كتاب "آفاق التمدد الفارسي" وعرب نائمون

2018.11.12 | 15:48 دمشق

+A
حجم الخط
-A

"الموضوع الإيراني طويل وطويل جدًّا، لم يبدأ مع الثورة السورية ولن ينتهي مع نهايتها. هذا الكتاب لمسات فقط من وحي الثورة السورية وما رافقها من أحداث ذات صلة بالموضوع الإيراني. ولكن قبل أي تمهيد لا بد من وضع الإصبع على الجرح تماماً.. الحقيقة التي لا بد من وضعها في مواجهة الكتاب أنه لا يمكن فهم متتاليات فصول الكتاب دون وعلي لحقائق التاريخ والعقيدة التي لا تنفصل أبداً عن الواقع"

تقدم بهدوء وليس بصمت

كان هذا مقتطفاً من كتاب "آفاق التمدد الفارسي قراءة سياسية تاريخية" لعزت السيد أحمد، وصدر الكتاب عن دار العالم العربي للنشر عام 2015، بعيد الاتفاق النووي الإيراني، وفيه يحاول الكاتب تقديم رؤيته حول التمدد الإيراني الذي يتغلغل " بهدوء لكن ليس بصمت" على أرجاء واسعة من الوطن العربي، أليست أربع عواصم عربية تحت سيطرتهم المباشرة، أو غير المباشرة!.

كتاب "آفاق التمدد الفارسي قراءة سياسية تاريخية" لعزت السيد أحمد، وصدر الكتاب عن دار العالم العربي للنشر عام 2015، بعيد الاتفاق النووي الإيراني

صحيح أن الاتفاق النووي الإيراني قد تم إلغاؤه من قبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مؤخراً، ولكن هذا لا يغير من الأمر شيئاً، طالما أن إيران مازالت تسرح وتمرح في أكثر من بلد عربي، ولها اليد الطولى فيه، تعين من تشاء وتعزل من تشاء كيف ومتى تشاء، من بغداد إلى دمشق فبيروت، وليس انتهاءً بصنعاء. وإذا تذكرنا كيف أن الغرب لم يمهل نظام صدام حسين ولم يفاوضه بل دمر مفاعله النووي مباشرة، وحاصر العراق بشكل كامل لسنوات قبل أن يحتلها مباشرة، بدعوى امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل، ويضع أزلام إيران في سدة حكمها.

السبب ليس طائفياً

الكتاب الذي جاء على شكل مقالات كتبها الباحث في أكثر من موقع وصحيفة يعمل على تتبع ورصد تصريحات المسؤولين الإيرانيين، حول المنطقة، وهو لا يرى أن سبب التكالب الإيراني على المنطقة هو الاختلاف المذهبي، فإيران عدوة للعرب قبل الإسلام وبعده، وقبل أن تتحول للمذهب الشيعي بقوة السيف على يد الصفويين قبل عدة قرون، وبعد أن تحولت، ويستشهد الكاتب على صحة قوله بأن كل الدعوات الشعوبية التي كانت تستصغر العرب وتقلل من شأنهم وشأن حضارتهم ودينهم هي من إيران "السنية"، ما قبل التوسع الصفوي." الطائفية الإيرانية طائفية سياسية الغاية والأساس، وهي تمارس بسيف بحدين ينحر العرب ودين العرب، ثأراً منهما لم تخمد ناره منذ معركة ذي قار".

سبب التكالب الإيراني على المنطقة هو الاختلاف المذهبي، فإيران عدوة للعرب قبل الإسلام وبعده، وقبل أن تتحول للمذهب الشيعي بقوة السيف على يد الصفويين قبل عدة قرون

عاصفة الحزم!

لو بدأنا بمعركة "عاصفة الحزم" التي شنتها السعودية ضد الحوثيين في اليمن فيرى الكاتب أن المعركة ليست أكثر من خداع وتضليل، فالمعركة أعلنت بأوامر أمريكية حتى لا يقع مضيق باب المندب تحت سيطرة الحوثيين، وبالتالي يتعرض الأمريكيون من جديد للابتزاز الإيراني، حسبما يرى الكاتب، الذي يضيف أنه لو أراد التحالف العربي بصدق قطع اليد الإيرانية في المنطقة العربية لبدأ من العراق وسوريا، وليس اليمن.

قاتل الحسين فارسي

والإيرانيون لا يحاربون العرب إلا بالعرب، وهي فعلت الأمر ذاته عندما استقدمت المرتزقة والطائفيين من العراق ولبنان واليمن وحتى البحرين لنصرة النظام السوري، "الفرس مثل أمريكا لا يزجّون بجنودهم إلا في معارك مضمونة النجاح، أو إذا لم يبق لديهم خيار إلا أن يخوضوا المعارك بأنفسهم".

ويرى الباحث أن إيران ماضية في استنزاف العرب مادياً وبشرياً بصراع طائفي صريح "كل من يظن أن الممارسات الشيعية الطائفية التي تمارس ضد المسلمين السنة في أرجاء سوريا والعراق هي محض انتقام أو ثأر مزعوم للحسين فهو واهم، "حسبنا أن قاتل الحسين شمر بن الجوشن فارسي ومن شيعة الحسين وعلي".

"تقية" تسعة أعشار الدين

وينتقد الكاتب توكيل العرب لأمريكا في وضع حد لتعاظم القوة الإيرانية في المنطقة العربية، فالدولتان رغم العداء العلني، ولكن القوم في السر غير القوم في العلن، وهذا ما يسمى في المذهب الشيعي "التقية" التي تشكل تسعة أعشار الدين، حسب أحد الأحاديث في أهم المصادر الشيعية. هناك تنسيق تام بين أمريكا وإيران، ألم تسلم أمريكا العراق وأفغانستان لإيران، ألم يقاتل الإيرانيون وميليشياتهم داعش تحت ظلال وحماية الطيران الحربي لأمريكا " الشيطان الأكبر". ويتساءل الكاتب " هل سيحقُّ للعرب الاعتراض إذا توافقت أمريكا وإيران على تقاسم المنطقة بطريقة جديدة؟

ألم تسلم أمريكا العراق وأفغانستان لإيران، ألم يقاتل الإيرانيون وميليشياتهم داعش تحت ظلال وحماية الطيران الحربي لأمريكا " الشيطان الأكبر"

أمن إسرائيل من أمن النظام

الكتاب الذي يرصد تصريحات المسؤولين الإيرانيين الذين اعتبروا سوريا المحافظة الإيرانية الخامسة والثلاثين، يرصد تصريحاتهم حيال إسرائيل، عندما أعلن نائب وزير الخارجية الإيراني حسين عبد اللهيان أنه "إذا أراد التحالف الدولي تغيير نظام الأسد فإن أمن إسرائيل سينتهي"، من هنا نستطيع أن نفهم سر بقاء نظام الأسد رغم كل ما فعله ويفعله من انتهاكات للقانون الدولي، فأمن النظام من أمن إسرائيل، كما صرح رامي مخلوف في بداية الثورة.

الثورة الإيرانية والأزمات العربية

منذ انتهاء الحرب العراقية الإيرانية وإيران تتقدم إلى الأمام، حتى صرح مسؤولوها أنهم سادة البحر المتوسط والعرب والبحر الأحمر والخليج العربي، الذي تسميه إيران الخليج الفارسي" العرب يتعاملون مع المساعي الإيرانية بغباء ... فإذا كان قادة العرب ضد أمجاد العرب فهل يسوغ هذا لهم استنكار سعي غيرهم لتحقيق الأمجاد؟".

الباحث يرى أنه ليس صدفة أن انتصار الثورة الإيرانية فتح بابا لأزمات العربية ولم يغلق حتى الآن، ويستشهد الكاتب بمؤرخ إسرائيلي اسمه إسكندر ادلر يقول إن إيران تعادي العرب لا إسرائيل، وما يجمع بينهم أكثر بكثير مما يفرق، رغم الشعارات الرنانة التي يطلقها الإيرانيون وأزلامهم من "الموت لأمريكا والموت لإسرائيل".

الصفويون والغرب

الكاتب يغوص في التاريخ حتى يثبت صحة نظريته، فلماذا لا تتم شيطنة إيران، الدولة الدينية ووريثة الصفويين في الإعلام الغربي، بينما تتم شيطنة تركيا العلمانية؟ ولماذا لا يتم تصنيف حزب الله كمنظمة إرهابية بينما حماس صنفت كإرهابية، ويعود الكاتب في الجواب إلى أحد المستشرقين نقلاً عن الباحث محمد عمارة "لولا الصفويون الشيعة لكنا نقرأ القرآن في بلجيكا" فعندما كانت الدولة العثمانية على أبواب فينا، لم تنكفئ لولا الهجمات التي تعرضت لها من قبل الصفويين من الخلف، وهذا ما يعرفه الغرب جيداً، ولهذا لا يرون في إيران الدولة التيوقراطية القروسطية تهديداً حقيقياً على العالم المتمدن!.

"لولا الصفويون الشيعة لكنا نقرأ القرآن في بلجيكا" فعندما كانت الدولة العثمانية على أبواب فينا، لم تنكفئ لولا الهجمات التي تعرضت لها من قبل الصفويين من الخلف

ولا بد من إشارة سريعة إلى المؤلف، عزت السيد أحمد أستاذ جامعي ورئيس سابق لقسم الفلسفة في جامعة تشرين، وشاعر وباحث له عشرات الكتب التي تتناول مواضيع مختلفة من الأدب إلى الفكر والسياسة.