كيف ستتعامل إسرائيل مع انسحاب أميركي محتمل من سوريا؟

2019.01.13 | 16:01 دمشق

+A
حجم الخط
-A

مطالعة دورية لخبراء حول قضايا تتعلق بسياسات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ومسائل الأمن.

 

بيسان الشيخ | كاتبة وصحافية ومستشارة إعلامية مقيمة في اسطنبول، ومراسلة سابقة في صحيفة "الحياة"

سيكون رد الفعل الإسرائيلي على انسحاب أميركي مرتقَب من سورية منسجماً مع المصالح الاستراتيجية الأساسية لإسرائيل، ولاسيما احتواء التهديد الذي تمثّله إيران ووكلاؤها، والذين يُرجَّح أن يزداد نفوذهم في حال تسبّب الانسحاب الأميركي بفراغ سياسي. لذلك من مصلحة إسرائيل أن تضغط من أجل تأجيل الانسحاب الأميركي، بما يتيح لها كسب الوقت لوضع استراتيجية دفاعية بغية الحفاظ على أمنها وهامش المناورة أمامها، لمهاجمة الأهداف الإيرانية في دمشق ومحيطها. وقد ظهرت علامات التأجيل جليّةً في الأيام الأخيرة مع قيام إدارة ترامب بتحديد شروط لانسحابها من سورية.

يُعيد التزام واشنطن الأخير بحماية حلفائها الأكراد في المنطقة، فتح الباب أمام دخول تركي جزئي إلى منبج وتل أبيض، لأن الأتراك سيسعون إلى الحصول على تعويض بطريقة من الطرق. سيؤمّن الوجود التركي منطقة عازلة في وجه النفوذ الإيراني هناك، أو يساهم مؤقتاً في تجميد الوضع بانتظار تبلور عملية سياسية ما. يمكن أن يكون الوجود التركي عامل اطمئنان لإسرائيل، لأنه لطالما أظهرت الدولتان، على الرغم من العلاقة العاصفة بينهما، التزاماً بحماية مصالحهما الأمنية المشتركة وسط الخلافات بينهما.

إنما قد لاترغب أنقرة في الدخول في مواجهة كاملة مع الأكراد إذا لم تكن مدعومةً من تفاهم روسي-أميركي. تعتبر تركيا أنه يمكن القضاء على التمرد الكردي والحد من تأثيره بمجرد تسليم المنطقة إلى النظام السوري وحلفائه الإيرانيين. بالطبع، إيران هي المرشّحة الأكثر استعداداً لملء الفراغ الذي قد تُخلّفه واشنطن. بيد أن ذلك يعني أنها ستحظى بفرصة لفرض سيطرتها في مزيد من المناطق السورية وخارجها. وسوف تراقب إسرائيل هذه الديناميكيات عن كثب.


روبرت ساتلوف | مدير تنفيذي في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى

غالب الظن أن رد الفعل الإسرائيلي على انسحاب الرئيس دونالد ترامب من سورية، عند حدوثه، سيكون مطابقاً لردود الفعل التي تصدر عن إسرائيل منذ اتضح قبل خمس سنوات، )عندما أحجم الرئيس باراك أوباما عن تنفيذ كلامه عن "الخط الأحمر" في سورية لمنع استخدام الأسلحة الكيميائية(، أن واشنطن غير مستعدة لاستثمار الكثير من الدماء والموارد من أجل التأثير في الوجهة السياسية للبلاد. سوف يستمر الإسرائيليون في شن ضربات قوية ضد أي مجهود إيراني لإنشاء قاعدة عسكرية صناعية في سورية، بغية نقل الأسلحة المتطورة إلى البلاد، أو نقلها إلى حزب الله عن طريق سورية، أو ضد أي مجهود تبذله إيران للدفع بقواتها أو ميليشياتها إلى التقدم باتجاه مواقع قريبة من الحدود الإسرائيلية. ,في حين أن القرار الأميركي بالانسحاب من سورية هو قرار "مهم"، وفق ماجاء على لسان رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، غادي إيزنكوت، إلا أنه لايُغيّر في مسار السياسة الأميركية، ولافي الحسابات الاستراتيجية لإسرائيل.

إذا نظرنا قدماً إلى الأمام، سنرى أن المتغيرات الأساسية – بالنسبة إلى إسرائيل وسواها من الأفرقاء الإقليميين – تتمثّل في ماإذا كانت الاستراتيجية العربية الجديدة القائمة على فَطم الرئيس السوري بشار الأسد عن إيران عبر استعمال العسل بدلاً من الخل، سوف تعود بثمارها؛ وماإذا كان التحالف الروسي-الإيراني-السوري قادراً على الصمود في حال انتصار الأسد؛ وماإذا كانت تركيا ستفي بوعدها بمحاربة الدولة الإسلامية أو ستعمد بدلاً من ذلك إلى تركيز قوتها العسكرية حصراً على سحق الأكراد في سورية؛ وماإذا كانت العقوبات الاقتصادية الشديدة كفيلة لوحدها بفرض التغيير العميق في طهران، وفقاً للتصوّر الذي وضعه مهندسو العقوبات الأميركيون.


مهند الحاج علي | مدير الاتصالات والإعلام في مركز كارنيغي للشرق الأوسط، مؤلف "القومية والنزعة العابرة للأوطان والإسلام السياسي: هوية حزب الله المؤسسية"

الفائزان الأكبر من الانسحاب الأميركي، عند حدوثه، سيكونان النظام السوري وروسيا. وقد كشف المشهد الذي تجلّى في منبج عن مستوى معيّن من التنسيق بين قوات سورية الديمقراطية الخاضعة لسيطرة الأكراد وبين النظام السوري، ماأتاح للقوات السورية دخول الأراضي الخاضعة لسيطرة قوات سورية الديمقراطية من دون قتال. نظراً إلى هذا الواقع، رد الفعل المنطقي الوحيد الذي يمكن أن يصدر عن إسرائيل هو الاعتماد المتزايد على روسيا لضمان احتواء الوجود الإيراني في سورية. في المقابل، بإمكان إسرائيل تيسير جهود التطبيع التي يبذلها النظام السوري، وربما تساهم في التخفيف من حدّة المقاطعة الدولية الراهنة لإطلاق عملية إعادة إعمار في سورية. وعلى ضوء تطور التنسيق بين إسرائيل ودول مجلس التعاون الخليجي في الملف الإيراني خلال الأعوام القليلة الماضية، يمكن النظر إلى استعادة العلاقات الدبلوماسية بين الدول العربية ودمشق، والدور العربي المحتمل في تمويل إعادة الإعمار، بأنهما يصبان في إطار السعي إلى احتواء الدور الإيراني في سورية بعد النزاع.


إليوت أبرامز | زميل رفيع المستوى لدراسات الشرق الأوسط في مجلس العلاقات الخارجية، نائب مساعد سابق للرئيس الأميركي، ونائب سابق لمستشار الأمن القومي

سوف يتبلور رد الفعل الإسرائيلي بثلاث طرق. أولاً، في سورية، سوف تواصل إسرائيل لابل ستزيد عملياتها ضد إيران. من الواضح أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لايعترض على هذه الهجمات، لأنه لايريد، في رأيي، أن تصبح سورية خاضعة تماماً للسيطرة الإيرانية، كما أن الولايات المتحدة لن تعود موجودة لإسداء النصيحة إلى إسرائيل بوجوب ضبط النفس. ثانياً، سوف يساهم الانسحاب الأميركي في إقناع عدد كبير من الدول العربية بأن إسرائيل هي حليفٌ لايُقدَّر بثمن في مواجهة إيران، الأمر الذي سيؤدّي إلى تعاون أوثق (ولو بقي سرياً في معظمه) بين تلك الدول وإسرائيل. ثالثاً، سوف يُذكّر الانسحاب الأميركي الإسرائيليين بأنه في نهاية المطاف، حتى الأميركيون ليسوا حليفاً موثوقاً تماماً، وبأنه عليهم بالتالي أن يأخذوا على عاتقهم مهمة الدفاع عن أنفسهم (وفقاً للصيغة القديمة). وهكذا، يبدو احتمال تنفيذ إسرائيل انسحابات من الضفة الغربية أشد خطورة وحتى أقل ترجيحاً في خضم الاضطرابات التي تشهدها المنطقة الأوسع.

 

للاطلاع على المادة من المصدر اضغط هنا