كلمة السر هي "إعادة إعمار سوريا"

2018.08.31 | 00:08 دمشق

+A
حجم الخط
-A

أثارت تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبل لقائه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل منذ أيام حول موضوع عودة اللاجئين السوريين وإعادة الإعمار غضباً عميقاً لدى الغرب عموماً، إذ قال بوتين : " يجب تعزيز البعد الإنساني في النزاع السوري، وأقصد من ذلك قبل كل شيء المساعدة الإنسانية للشعب السوري، ومساعدة المناطق التي يمكن أن يعود إليها اللاجئون االموجودون في الخارج ".

الغضب الغربي عبّر عنه الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون في خطابه السنوي أمام مؤتمر السفراء الفرنسيين السنوي حيث قال : " إنّ عودة الوضع إلى طبيعته في سورية مع بقاء بشار الأسد في السلطة سيكون خطأً فادحاً، وأن بعض الأطراف الآخرين يقولون بإعادة الإعمار".

هذا الموقف الفرنسي أتى على أرضية عدم منح الروس فرصة استثمار ملف الصراع السوري وفق أجندتهم التي تريد أن تسوّق للغرب أن عودة اللاجئين تحتاج إلى أموالٍ من أجل إعادة إعمار ما هدمته الحرب مع بقاء الوضع السياسي في سورية على حاله مع بعض الرتوش التزيينية التي لا تلغي جوهر النظام الاستبدادي.

الغرب وفي مقدمته الولايات المتحدة الأمريكية لا يرغب بتعويم الدور الروسي من خلال قمة إسطنبول، التي كان من المفترض أن تُعقد في نهاية الأسبوع الأول من أيلول / سبتمبر القادم، ولهذا وئدت هذه القمة قبل أن تُعقد.

الروس لا يريدون أن يضعُفَ دورهم في إدارة ملف الصراع السياسي والوصول إلى ما يسمونه " حل سياسي "، لذلك هم يراهنون على أمور عديدة منها الخلاف العميق والصراع بين الأمريكيين وتركيا، ويتغافلون عن قصدٍ عن الحسابات الإيرانية في سورية، والتي يراوغ الإيرانيون من أجل تقديم أقل حدٍ ممكنٍ من التنازلات فيها دون خسارتهم لنفوذهم السياسي والعسكري والاقتصادي في هذا البلد.

الإيرانيون الذين أرسلوا وزير دفاعهم إلى سورية منذ أيام استطاعوا لي ذراع النظام السوري الذي يمرّ بلحظة وجود مفصلية

الإيرانيون الذين أرسلوا وزير دفاعهم إلى سورية منذ أيام استطاعوا لي ذراع النظام السوري الذي يمرّ بلحظة وجود مفصلية، وأجبروه على التنازل وتوقيع اتفاق يقضي ببقاء دورهم العسكري والسياسي بصورة " رسمية ".

ويأتي الموقف الأمريكي الصريح على لسان وزير الدفاع جيمس ماتيس الذي حدّد شروطاً ثلاثة مترابطة للوصول إلى حل مسألة الصراع السوري، وانسحاب الأمريكيين النهائي من سورية، وهذه الشروط هي : الإجهاز التام على وجود داعش في سورية وعدم السماح بأي عودة جديدة لها، وإجبار إيران على سحب قواتها وميليشياتها من الأراضي سورية، وتحقيق انتقال سياسي حقيقي في البلاد عبر مؤتمر جنيف وتنفيذ القرار الدولي 2254.

الحمى السياسية والإعلامية المتزايدة بين الطرفين الروسي والغرب قد تفتح بوابة صراعات جديدة على الأرض السورية، صراعات الغاية منها منع الروس من التحكم بنتائج ومخرجات الصراع السوري، وبالتالي منعه وحلفائه من الفوز بالقدر الأكبر من كعكة الإعمار والنفوذ السياسي والاقتصادي في هذا البلد. الولايات المتحدة التي مارست ضغطاً كبيراً من أجل منع انعقاد قمة إسطنبول الرباعية، لم تكتف بهذا القدر من الضغط، بل زادت عليه بالتحضير العسكري لتغيير التوازنات العسكرية القائمة حالياً والتي هي لمصلحة الروس والنظام وحلفهما من خلال ضربات عسكرية ضد الوجود الإيراني وضدّ مراكز حيوية للنظام. الضربات العسكرية إن جرت ستكبّل يد الروس في سورية، وقد تورطها في معركة عسكرية خاسرة، وهذا أمر تدركه موسكو.

إعادة إعمار سورية هي إذاً كلمة السرّ الحقيقية للفصل الأخير في الصراع السوري، والذي سيتمّ من خلاله توزيع الأدوار والحصص وقيمة كل منهما وفق قوة ونفوذ كل طرف من أطراف الصراع على سورية وفيها.

الغرب لن يسمح لروسيا والدول الضامنة لاتفاق أستانة أن تمرّر اتفاق إعادة الإعمار

الغرب لن يسمح لروسيا والدول الضامنة لاتفاق أستانة أن تمرّر اتفاق إعادة الإعمار وهذا يعني عدم السماح بالسيطرة على سورية. والغرب لن يقبل باستخدام ورقة إدلب لمزيد من سيطرة روسية إيرانية على البلاد، ولهذا سيكون للضربات العسكرية الغربية القريبة كما تسرّب دوائر سياسية دوراً هاماً في إفشال المخطط الروسي برمته.

الغرب لا يمكنه التنازل عن مصالحه في سورية ومنطقة الشرق الأوسط لمصلحة الروس، لإنّ ذلك سيشكّل تهديداً حقيقياً للقارة الأوربية ولمصالح الولايات المتحدة الاستراتيجية.

إدارة ترامب التي وجدت نفسها أسيرة تناقضات عديدة وصراعات داخلية نتيجة تدخل الروس في الانتخابات والفضائح التي تلاحق الرئيس ترامب لن يمكنها أن تقاوم مصالح البلاد العليا التي يمثلها الكونغرس والبنتاغون والمخابرات المركزية الأمريكية، فهؤلاء فعلياً هم الإدارة العميقة للبلاد.

إدارة ترامب ستُضطر إلى الانقياد لمشيئة صنّاع القرار الأمريكي سيما وأن الحبل يقترب من الالتفاف على عنق وجود ترامب في البيت الأبيض الأمريكي. وستُضطر إلى التشدد نوعاً ما للهروب إلى الأمام من تهم التعامل مع الروس وخرق القوانين والدستور.

أجندة الغرب صارت واضحة للجميع، وتحديداً للروس والإيرانيين، وهما يفعلان ما بوسعهما لمنع هذه الأجندة من تحقيق نتائج كبرى تغيّر التوازنات القائمة حالياً، وهذا يظهر في الخطوات الساذجة التي لا قيمة لها التي يلجأ إليها حكام طهران من خلال الحصول على ورقة وجود شرعي من نظام لم يعد شرعياً بموجب قوانين الشرعية الدولية.

 أجندة الغرب تحتاج إلى أذرع عسكرية لتنفيذها، وهذه الأجندة تتمثل بطرد إيران من سورية واختلال التوازن المترتب على ذلك وإجبار الخصوم على القناعة بأن ملف إعادة الإعمار في سورية سيشكل مفتاحاً لصراعٍ سياسي وعسكري ينتهي بانتقال سياسي حقيقي, وليس بحلٍ سياسي وفق الشهية الروسية والإيرانية اللتين تريدان نظاماً استبدادياً ضعيفاً يمكن تسييره وفق مصالحهما. فهل يفعل الغرب ذلك ؟.