كندا.. حلمٌ آخر للسوريين

2018.11.16 | 23:11 دمشق

+A
حجم الخط
-A

في الأيام الأخيرة أعلنت الحكومة الكندية على لسان وزير الهجرة الكندي "أحمد حسين" عن رغبتها في استقبال عدد جيد من المهاجرين السوريين، وذلك ضمن خطة منظمة تبدأ هذا العام 2018، وتستمر حتى عام 2021، وعللت الوزارةُ الأسباب بـ حاجة كندا لليد العاملة لدعم اقتصادها في المستقبل القريب، وارتفاع عدد المسنين في البلاد، ورغبتها في تجديد دماء شعبها، وأسباب أخرى.

انتشر هذا الخبر بين العائلات السورية (في تركيا وبقية مناطق النزوح) انتشار النار في الهشيم. وصار تبادل المعلومات حول الخبر، وحول التوجه كندا جزءاً لا يتجزأ من لقاءات السوريين بين بعضهم. وظهرت كندا وكأنها حلم جميل راح يداعب مخيلة الكثيرين دون سابق إنذار.

نحن السوريون نمتلك معلومات متواضعة عن كندا، تلك الدولة التي تقع في أقصى الغرب، والقارة شبه المجهولة بالنسبة لنا، ولكن، أعتقد أن ثمة مجموعة من الأسباب التي تدفع اللاجئ السوري بالتفكير في الهجرة إلى كندا، أكثر من غيرها من الدول الأوربية.

بداية، اسم كندا ارتبط في خيال السوريين بأغنية جميلة وهادئة وحالمة لفيروز (بيتي صغير في كندا، ما بيعرف طريقو حدا، قرميدو مغطى بالثلج، وكل المرج) وهي من كلمات ريما الرحباني ولحنها مقتبس عن أغنية فرنسية. هذه الأغنية رجعت إلى ذاكرتنا فور إعلان كندا رغبتها استقبال المزيد من اللاجئين السوريين، ليصير أحدنا في خياله يتخيل نفسه في كوخ كندي دافئ تغطيه الثلوج في طبيعة جميلة، بعيداً عن كوارث الحرب ومآسيها، وقد عشناها لأعوام مريرة، وخضنا تجربة النزوح بين الدول والأمصار.

عدة أسئلة قد تجول في خاطرنا، كلها أو بعضها حول كندا وصورتها الجميلة في خيال أيّ لاجئ، ولا يمكن تعليلها وربطها بأغنية مهما كانت جميلة.

عدة أسئلة قد تجول في خاطرنا، كلها أو بعضها حول كندا وصورتها الجميلة في خيال أيّ لاجئ، ولا يمكن تعليلها وربطها بأغنية مهما كانت جميلة.

ثمّة أسباب كثيرة، تبدو ميزات، تجعل من كندا أرضاً للأحلام بالنسبة للاجئين السوريين، منها، على سبيل الذكر لا الحصر:

يمكن تصنيف المجتمع الكندي على أنه من المجتمعات الحديثة على الصعيد العالمي، قام في نشوئه على المهاجرين الأوائل من جهات وأعراق مختلفة، لهذا فإن المجتمع الكندي لديه قابلية إيجابية للتعامل مع المهاجرين الجدد إليه، بإيجابية أكثر من المجتمعات الأوربية التي تحمل خصوصية لها طبيعتها التاريخية والجغرافية والتراثية، أعتقد أن المهاجر الجديد إلى كندا سوف يتعامل مع شعب هو إما من المهاجرين، أو من أبناء وأحفاد مهاجرين أخرين، وبالتالي ثمة مناخ مشترك بين المهاجر الجديد وسكان البلد يساعد على إنشاء علاقات متبادلة بشكل سريع وجيد.

اللغتان الرسميتان في كندا هما الإنكليزية والفرنسية، وهذا شيء إيجابي بالنسبة للاجئ السوري، حيث أنه على الأقل يعرف ولو بمستويات دنيا إحدى اللغتين اللتين تُدرسان بشكلٍ رسمي في المدارس السورية، على عكس أوروبا، وتحديداً ألمانيا، حيث يضطر اللاجئ لتعلم اللغة الألمانية التي لم يسبق له أن سمع كلمة واحدة منها.

كما أن الهجرة إلى كندا تختلف عن اللجوء إلى أوروبا، وألمانيا تحديداً.. فاللجوء إلى أوروبا يتخذ شكلاً عشوائياً فوضوياً، ويتم نقل اللاجئ إلى سكن جماعي ليضطر أن يعيش فيه وسط ظروف صعبة، وقد تطول مدة الإقامة في هذا السكن الجماعي "الكامب" يليها معاناة اللاجئ في لَمّ شمل أسرته، أما هنا فالحال مختلف، إذ أن الهجرة إلى كندا منظمة بشكل جيد، وتشمل الأسرة كلها لا أحد أفرادها فقط، ويتم تجهيز سكن مناسب لهذه الأُسر بمجرد وصولها.

قلة العمليات الإرهابية التي يقف خلفها متطرفون إسلاميون في كندا، يجعلها مفضلة لدى اللاجئ السوري، هذا اللاجئ الذي يعاني نفسياً في أوروبا بعد كل عملية إرهابية تضرب الغرب

قلة العمليات الإرهابية التي يقف خلفها متطرفون إسلاميون في كندا، يجعلها مفضلة لدى اللاجئ السوري، هذا اللاجئ الذي يعاني نفسياً في أوروبا بعد كل عملية إرهابية تضرب الغرب، وكأنه متهم محتمل، وبالتالي يمشي في الشارع محاولاً عدم تبادل النظرات مع أحد، وتحاشي نظرات الريبة والشك من الآخرين، وكأنه مشروع إرهابي، وقد يتعرض لردة فعل من سكان البلد، في كندا يختلف الحال فالمجتمع الكندي هو مجتمع مهاجرين، ولا يوجد فيه ما يمكن تصنيفه كغريب متهم.

ما يحسب لكندا، أيضاً، ضعفُ العنصرية فيها قياساً مع الدول الأوروبية التي تتصاعد فيها العنصرية يوماً بعد يوم، والأحزاب اليمينية في القارة الكندية، قد لا يكون لديها تلك الشعبية التي تنالها أحزاب اليمين في أوروبا في الفترة الأخيرة.. وهذا بحد ذاته عامل مشجع لأن يفكر اللاجئ في كندا.

تلك المساحات الشاسعة لكندا على الخريطة مع عدد قليل من السكان، يقابلها قلة في عدد السكان  (38 مليون نسمة)، وهذا يعني أنها شبه فارغة، وأنه ثمّة أراض واسعةً تحتاج للكثير من البشر.

الخدمات والحقوق التي تقدم للاجئين والسكان أيضاً، للمرأة وللطفل في كندا، على الأصعدة كافة كالتعليم والصحة، متميزة عما هو الحال في أوروبا. وبمجرد أن يصل اللاجئ إلى مطار كندا هناك من يستقبله ليقول له فوراً: أهلاً بك، أنت الآن كندي لك كل الحقوق، تحتاج لوقت قصير فقط لتمارس حقك بالانتخاب كمواطن كندي.

غالباً، لا يُسمى من يصل كندا بـ اللاجئ.. فهذه الكلمة لها دلالاتها السلبية في النفس البشرية، عندما تصل مع أسرتك إلى كندا يصبح اسمكم "المهاجرين"، أو "القادمين الجدد".

لا بد، أخيراً، من الإشارة لشخصية رئيس وزراء كندا، الشاب الوسيم (جاستن ترودو) وتنامي شعبيته مع مرور الوقت بين السوريين، وذلك بعد ظهور عدد كبير من الفيديوهات له، يوجه فيها التهاني تارة للعالم الإسلامي، أو يرحب بالمهاجرين الجدد إلى كندا تارة أخرى... إلخ. شعبيته المتنامية بين أوساطنا وبشكل جميل، لدرجة أن صورته في عقولنا بدأت تنافس صور ميركل، وأردوغان، بوصف الأخيرين من الذين قدموا تسهيلات كبيرة على الصعيد العالمي للاجئين السوريين.

أعتقد أن الأسباب السابقة، وأسباب أخرى أيضاً تحتاج لوقفة مطولة عندها وبشكل علمي، تجعل من كندا حلماً آخرَ للاجئين السوريين، بحثاً عن حياة كريمة تسودها الكرامة والطمأنينة، بعيداً عن الحرب ومرارتها ومأساة النزوح، وقريباً من أغنية فيروز: ( بيتي صغير في كندا، ما بيعرف طريقو حدا، قرميدو مغطى بالثلج، وكل المرج).