كل هذا الزخم لا بد أن يأتي بحل

2018.10.28 | 23:10 دمشق

+A
حجم الخط
-A

بداية 2018، كانت اللقاءات ماراثونية بعددها في العاصمة النمساوية "فيينا" ليلة التجهيز لانعقاد مؤتمر "سوتشي" الذي دعا إليه الرئيس الروسي بوتين. كان الهاجس الرئيسي للمسؤولين الروس حضور الأمم المتحدة؛ وإن كان بالإمكان أيضاً حضور الهيئة السورية للتفاوض.

كان المسؤولون الروس يعرفون أن نظام الأسد حشّد أنصاره ليكون مؤتمر سوتشي "الوطني السوري" مهرجاناً لتأييد النظام بامتياز. وتيقّن الروس أنه إن لم تكن الأمم المتحدة موجودة، وشيئاً من معارضة حقيقية، فسيكون المؤتمر مجرد احتفالية تأييديه لنظام الأسد؛ ولن يكون له أي قيمة قانونية. اجتماعات فيينا عشية انعقاد سوتشي وفرت الغطاء الأممي- عندما قررت الحضور بشخص مبعوثها ديمستورا - وكان ذلك مقابل مسؤولية الأمم المتحدة ورعايتها وإشرافها على أحد مخرجات المؤتمر: اللجنة الدستورية.

خلال أربع وعشرين ساعة، ذهبت السكرة، وعادت الفكرة؛ وانتهت كرنفالية المؤتمر التأييدية وخرج المؤتمر ببيان يعطي للأمم المتحدة صلاحيات بخصوص اللجنة. وهنا سارعت خارجية وليد المعلم إلى استصدار بيان ختامي آخر للمؤتمر مدّعية أنه "بيان سوتشي الختامي". تم فضح تزوير خارجية المعلم. رفض نظام الأسد التجاوب مع تشكيل اللجنة الدستورية؛ ثم أعلن الرئيس بوتين أن النظام وافق على اللجنة وسيرسل قائمته؛ وفعلاً أرسلت خارجية النظام قائمة إلى إيران وروسيا؛ وبدورهم أوصلوها إلى المبعوث الدولي.

كانت المعارضة حقيقة الأمر قد أرسلت قائمتها قبل ثلاثة أسابيع من انتقاد السيد بوتين؛ ولكن خارجيته لم تحطه علماً بذلك

أشاد السيد بوتين بتجاوب النظام حول اللجنة الدستورية أحد مخرجات منجزه "مؤتمر سوتشي الوطني السوري"؛ وفي الوقت ذاته وفي التصريح ذاته، انتقد السيد بوتين المعارضة على عدم تجاوبها وعدم إرسالها قائمتها. وكانت المعارضة حقيقة الأمر قد أرسلت قائمتها قبل ثلاثة أسابيع من انتقاد السيد بوتين؛ ولكن خارجيته لم تحطه علماً بذلك.

قبل انعقاد اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة كانت حتى القائمة الثالثة الحاملة للثلث الثالث المكلف بانتقائه المبعوث الدولي قد اكتملت. وبعد أخذ ورد وتعديلات شملت عمليات حذف وإضافة، يلتقي وزير خارجية النظام والأمين العام للأمم المتحدة، ويعبّر له المعلم عن رفضه لقائمة المبعوث الدولي "ديمستورا"، ويزيد على ذلك شروطاً تتعلق برئاسة اللجنة، ووجوب أن يكون ثلثيها للنظام، وبآلية التصويت فيها بالإجماع، وبألا يكون هناك وصاية أو إشراف أو أي دور للأمم المتحدة؛ بمعنى الرفض لكل الفكرة والمشروع.

يقدّم المبعوث الدولي إحاطته الأولى بعد تكشف موقف النظام، ويمهرها بنيّته بالاستقالة؛ ويقدم الثانية بعدها بعشرة أيام، وبعد زيارة إلى دمشق عاد منها بخفي حنين؛ وحتى اللحظة لم يقل بملء فيه أن نظام الأسد هو الذي يعرقل مهمته، وينسف أي توجه نحو حل سياسي للقضية السورية. حتى اللحظة لم يسمِ الرجل الأمور بمسمياتها؛ إنه يعرف من يفشل مهمته ومع ذلك يقبل على نفسه وكرامته وسيرة نصف قرن في السياسة والدبلوماسية؛ وكأنه ما يزال لديه أمل بأن يوفر له نظامٌ قتلً شعبه فرصةً للنجاح. فكما يُقال بالعامية: "الله لا يقلع عن قلبه".

المسألة السورية على نار حامية تضعها وتضع روسيا تحديداً أمام خيارات ربما تكون حاسمة

بعد اتفاق إدلب وإغلاق مسار التوتر والدم والدمار والعسكرة الذي خيّب آمال منظومة الأسد وإيران؛ وبعد ارتفاع درجة حرارة الحرج الروسي بدخول أمريكي ثقيل الطيف باستراتيجية جديدة تغمز وتلمز من جانب الروسي بأنه فشل بإيجاد حل سياسي للقضية السورية؛ وبعد قمة رباعية جمعت عضوين من /مسار أستانة/ (روسيا وتركيا) وعضوين من /مسار مجموعة الـ 5+2/ وخروجها ببيان توافقي يرى الحل السياسي للقضية السورية الخيار الأوحد، واللجنة الدستورية- التي يرفضها المعلم ومعلمه والمشغل الإيراني- ضرورة مفتاحية لحل يستند إلى تطبيق القرار الدولي 2254؛ وبعد قمة لندن للـ 5+2 وفي عضويتها أمريكا وبعداً عربياً قوامه ثلاث دول عربية مؤثرة في القضية السورية وبحضور للهيئة السورية للتفاوض... بعد كل ذلك، لا بد من القول أن المسألة السورية على نار حامية تضعها وتضع روسيا تحديداً أمام خيارات ربما تكون حاسمة:

-    الشروع بعمل اللجنة الدستورية كبوابة للولوج في تطبيق عملي وفعلي للقرارات ذات الصلة بالشأن السوري/بيان جنيف، 2118، و2254/ والعمل بشكل مواز على المحاور(السلل) الأخرى المتضمَنة في تلك القرارات: "هيئة حكم انتقالي" تؤسس لدستور وانتخابات في بيئة آمنة محايدة سليمة خالية من الاستبداد والإرهاب تضع البلد على سكة الحياة وتفسح في المجال إلى عودة لاجئين وإعادة إعمار.

-    الخضوع لابتزازية نظام الاستبداد الذي قرر مواجهة المجتمع الدولي وأممه المتحدة بدعم خفي وظاهر إيراني الأمر الذي يحرج الروس ويضعهم أنفسهم في مواجهة مع الأمم المتحدة ويثبت للعالم بالدليل القاطع بأنهم لا يجيدون إلا فعل الحرب ولا يمكن لهم أن ينجزوا اتفاقاً سياسياً. أضف إلى ذلك أنهم الآن أمام إرادة دولية تيقنت من أن كل الحجج التي كانت تساق لشن الحروب (داعش وغيره من حجج الإرهاب) قد انتفت، وما بقي إلا ارتكاب مجازر بحق ما يقارب أربعة ملايين في منطقة إدلب. وهذا أمر سيكون في مواجهة العالم لهؤلاء الملايين فقط. وهنا ستخرج روسيا بخسارة سياسية مضمونة وأخرى عسكرية ما تعودتها.

ليس من باب التفاؤل بل من باب الواقعية السياسية والعقلية، لن يذهب الروس -حماة منظومة الأسد- إلا مع الخيار الأول ببعض التعديل الناتج عن مناورات وابتزازات؛ وقد ينطلق قطار حل لا بد أن يزيح من طريقه من كان يسعى إلى تدمير القطار والسكة والركاب إن لم تسر الأمور كما يشاء. لننتظر ونعتبر؛ ونعمل أيضاً.