قريباً في عيد الحب

2019.02.04 | 00:02 دمشق

+A
حجم الخط
-A

بعد عشرة أيام سيحتفل العشاق، عبر العالم، بعيدهم. أما نحن السوريون فسوف نراقب حدثين سياسيين مهمين يتعلقان بالصراع الدائر في سوريا وعليها. هناك، من جهة أولى، مؤتمر عالمي حول قضايا الأمن في الشرق الأوسط سوف يعقد، بدعوة من الولايات المتحدة، في العاصمة البولونية وارسو. وفي التوقيت نفسه، سوف يعقد قادة روسيا وإيران وتركيا، في سوتشي، جولة جديدة من المباحثات حول سوريا.

لا يأبه الأميركيون وحلفاؤهم، ولا الروس وشريكاه، بعيد القديس فالانتاين. الأولون يبحثون عن وسائل إضافية، وربما تحالفات، لتضييق الخناق على إيران، في حين يتباحث ثلاثي سوتشي حول ما يمكن عمله لملء الفراغ الذي سيتركه الانسحاب الأميركي من شمال شرق سوريا المعروف اختصاراً بشرقي نهر الفرات. وقد يعني التزامن بين الحدثين رسالة من ثلاثي سوتشي إلى المؤتمرين في وارسو بأن إيران لن تترك وحيدة في مواجهة الحصار. لا يقتصر "أصدقاء إيران" على روسيا وتركيا اللتين أعلنتا عدم التزامهما بالعقوبات الاقتصادية على إيران، بل إن الأوروبيين أيضاً أوجدوا آليةً مصرفية تساعد على الالتفاف على العقوبات الأميركية.

يبقى الشغل الشاغل للجميع هو ما بعد الانسحاب الأميركي المفترض خلال بضعة شهور. ليس فقط تركيا

قرار الانسحاب الذي مضى على إعلان ترامب له نحو شهر ونصف يلاقي مقاومة كبيرة داخل المؤسسة السياسية الأميركية، كما لدى الدول الحليفة

وحزب الاتحاد الديموقراطي ودول خليجية مناوئة لتركيا ودول أوروبية لديها قوات في شرق الفرات وفي منبج، بل كذلك مجلس النواب الأميركي الذي خطا خطوة أولى باتجاه عرقلة الانسحاب الأميركي الذي يريده الرئيس ترامب.

واضح أن قرار الانسحاب الذي مضى على إعلان ترامب له نحو شهر ونصف يلاقي مقاومة كبيرة داخل المؤسسة السياسية الأميركية، كما لدى الدول الحليفة. ترى هل يتراجع ترامب تحت الضغط الكبير، كما فعل بشأن إغلاق الحكومة الاتحادية وغيره من القرارات، أم أنه سيتغلب على تلك الضغوط ويستعد للانتخابات الداخلية في حزبه الجمهوري الذي ربما يقدم مرشحاً آخر للرئاسة ينافس ترامب، كما يشاع؟

موضوع المنطقة الآمنة الذي طرحه ترامب مع قرار سحب القوات من سوريا هو الذي يثير الهواجس ويحرك الاتصالات الدبلوماسية في الآونة الأخيرة. من ذلك زيارة وفد تركي من المتخصصين إلى واشنطن للتباحث حول المنطقة الآمنة مع نظرائهم الأميركيين. وزيارة ممثلة مجلس سوريا الديموقراطية إلهام أحمد إلى واشنطن، حيث تم ترتيب لقاء قصير "بالمصادفة" مع الرئيس الأميركي، استغرق ربع الساعة. كذلك يزور رئيس هيئة التفاوض السورية المعارضة نصر الحريري أربيل ويلتقي بمسعود بارزاني ويطلب منه "المساهمة في إعادة الاستقرار" في شمال سوريا. ووساطة أردنية بين قيادة الإقليم وتركيا من أجل التفاهم على صيغة معينة لملء الفراغ الأميركي شرقي الفرات.

غموض الإدارة الأميركية بشأن المنطقة الآمنة لم يمنع الصحافة الأميركية من تسريب بعض جوانبها. ووفقاً لتلك التسريبات يطلب الأميركيون من حلفائهم الأوروبيين، بريطانيا وفرنسا وألمانيا، إضافة إلى أستراليا، تحمل عبء ملء الفراغ عسكرياً من أجل "حماية الأكراد"، على أن تواصل الولايات المتحدة تقديم الغطاء الجوي اللازم والمساعدة الاستخبارية. كذلك يطلبون من بارزاني إرسال قوات من "بيشمركة روج" السوريين المناوئين لحزب الاتحاد الديموقراطي، لملء الفراغ الأمني الذي سيخلفه إبعاد مقاتلي وحدات حماية الشعب في المناطق المحاذية للحدود مع تركيا، من أجل طمأنة هواجس الأخيرة. ومن المحتمل أن يطلب من دول خليجية تحمل أعباء مالية لهذه المشاريع.

لا توافق أنقرة على هذا السيناريو، على الأقل وفقاً للتصريحات المعلنة. فهي تريد إدارة تركية كاملة للمنطقة الآمنة، ولديها مشاريع بناء في تلك المناطق من أجل إعادة اللاجئين السوريين المقيمين على الأراضي التركية، أو قسم كبير منهم. وهذا ما ترفضه واشنطن التي لا تريد إلقاء حليفها الكردي في فم الذئب التركي.

ربما ثمة فائدة من استعادة "تاريخ" المنطقة الترامبية الآمنة في شمال سوريا. فليست هذه المرة الأولى التي يطرح فيها ترامب هذه الفكرة. فقد طرحها، للمرة الأولى، بعد فترة قصيرة من توليه مهامه رئيساً للولايات المتحدة، أي في كانون الثاني 2017. أما المرة الثانية، فقد جاءت على لسان وزير الخارجية التركي مولود شاويش أوغلو الذي نسب الأمر إلى نظيره الأميركي، في الأيام القليلة التي سبقت عملية "غصن الزيتون"، فقال إن الوزير تليرسون طرح عليه "منطقة آمنة

يخاطب مشروع ترامب بصدد المنطقة الآمنة، منذ طرحه للمرة الأولى في مطلع 2017، الدول الأوروبية التي استقبلت لاجئين سوريين

بعمق ميلين (32 كم) بدلاً من دخول الجيش التركي منطقة عفرين". وقتها أصدرت الخارجية الأميركية تكذيباً لما صرح به شاويش أوغلو، وتم طي الموضوع.

الآن بعدما انتقل موضوع المنطقة الآمنة إلى العلن، يمكن الافتراض أن تصريح وزير الخارجية التركي كان صحيحاً، لكن الأميركيين ربما طلبوا منه التكتم على اقتراحهم، ما دامت أنقرة رفضته.

ويخاطب مشروع ترامب بصدد المنطقة الآمنة، منذ طرحه للمرة الأولى في مطلع 2017، الدول الأوروبية التي استقبلت لاجئين سوريين. فقد تحدث ترامب، في حينه عما اعتبره "خطأ" من أوروبا ينبغي تصحيحه بإعادة اللاجئين إلى المنطقة الآمنة التي وعد بإقامتها. مرت سنتان على ذلك، واقترن المشروع، هذه المرة، بقرار انسحاب القوات الأميركية، فاقتضى الأمر، من وجهة نظر ترامب، أن يقوم الأوروبيون بأنفسهم بإنشاء المنطقة لإعادة اللاجئين السوريين المقيمين في بلدانهم إليها.

أما السوريون أنفسهم، فلا أحد يسألهم عن رأيهم بما يُرتب لهم، ولا هم في حال تسمح لهم بالاحتفال بعيد الحب، سواء في مناطق النظام أو في مناطق شرقي الفرات أو درع الفرات وعفرين أو في دول اللجوء القريبة والبعيدة.