icon
التغطية الحية

كيف يسرق النظام حوالات السوريين؟

2019.03.19 | 16:03 دمشق

الصورة(إنترنت)
ماجد الحلاق - تلفزيون سوريا - دمشق
+A
حجم الخط
-A

لماذا يتعمد النظام في سوريا خلق فجوة عالية ما بين سعر الصرف الذي يحدده المركزي والذي يعتبر سعرا إجباريا لصرف الحوالات الخارجية، وبين سعر الدولار في السوق السوداء؟ وكيف تعمل هذه الفجوة  على سرقة أموال المواطنين السوريين والتأثير بمجريات حياتهم المعاشية، وما دورها في تمويل خزينة النظام وجيوب التجار المقربين منه؟

 

سعر الصرف الرسمي غير فعال

كشف حاكم بنك سوريا المركزي حازم قرفول أن سعر الصرف الرسمي المحدد 435 ليرة سورية لا قيمة له في مجريات الاقتصاد السوري، وأن تسعير جميع المستوردات يتم  بناء على سعر الصرف الذي يحدده "السوق الموازي" بحسب تعبيره، وهي التسمية الرسمية للسوق السوداء، وأن دولار الاستيراد في السوق الموازي يتم احتسابه بـ540 ليرة سورية، بفارق يتجاوز مئة ليرة عن سعره الرسمي البالغ 435 ليرة سورية.

كشف حاكم بنك سوريا المركزي حازم قرفول أن سعر الصرف الرسمي المحدد 435 ليرة سورية لا قيمة له في مجريات الاقتصاد السوري

وادعى قرفول أن تلك الفجوة تسبب للنظام خسارات تصل إلى عشرات الملايين يوميا بسبب تمويله لبعض المستوردات، وأن الفارق يعود إلى جيوب التجار وبعض البنوك الخاصة، واعدا بتقليص تلك الفجوة في المستقبل القريب، ولم يحدد قرفول إن كان سيقلص الفجوة برفع سعر الحوالات أو بتخفيض سعر الصرف في السوق السوداء، علما أن مركز الدراسات التابع للنظام"مداد" كان تنبأ قبل أيام بقفزة جديدة في سعر الصرف.

ويجدر الحديث أن النظام بأدواته القمعية وسلطاته الإدارية والتشريعية هو المتحكم الأكبر بسعر الصرف الرسمي وغير الرسمي، الأمر الذي دفع حاكم البنك المركزي السابق دريد درغام في العام الماضي إلى الإعلان عن قدرته على تخفيض سعر الدولار إلى 200 ليرة سورية لو أراد، وهو ما يؤكد أن سعر الدولار في سوريا ليس سعرا اقتصاديا محضا، وإنما هو "سعر أمني" في المقام الأول، يقوم  النظام على تحديده وفرضه بالقوة، ويسمح بتوسيع الفجوة أحيانا ويخفف من اتساعها أحيانا أخرى وفقا لمصالحه.

 

سرقة مباشرة

وبينما ركز حازم قرفول على خسارات النظام الوهمية، لأنه عمليا، لا يقوم بتمويل المستوردات، إلا فيما ندر، ولأسماء محددة، فإنه تحاشى أن يذكر المكاسب الهائلة التي يجنيها النظام من تلك الفجوة المقدرة بمئة ليرة عن كل دولار من حوالات المواطنين التي تصل في فترات ما قبل الأعياد إلى 10 مليون دولار يوميا، وبمتوسط عام يصل إلى 6،5 مليون دولار يوميا.

ويجني النظام أرباحه عندما يشتري الدولار بـ 435 لكنه يعيد بيعه على شكل سلع مستوردة لحسابه، أو خدمات أو مشاريع، أو ضرائب وفق القيمة السوقية المتداولة وهي 540ليرة سورية، وحتى عند اضطراره لحيازة سيولة بالعملة السورية لدفع الرواتب أو دفع أثمان المحاصيل للمزارعين، فإنه يطرح الكمية المطلوب بيعها من العملة الصعبة بأسعار السوق السوداء مستفيدا من الفارق بين السعرين، وهي فائدة لم يكن بمقدوره الحصول عليها لولا وجود الفجوة بين سعري الدولار، وتزايد أرباحه منها كلما اتسعت الفجوة.

يجني النظام أرباحه عندما يشتري الدولار بـ 435 لكنه يعيد بيعه على شكل سلع مستوردة لحسابه، أو خدمات أو مشاريع، أو ضرائب وفق القيمة السوقية المتداولة

وباحتساب وسطي الحوالات الواردة يوميا إليه وفق تقديراته السابقة بـ6،5 مليون دولار مضروبة بالفارق الذي يجنيه من كل دولار فإنه يحصل من تلك الفجوة على 650 مليون ليرة يوميا، برقم إجمالي يبلغ 237 مليار ليرة سورية في العام الواحد عند حدود هذه الفجوة، ويشكل الرقم السابق نسبة 6% من الموازنة الأخيرة للنظام التي اعتمدها لعام 2019.

وتنعكس تلك السرقة بشكل مباشر على الأسر التي تعتمد الحوالات كمصدر رئيسي لدخلها، فرفع الفجوة يرفع أسعار السوق، والأسرة التي كانت تحصل على حوالة 400 دولار وتستلمها بالسعر الرسمي، تحتاج حاليا  إلى 500 دولار  للحصول على ذات السلع والخدمات السابقة.

وفي ذات الوقت الذي تشكل فيه الحوالات المورد الرئيسي  لشرائح واسعة من الشعب السوري، فإنها باتت المصدر الرئيسي وشبه الوحيد لدى النظام لتأمين القطع الأجنبي، باعتباره يفرض على أصحاب الحوالات استلامها بالليرة السورية حصرا وفق التسعيرة المذكورة.

 

سرقات مقنّعة

وتحقق اتساع الفجوة بين أسعار الصرف الرسمية وغير الرسمية مجموعة من المصالح والسرقات الإضافية للنظام من جيوب السوريين، فمن خلالها تنخفض قيم الرواتب العامة التي يدفعها، ففي حين عادل متوسط الأجور البالغ 40 ألفا قيمة 90 دولارا في العام الماضي فإنه بات الآن يعادل أقل من 75 دولارا لهذا العام، ما يجعل مدفوعات النظام أقل بنفس النسبة التي انخفضت.

من جهة ثانية تعمل تلك الفجوة السعرية إلى تحلل النظام بشكل غير مباشر من الإنفاق الفعلي على الموازنة المعتمدة والتي بلغت لهذا العام 3882 مليار ليرة سورية بما يعادل 8،9 مليار دولار وفق سعر الصرف الرسمي، لتتحول إلى 7 مليارات دولار وفق سعر الصرف الرائج حاليا، وتغطي الحوالات تقريبا نصف هذا الرقم بالعملة الصعبة، علما أن تخفيض قيم الموازنة الفعلية مرشحة للهبوط إلى ما دون 7 مليارات دولار مع ارتفاع سعر الصرف نتيجة السياسات النقدية المتبعة من قبل النظام، وتأثيراتها على مجمل الحركة الاقتصادية في البلاد.

تعد طباعة العملة حاليا أكبر سرقة لثروات السوريين وقيم أرصدتهم المودعة في بنوكه بالعملة السورية والبالغة 2 ترليون ليرة

وبالتوازي مع سعيه للحصول على أكبر كمية من القطع الأجنبي فإن النظام يقوم بطبع العملة السورية بكميات غير معروفة من شأنها أن تطيل بقاءه على جثة الاقتصاد السوري، وتعد طباعة العملة حاليا أكبر سرقة لثروات السوريين وقيم أرصدتهم المودعة في بنوكه بالعملة السورية والبالغة 2 ترليون ليرة سورية وفق تصريحات مسؤولي النظام.

وكان النظام قد بدأ بتداول ورقة من فئة 2000 ليرة سورية في مطلع 2017، وسرت أنباء في العام الماضي عن نيته طرح ورقة من فئة 5000 ليرة سورية دون التحقق من صدقية الأمر.

واقع الأمر لم يترك النظام أي وسيلة من شأنها إفقار السوريين وسرقتهم إلا وقام بها، محاولا على الدوام ابتداع أساليب جديدة لتغطية التزاماته الاعتيادية من جهة، والمستجدة من جهة ثانية، وتتمثل في سداد ديونه لإيران التي بدأت مطالبتها لاستردادها نقدا، أو استثمارا لمنشآت حيوية، كما يحصل حاليا لجهة حيازتها على إدارة مرفأ اللاذقية كبدل دين مستحق يتم تحصيله من واردات السوريين ومن جيوب الفقراء وخبزهم.