icon
التغطية الحية

"كاريزما" الممثلين السوريين في تلميع صورة النظام الاستبدادية

2019.05.09 | 14:05 دمشق

بوستر مسلسل "خمسة ونص" (إنترنت)
+A
حجم الخط
-A

"كاريزما" الممثلين السوريين في المسلسلات الرمضانية تحاول مجدّداً تبييض صورة نظام الأسد والدفاع عن تشبيح أجهزة مخابراته. وقد يبدو من المبكر تناول المسلسلات الرمضانية والحكم عليها الآن، ولاسيما أننا مازلنا في اليوم الرابع من الشهر المبارك، لكن كما يقول المثل "المكتوب مبيّن من عنوانه".

الطابع العام المميز والمشترك بين هذه المسلسلات ضخامة ميزانيتها الإنتاجية ومحاولة الاستفادة فنياّ من تقنيات الصورة الحديثة سواءً من استخدام كاميرات عالية الجودة وتقنيات كـ (الشاريو والدرون) أو اكسسوارات غالية الثمن، بالإضافة إلى اعتمادها على نجوم من "الصف الأول" من المثلين السوريين كـ (قصي خولي، غسان مسعود، عباس النوري). كذلك من الملاحظ وجود نقلة "نوعية فنياً" متأثرة بالدراما التركية من حيث سيناريو مشغول بإتقان وحبكة لمسلسل تعتمد أساساً على "الأكشن" في أداء الممثلين، أو من حيث الاعتناء بالملابس الفاخرة وأماكن التصوير المتنوعة التي أشبه ما تكون بترويج دعائي "سياحي".

عالم الصورة والفنون البصرية هو عالم الدلالات، أي لا توجد صورة بريئة بالكامل. وصنّاع هذا الفن يدركون ذلك غالباً، كما تدركه أيضاً الأنظمة البوليسية الشمولية والاستبدادية. ومن هنا تبدو أهمية السينما والتلفزيون في صياغة رأي عام ومزاج قد يتحكم أحياناً ليس فقط بخلق نمط تفكير وإنما بفرض طريقة كلام ونمط سلوك وأحياناً نمط يخبرك ماذا ستأكل وتشرب بل وكيف تمشي.

 

مسلسل "ترجمان الأشواق" وشخصية رجل المخابرات "الجذابة"

تجري أحداث هذا المسلسل في سوريا، ومنذ البداية نتعرّف على بيت بطل المسلسل الذي يقع في وسط العاصمة السورية دمشق، في "المرجة" مقابل وزارة الداخلية. وكأن صنّاع المسلسل يقولون لنا، نعم نستطيع التصوير هنا في وسط البلد ووجهاً لوجه تحت أعين الأجهزة الأمنية وبموافقتها، هذه الرسالة الأولى من مئات الرسائل التي صدّرها المسلسل خلال وقت قصير.

قد يقول البعض إن هذا تحامل على المسلسل وربما يكون بمحض الصدفة وجود البيت مقابل وزارة الداخلية، طبعاً، لنفكر معاً ماذا لو كان موقع البيت في المهاجرين مثلاً. ولماذا لا يكون في داريا أو ركن الدين أو جرمانا أو في دمشق القديمة أو حتى في باب توما أو في المزة 86؟ السبب ببساطة لأننا نعرف أن لكل منطقة من هذه المناطق دلالاتها الاجتماعية والسكانية. وإذا افترضنا أن المسلسل هنا لا يريد أن يعطي أي انتماء اجتماعي لبطله فاختار منطقة حيادية في وسط دمشق هي أمام وزارة الداخلية، وكأن جهاز الشرطة هو الذي يدير القانون ويتحكّم في البلد. وكلنا نعرف أن هذا غير صحيح على الإطلاق.

كما ونعرف تماماً أنه حتى الآن إذا تم اكتشاف جهاز موبايل مع مواطن وفيه بعض مقاطع الفيديو من أيام المظاهرات السلمية سنة 2011 مازال كفيلاً بإلقاء القبض عليه وربما تصفيته في بلد مثل سوريا. فلماذا هذه الرسالة المبطنة أنه نعم، نستطيع التصوير أمام أعين الجميع ونستطيع تصوير ما نريده. ولماذا الصور الجوية هي فقط في مركز المدينة ما بين فندق الفورسيزن وساحة السبع بحرات وفوق محيط الجامع الأموي. هل لإعطاء انطباع أن البلد بخير وخلصت "الأزمة" ماذا لو ابتعدت الكاميرا فقط 4 كم من ساحة السبع بحرات باتجاه جوبر، هل تجرؤ على التصوير؟ ربما سنرى ذلك في الحلقات القادمة.

"نجيب سالم" والذي يقوم بالدور الممثل ذو الخبرة عباس النوري، معتقل يساري سابق "شيوعي" يعود من المنفى على إثر اختطاف ابنته. ليجد نفسه يُساق إلى التحقيق في مبنى "حضاري" أمام ضابط تحقيق "مثقف" يناقشه في أفكار فلسفة الماركسية. لا نستطيع أن ننكر أن شخصية ضابط المخابرات كانت أكثر شخصيات المسلسل "جاذبية" فأداء الممثل الضابط ربما تفوق على أداء زملائه الممثلين من المجتهدين غسان مسعود وفايز قزق رغم حضورهم الممتع في المسلسل.

وهل هي صدفة اعتبار أن اعتقال مئات السياسيين اليساريين خلال السنوات الماضية هو موضوع بديهي وعادي نتقبله كمسلّمة يعني "ما بينحكى فيه". ولماذا هذه الرسائل عن "دهاء" المخابرات السورية ومتابعتها المستمرة للناشطين المعارضين في الخارج، فهي تعرف الناشط منهم وتعرف الصامت، لماذا لغة الترهيب هذه في بلد نعرف تماما أنه يوميا يتعرض لاعتداءات من العدو الصهيوني دون أن يتجرأ حكاّمه ولو بالرد مرة واحدة. هل هذا الجبروت القوة التي يتقنوها فقط للاعتداء على أفراد الشعب السوري المسالم.

من المتوقع أن يحوز هذا على المسلسل على نسبة مشاهدة عالية لموضوعه ولوجود طاقم من الممثلين ذو خبرة لا يستهان بهم بل وحتى الوجوه الشابة كالممثلة (نوار اليوسف) التي أدت ببراعة وتلقائية لطيفة ملفتة للانتباه ولوجود مخرج يدرك ما يفعل، كل هذا لا يعني التغاضي عن رسائل المسلسل التي تنتمي إلى ذهنية النظام السياسي الذي يصرّ على الاستبداد ويرفض أي تغير بالنسبة لحقوق الشعب السوري في مجتمع حر وعادل.

 

مسلسل "خمسة ونص" وخفايا القصر الجمهوري في دمشق

يبدأ المسلسل بحادثة وفاة الابن الأكبر للعائلة في حادثة سير. واستدعاء أخوه الأصغر من الخارج ليحّل مكان أخيه في تولي مهام جسيمة تقع على كاهل الأب المريض "بسرطان" والذي لا يعرف عن مرضه سوى قلة قليلة من المقربين جداً. منهم فتاة نحيلة "جذابة" ابنة طبيب من عائلة ميسورة الحال، نعرف سلفاً أن الابن الأصغر سيقع في حبها وربما سيتزوجها في الحلقات القادمة.

هل يبدو لكم هذا السيناريو معروفاً؟

عنوان المسلسل هنا مثير للاهتمام، ولكن هل هي مجرد صدفة تشابه الاسم مع عنوان لبرنامج كوميدي اسمه "نص إلاّ خمسة" لجيرار أغباشيان على تلفزيون سوريا من العام الماضي؟ أم أنه هنا دلالة زمن؟ هل عنوان "خمسة ونص" تشير إلى توقيت أخطر ربما يكون لحظة وفاة رأس النظام السابق وتوريث ابنه كامل البلد؟ لننتظر بقية حلقات المسلسل ربما عثرنا على ما يساعدنا لفهم هذا العنوان.

المسلسل ليس كوميدياً على الإطلاق، بل على العكس، فحتى الآن وفي حلقاته الأولى نلاحظ ملامح تراجيديا صاعقة لتاريخ وظروف عائلة لها نفوذ فظيع وتتمتع بثراء فاحش. إنها عائلة "الغانم".

الممثل قصي خولي يقوم بأداء دور الابن الأصغر "غمار الغانم" بينما الممثلة نادين نجيم تقوم بدور الدكتورة "بيان نجم الدين" أما الأب "الغانم" فيقوم بدوره الممثل المسرحي المخضرم "رفيق علي أحمد".

من الواضح الجهد المبذول إنتاجياً وفنياً لإنجاز هذا المسلسل، من سيناريو مبني بإحكام وأداء ممثلين موفّق، رغم أن محاولات الممثل قصي الخولي لتقمص أداء الممثل الأمريكي "آل باتشينو" واضحة تماما في تعابير الوجه، كيف لا وهو الشاب "المتحضّر" العائد حديثاً الى الوطن ليقود البلد بعد وفاة أبيه، لننتظر ونرى كيف ستتطور شخصية "غمار الغانم" أو "بشار الأسد" عبر المسلسل.

هل يعرف الممثلون الأساسيون أنهم يلعبون دور "آل الأسد"؟ ثم من المفيد معرفة ردود فعل فريق المسلسل على هذه التساؤلات؟ هل سينكرون ذلك؟ أم يلتزموا بالصمت؟

كلمات مفتاحية