كيف تحولت سورية إلى دولة فاشلة؟

2018.05.29 | 01:05 دمشق

+A
حجم الخط
-A

بالنسبة للأسد، ليس مهماً عدد من قتل من السوريين في الحرب ولو تعدى الرقم نصف مليون سوري، ليس مهماً عدد اللاجئين السوريين الأعلى في العالم ولو تجاوز 8 مليون لاجئ، وليس مهما عدد النازحين الذي يموتون كل يوم من الجوع والبرد وعصابات الشبيحة المنتشرة في كل المدن السورية، ليس مهما عدد الأطفال الذي حرموا من التعليم أو فقدوا أبا لهم أو أما أو فقدوا طرفا لهم، ليس مهما عدد السوريين الذي يتم إيقافهم في المطارات وعلى الحدود بسبب جوازهم السوري وحتى ولو كانوا من مؤيديه، ليس مهماً عدد المدن المدمرة وعدد البيوت المحطمة وشبيحته يقومون بالتعفيش كل يوم، ليس مهما أن تصبح كلمة سورية مرادفة للإرهاب والبؤس والشفقة وكل مآسي العالم.

كل هذه تفصيلات بسيطة أمام حقيقة أنه ما زال رئيساً لسورية وأن شعبه الميت "يحبه" كما قال في مقابلته الأخيرة وأن كل أنواع الأسلحة التي استخدمها لقتل هذه الشعب، لكنه ما زال يؤيده ويحبه ويرغب به رئيساً مدى الحياة.

هذا النوع من القادة لا يمكن أن يحكم إلا دولة فاشلة، حتى ولو استمر في الحكم عقوداً وعقوداً فإن البلد سيبقى بلداً فاشلاً وأن لا أحد في العالم كله حتى ولو كانت روسيا أو إيران ستساعد هذا البلد الذي اسمه سورية على الخروج من فشله ومحنته، فهي مسؤولية السوريين وبلدهم، لكن وطنهم لا يريدهم ويطردهم وهم بالتالي يبحثون في العالم كله عن وطنهم وبلدهم.

  لقد أصبحت سورية اليوم وفقا للأسد وشبيحته خالية من "التلوث" و "الجراثيم" وانتصرت سياسة "الممانعة" ضد موجة التغيير التي هي سنة كونية .وبقي بشار الأسد مع "شعبه" الذي يحبه، لا مهم بعد ذلك إن كان الوطن في أزمة عميقة من الفشل السياسي والكارثة الاقتصادية حيث  "لا خبز ولا حرية"، فضلاً عن الفساد الذي أصبح الحقيقة الوحيدة لنظام الأسد والطريقة الوحيدة لإبقاء شبيحته معه، فالتعفيش في جزء منه يمثل المردود المالي لجهود الشبيحة في مساعدتهم على قتل السوريين وإبادتهم.

تمكنت القوة العارية من سحق إرادة التغيير لدى الشباب السوري وإطفاء شعلة الأمل لديهم، استخدام العنف الوحشي، والقوة المفرطة لتفريق المتظاهرين واستخدام الرصاص الحي والذخائر ضد المظاهرات السلمية ومن ثم تحول الوضع إلى حرب لا هوادة فيها ضد الشعب الأعزل من خلال احتلال المدن واستخدام المدفعية الثقيلة والطائرات والبوارج العسكرية في قصف المدنيين الأبرياء، نجحت هذه السياسة ليس في قمع الثورة وإنما في تحويل سورية إلى دولة فاشلة تماماً.

من اليوم الأول أصر نظام الأسد أنه يخوض معركة ضد ما تسميه الحكومة "الجماعات المسلحة". حاولت مخابرات النظام في الواقع إعطاء السلاح للمحتجين من أجل إعطاء مصداقية لادعاءاتهم الزائفة.  ومع ذلك، قوبلت هذه المحاولات في التجريم بالفشل. كانت ذكرى مجزرة حماة في 1980 كافية لتذكير نشطاء المعارضة بتجنب السقوط المباشر في أيدي الأسد.  لذا رفضت التسلح مقابل أي ثمن وبلا شك لم تجلب الأسلحة للاحتجاجات.

جرى إلقاء القبض على المتظاهرين السلميين بشكل يومي تقريبا، كما اعتادت القوات السورية إطلاق النار يوميًا على جنازات المتظاهرين وسيارات الإسعاف التي توفر الرعاية الطبية للمصابين.  ولكن هذه الأفعال الخطيرة التي ارتكبها النظام وفيها انتهاك مباشر لجميع المعايير الدولية، لم تؤد إلا إلى تعزيز عزم المتظاهرين. ولم يكن كل جنود سوريا سعداء لقتل المدنيين العزل بدم بارد. وعلى الرغم من أوامر الحكومة بتصفية أي جندي رفض إطلاق النار على المتظاهرين، انتشرت الأخبار عن انشقاقات للمجندين من الجيش.

ورويداً رويداً تحولت الثورة السلمية إلى ثورة مسلحة التي وجد النظام مبررا في قتل كل من يساهم فيها ويؤيدها ومعه انحل الجيش وتفككت الدولة التي انتهت إلى كونها ميليشيا طائفية تقتل كل من لا يؤيدها وأنهى سورية إلى أن تكون دولة فاشلة تماماً لا مستقبل لها بالخروج من أزمتها إلا برحيل الأسد عنها.

تحول النظام السوري تدريجيا كما قلت إلى ميليشيا قوية تشتبك في صراع يائس مع الشعب السوري. يسعى بشار الأسد لاستنزاف الموارد المالية والبشرية في سوريا، والأهم من ذلك أن تدمير النسيج الاجتماعي من خلال خلق صراع طائفي ومدني بغيض. النظام، أو الميليشيا، تجاهلت جميع مواثيق الحرب والسلام. في نظر النظام، لا توجد قواعد للحرب، وبالتالي استهدف المستشفيات والمناطق السكنية والمساجد، والكنائس، وكانت الفروع الأمنية تفيض بقصص الناس الذين يموتون تحت التعذيب في ظل الممارسات اللاإنسانية واللاأخلاقية. وهكذا، نجد أن الشعب السوري يكافح على مدى السنوات الماضية، ليس فقط للحفاظ على المقاومة، ولكن الأهم من ذلك، تماسكه ضد سياسة تهدف إلى كسره.

مساحات كبيرة خرجت من تحت سيطرة حكومة بشار الأسد بالرغم من تمكنه من استعادة الكثير من الأراضي بعد التدخل الروسي في سبتمبر 2015، فقد الأسد سيطرته على المعابر الحدودية مع تركيا والعراق مما يعني، من الناحية السياسية، أنه فقد القدرة على إقامة حكمه على المناطق الجغرافية ذات الأهمية الاستراتيجية. على الرغم من تمكنه من قصف وحرق هذه الأماكن كما يفعل كل يوم كما فعل في حلب الشرقية والغوطة الشرقية التي كانت تحت سيطرة المعارضة ثم تمكن النظام من السيطرة عليها بفضل دعم القوات الإيرانية والروسية، ومع ذلك بقيت هذه المناطق المحررة، في الوقت نفسه، معظمها مقطوعة الطرق جغرافيا ويمكن أن تستهدف بسهولة من الجو، مما يمنعها أن تصبح مناطق آمنة. غياب السلطة المركزية يجعل من الصعب إدارتها، ومزيد من الوقت لبقاء الأسد في قصره يجعل المرحلة الانتقالية أكثر إيلامًا. كما سيطر الكرد بدعم قوي من الولايات المتحدة على معظم مناطق الشمال السوري والتي انتزعوها من داعش بعد دحرها من المناطق التي سيطرت عليها على مدى سنوات.

ستستمر سورية بكونها دولة فاشلة كما جرى مع العراق تحت حكم صدام حسين عام 1990 بعد حرب الخليج، دولة محاصرة تعيش فقرها وعزلتها وألمها لوحدها، الألم السوري سيكون مضاعفا بسبب انعدام الموارد المالية وفوق ذلك الانقسام الطائفي وعزلة القيادة السياسية متمثلة في "ألأسد" الذي ما زال مقتنعاً أن "شعبه يحبه".