب ما يكون إلى اقتصاديات السطو والعصابات. يكفي رقماً واحداً للدلالة على حالة التدهور لهذا "الاقتصاد" البائس: نزول إنتاج النفط إلى عشرة آلاف برميل من 370,000. إنه اقتصاد مدمر في كل قطاعاته؛ اقتصادياً: زراعياً صناعياً تجارياً تعليمياً والأهم إنسانيا. يكفي أن يتشرد قرابة ثلثي سكان بلد ما لتكون المأساة؛ يكفي ملاحقة الشباب وحتى الكهول في الشوارع وإلى ما تبقى لهم من ملاذ وفي مناطق سيطرة النظام، كي يذهبوا الى التجنيد للدفاع عن الكرسيّ الدموي ...يكفي ذلك لتكون الحالة الأحط في العالم.  ويكفي أن نلقي نظرة على الناتج المحلي الإجمالي اليوم بالمقارنة مع ما قبل العام 2011، لنعرف حجم المأساة التي يعانيها هذا الاقتصاد. 

ما تفعله منظومة الاستبداد هو قفزة جديدة في الهواء؛ قفزة لن تؤدي إلا إلى مزيد من السقوط. وطالما أن الأمور برمزياتها، فلا بد من التنويه أنه عندما وقّع إسحاق جهانغيري اتفاقيات مع نظام الأسد منذ عامين ونيّف، انخفضت قيمة الليرة بشكل واضح ومذهل وقتها؛ والآن- ومع توقيع الاتفاقيات الجديدة- تدخل الليرة السورية حالة تدهور قد يكون بلا قاع. ورغم أن هذه الاتفاقات لا قيمة فعلية لها، بحكم لا شرعية أحد جهات التوقيع؛ ومع ذلك تبقى الحقيقة القائلة بأن غريقاً لا ينجّي غريقا؛ وميتاً لا يحمل ميتَا.