icon
التغطية الحية

كيف استغل بوتين مسلمي روسيا السنّة في سوريا؟

2019.04.26 | 12:04 دمشق

الرئيس الروسي فلادمير بوتين خلال لقاء مع رجال دين روس (رويترز)
موسكو - طه عبد الواحد - تلفزيون سوريا
+A
حجم الخط
-A

أعلنت روسيا في نهاية عام 2016، عن إرسال قوات برية إلى سوريا، قالت إنها كتائب من الشرطة العسكرية، وتم إرسالها لتقوم بمهام ضبط الأمن في حلب، بعد انسحاب المعارضة منها. وكان لافتا أن ركزت في هذه المهمة على اختيار عسكريين من المسلمين الروس، وتحديدا من مناطق القوقاز، حيث الغالبية العظمى من "السنة"، وتقاليدهم وعاداتهم الاجتماعية قريبة إلى حد بعيد من عادات وتقاليد المجتمع السوري. ويرى مراقبون أن روسيا سعت عبر هذه الخطوة إلى الاستفادة من المسلمين الروس لتحسين صورتها لدى السوريين، وطرح قوة عسكرية تقوم بمهام الحفاظ على الأمن، مقبولة بالنسبة لهم، وبأسوأ الأحوال يرون فيها "أفضل الشرين"، بالمقارنة مع نظرتهم إلى الميلشيات الطائفية الإيرانية. فضلا عن ذلك يبدو أن روسيا تسعى للاستفادة من الانتشار المبكر للشرطة العسكرية داخل المدن السورية، لتكون بمثابة "قوة طليعية"، تؤهلها الخبرة التي تكتسبها ميدانيا، للعب دور قيادي في أي مهمة حفظ سلام، إن كانت بتفويض دولي، أو ضمن قوة "فرض سلام" تشكلها روسيا بالتعاون مع حلفائها الإقليميين، بما يضمن لها الحفاظ على نفوذها في سوريا.

أبو بكر الشيشاني

 اختراق "تنظيم الدولة"

لم يكن إرسال مسلمين من القوقاز ضمن قوات الشرطة العسكرية، المرة الأولى التي تستفيد فيها روسيا من مسلميها في العمليات العسكرية على الأراضي السورية. وقبل 8 أشهر على الإعلان عن إرسال تلك الشرطة، كشف الرئيس الشيشاني رمضان قاديروف ضمن برنامج بثته قناة "روسيا-1" الحكومية الروسية، عن إرسال مقاتلين شيشان لاختراق صفوف تنظيم "الدولة" الإرهابي. وأكد حينها إرسال "خيرة المقاتلين الشيشان إلى معسكرات"، قال إن "ضباط الناتو يدربون فيها أتباع الفكر الوهابي لإرسالهم بعد ذلك إلى سوريا"، موضحاً أنه تمكن بهذا الشكل من "زرع شبكة استخبارات معقدة داخل التنظيم الإرهابي لمعرفة حقيقة ما يجري". ولم تؤكد أي جهات رسمية روسية ما قاله قاديروف حينها، وأوصى الكرملين وسائل الإعلام بالاعتماد على تصريحات وزارة الدفاع الروسية فقط بشأن عدد وطبيعة القوات الروسية في سوريا، لكنه لم ينف ولم يؤكد ما قاله قاديروف حينها.

 

الشرطة العسكرية إلى حلب

في نهاية عام 2016 تصاعدت حدة القتال في حلب، بين فصائل المعارضة التي كانت تسيطر على الأجزاء الشرقية من المدينة، وقوات النظام السوري التي أطلقت عملية عسكرية لاستعادة السيطرة على تلك الأجزاء. وتحت وطأة القصف الجوي الروسي العنيف، وبعد دمار غير مسبوق أصاب المدينة نتيجة ذلك القصف، وسقوط أعداد كبيرة من الضحايا بين المدنيين، اضطرت فصائل المعارضة لقبول اتفاق يقضي بخروجها من المدينة. وفي 25 من كانون الأول أعلن وزير الدفاع سيرغي شويغو عن نشر كتيبة من الشرطة العسكرية الروسية في المدينة، واشار في تصريحاته حينها إلى أن المناطق التي انسحبت منها المعارضة تتطلب ضبط الأمن. تصريحات شويغو جاءت بعد أسبوعين على أنباء عن توجه نحو 1600 عسكري شيشاني ضمن كتيبتين من القوات الروسية، إلى سوريا، للقيام هناك بمهام "شرطة عسكرية"، تعمل على ضبط الأمن وحفظ النظام. وخلال عامين ونيف من عملها على الأراضي السورية، جرت أكثر من عملية تبديل لقوات الشرطة الروسية (السنية)، وغالبا تغادر كتيبة شيشانية وتحل محلها أخرى، إما شيشانية أيضاً أو من إنغوشيتيا المجاورة، التي يشكل مجتمعها نسخة مطابقة عن المجتمع الشيشاني لجهة الانتماء الديني، والعادات والتقاليد. وفي بعض الحالات كانت وزارة الدفاع الروسية ترسل "كتائب مختلطة" من الجنود الروس والشيشانيين والتتار (مسلمون سنة أيضاً) وغيرهم.

في تعليقه على إرسال مسلمين من الشيشان وإنغوشيتيا حصراً لنشرهم في داخل المدن السورية، يقول الخبير الروسي كيريل سيمينوف، مدير مركز الدراسات الإسلامية التابع لمعهد التنمية المبتكرة، إن "الجانب الروسي يدرك جيداً طبيعة النظام السوري، ولا يريد أن يتشارك معه المسؤولية عن عمليات انتقام جماعية في المناطق التي كانت خاضعة سابقاً لسيطرة المعارضة"، لذلك أرسل الشرطة العسكرية، و "بهذا الشكل حاولت روسيا الحفاظ على صورتها كوسيط في أعين السنة السوريين، وفي العالم السني ككل". وأضاف سيمينوف في حديث لموقع "تلفزيون سوريا": "لقد أكدت موسكو بهذا الشكل أنها، على عكس إيران، ليست حليفا للنظام فقط، بل ودولة تتبع نهجا معينا ومبادئ خاصة"، ورأى أن "ما تقوم به الشرطة العسكرية الروسية، وإن كان اضطراريا، لكن جعلها تبدو بموقع المدافع عن السكان السنة في بعض المناطق، بوجه القمع والإجراءات العقابية من جانب النظام السوري والميليشيات الخمينية".

 وأضاف الخبير الروسي: "أيّاً كان فإن الشرطة العسكرية الروسية تبدو أفضل الشرور بالنسبة للسنة السوريين"، موضحاً أنه تم تشكيل كتائب الشرطة العسكرية "ليس من المسلمين الروس فحسب، بل من أولئك المسلمين الذين يلتزمون بالمبادئ الدينية"، معبراً عن قناعته بأن "وقوف جنود وضباط يشاركون في الصلاة مع السكان المحليين، أوتناول وجبة الإفطار معهم في رمضان، وحتى مع سكان المناطق التي كانت سابقا تحت سيطرة المعارضة، خلقت أجواء من الثقة بين العسكريين الروس والسكان المحليين".

 

عناصر من الشرطة العسكرية الروسية في الجامع الأموي في دمشق (رويترز)

قيادة عمليات حفظ سلام في سوريا

لم يكن إرسال كتائب من الشرطة العسكرية إلى سوريا خطوة "آنية" أقرتها وزارة الدفاع الروسية تحت تأثير ظرف معين، وإنما تبدو بمثابة خطوة استباقية، جرى التحضير لها جيداً، تحسباً لأي تطورات، مثل قرار دولي بإرسال قوات حفظ سلام، من جانب أول، ومن جانب آخر لتهيئة "شروط مناسبة" تسهل على روسيا، عندما ترى ضرورة بذلك، إقناع حلفائها ضمن منظمة معاهدة الأمن الجماعي، بإرسال قوات إلى سوريا. وفي الحالتين تبدو الشرطة العسكرية في سوريا حاليا مؤهلة للعب دور "القوة القيادية" لأي مهام من هذا النوع، بعد أن اكتسبت خبرة "في ميدان العمليات".

وتعزز هذا الاعتقاد مناورات أجرتها قوات حفظ السلام الروسية في آذار 2016، كانت كل تفاصيلها محاكاة تامة للوضع في سوريا. حينها قال الجنرال ياروسلاف روشوبكين إنها المناورات شملت محاكاة مرافقة قوافل المساعدات الإنسانية المتجهة إلى مناطق تمت استعادة السيطرة عليها من أيدي الجماعات المسلحة، وإقامة منطقة آمنة في محيط المناطق التي تجري فيها أعمال هندسية، والتصدي لهجمات المجموعات التخريبية، ومرافقة فرق نزع الألغام خلال عملها في المناطق الأثرية ونزع الألغام في منشآت حيوية وذلك ضمن ظروف العمل في "منطقة عازلة"، أو "منطقة منزوعة السلاح". وتقوم الشرطة العسكرية حاليا بمهام كهذه، إن كان في المناطق الخاضعة للاتفاقات التركية- الروسية في إدلب، وغيرها من المناطق، أو جنوبي سوريا، على الحدود مع الكيان الصهيوني.

وبينما لا تلوح في الأفق أية مؤشرات تدل على إمكانية إرسال قوة حفظ سلام دولية بتفويض من مجلس الأمن إلى سوريا، فإن إرسال قوات من دول منظمة معاهدة الأمن الجماعي، التي تضم إلى جانب روسيا كلاً من بيلاروسيا وأرمينيا وقرغيزستان وطاجيكستان وكازاخستان، هدف تسعى روسيا إلى تحقيقه. وهي بذلك تريد تكرار آليات عمل الناتو، حين تشارك جميع دول المنظمة في عمليات تطلقها أو تقودها الولايات المتحدة، وتحاول في الوقت ذاته توفير دعم ميداني لقواتها في سوريا من "قوات حليفة"، ما سيساعدها على تنفيذ المزيد من المهام على الأراضي السوري، ويضمن لها الحفاظ على نفوذها هناك.

المحاولة الروسية في هذا المجال برزت خلال المحادثات حول رسم حدود مناطق خفض التصعيد، أثناء وبعد جولة المفاوضات الخامسة في أستانا، في مايو / أيار عام 2017. حينها قال إبراهيم قالن، المتحدث باسم الرئيس التركي، إن "الحديث يدور حول إرسال مراقبين يقومون مع الشرطة العسكرية الروسية بمهام حفظ النظام في إدلب". وكشفت تصريحات الجانب الروسي بهذا الصدد حرص موسكو على أن تكون تلك القوات من "المسلمين السنة"، لذلك ركزت بصورة خاصة على قوات من قرغيزيا وكازاخستان، وأكد فلاديمير شومانوف، رئيس لجنة الدفاع في مجلس الدوما محادثات تجريها روسيا مع المسؤولين في البلدين بهذا الصدد. إلا أن السلطات القرغيزية والكازاخية على حدا سواء، نفت أي محادثات تجري، واشترطت وجود تفويض دولي بداية، لبحث مسالة كهذه، كما أكدتا على أن قرار إرسال قوات من الجيش الوطني خارج البلاد يتطلب كذلك موافقة البرلمان. في أعقاب رفض قرغيزيا وكازاخستان إرسال قوات إلى سوريا، وجهت روسيا دعوة لجميع الدول الأعضاء في منظمة رابطة الدول المستقلة، لإرسال قوات تشارك في ما وصفته "مهمة حفظ سلام" في مناطق خفض التصعيد، إلا أن تلك الدعوة لم تلق أيّ تجاوب حينها من الدول المعنية.

رغم فشل تلك المحاولات، يبدو أن روسيا لم تفقد الأمل بإرسال قوات من منظمة معاهدة الأمن الجماعي إلى سوريا. ومنذ عام 2017 تركز قوات حفظ السلام التابعة للمنظمة في مناوراتها وتدريباتها على محاكاة الوضع في سوريا. وفي أعقاب مناورات لتلك القوات على الأراضي الكازاخية في تشرين الثاني عام 2017، قال الجنرال أناتولي سيدروف، قائد أركان قوات منظمة معاهدة الأمن الجماعي، إن قوات حفظ السلام في المنظمة مستعدة للمشاركة في عمليات حفظ السلام في سوريا، موضحا أن التدريبات التي تجريها تلك القوات تؤكد امتلاكها قدرات لمهام كهذه، لافتاً إلى أن القرار بهذا الصدد يتم اتخاذه على مستوى توافق رؤساء الدول الأعضاء في المنظمة.