لا بد من ولادة وطن

2018.10.16 | 01:10 دمشق

+A
حجم الخط
-A

لم يولد في أمريكا؛ أمضى فقط بضع سنين، وحصل على جنسية ذلك البلد؛ أصابته عدوى العبارة المشبِعة للروح؛ والتي تقول "I am an American" /أنا أمريكي/. الآن يمكنه استعارة هذه العبارة وإطلاقها بتلذذ ولكن بحسرة شديدة، لأن رغبته الأساس كانت إطلاق عبارة: "I am Syrian" بفخر، ولكنه حُرم من ذلك.

الآن، وبعد أن مُنِح تلك الصفة البشرية الحقوقية الجديدة، مثله مثل أي مواطن يعتز بنفسه، ببلده، بدستوره، بأمنه، بسيادة بلده، وباحترام حقوقه. قالها /أنا أمريكي/ وغصّ. فجأة تذكّر مسقط رأسه، دمشق. رافق الذكرى أغنية /أنا سوري، آه، يا نيالي/. وقعت كلماتها كالسياط على ظهره العاري في أقبية مخابرات بلده. كان كبل كهرباء رفيعاً؛ لا تزال الندبات ظاهرة على جلد ظهره.

ولا أحد يدري كيف تستقيم الحكاية الروسية الأسدية بتحرير البلد من نصف سكانه وتدمير نصفه

دستور أمريكا منحه جنسية ذلك البلد؛ ودستور مسقط رأسه حرمه المواطنة حيث رأى النور. والآن، يسعى المحتل الروسي لمسقط رأسه أن يعيده إلى حضن مخابرات مسقط الرأس كي يقول العالم إن الحاكم ومخابراته يعيدون الأمان إلى البلد بعد تحريره من الإرهاب. ولا أحد يدري كيف تستقيم الحكاية الروسية الأسدية بتحرير البلد من نصف سكانه وتدمير نصفه؛ والآن يريدون هؤلاء "الإرهابيين والخونة والعملاء والمندسين" أن يعودوا.

يفتح جواز سفره الجديد، فيقرأ: " أساطيل هذا البلد تتحرك، إذا أصاب حامل هذا الجواز مكروها أو اعتدى عليه أحد"؛ ويتذكر أن النظام حيث وُلد استدعى أساطيل روسيا حتى يعتدي عليه ويهينه ويحافظ على ممتهن كرامته.

يستمع إلى تسجيل صوتي لـ "سيد" بلده الأم يتحدث عن السيادة؛ ويتابع في الأخبار أن عشرات الدول تستبيح سماء بلده الأم وأرضه.

النظام من جانبه يريد عودة نوع معين من السوريين؛ تحديداً أولئك الذين لا يخلّون بالانسجام الذي بشّر به رئيس ما كان بلده

حال إياد تماما كحال أكثر من عشرة ملايين سوري طلبوا جرعة من أوكسجين الحرية فكانت مواجهتهم بجرعات كيماوية وبارود ونابالم. وروسيا وصهر الجنرال عون - رئيس محمية لبنان الإيرانية- يريدون إعادة اللاجئين. النظام من جانبه يريد عودة نوع معين من السوريين؛ تحديداً أولئك الذين لا يخلّون بالانسجام الذي بشّر به رئيس ما كان بلده.

إياد لن يسكت ولن تسكن روحه حتى يرى مسقط الرأس وقد عاد إلى ما أراد عام 2011.

يريد سورية حرة ديمقراطية، وطناً لكل سوري، وطناً لا استبداد فيه ولا إرهاب ولا جيوش احتلال ولا ملالي خبث تسحب العالم قروناً إلى الخلف المظلم الظالم.

إياد وملايين السوريين - رغم وجع الوطن وآلام الغربة- يتعلمون اللغات؛ يغتسلون بماء الحرية، بالعقل النقدي الوقاد، بألق الحضارة، بمعرفة الحق والواجب؛ إنهم يتذوقون معنى أن تكون مواطنا. هؤلاء سيعودون ويعيدون بناء الوطن الذي يستحقهم ويستحقونه.