قراءة في قرارات أميركية متتالية حول سوريا

2019.02.27 | 23:02 دمشق

+A
حجم الخط
-A

يصعب الاعتقاد أن قرار واشنطن إبقاء 200 جندي في سوريا، لمدة محددة، قراراً استراتيجياً، أو أنه نهاية المطاف، والمؤكد ستكون هناك قرارات وأمور أخرى، الأهم أن ذلك لم يكن قرارا متفقا عليه بين كل صناع القرار في واشنطن، ولاسيما وسط التضارب الذي بات لا يخفى على أحد بين المؤسسات والإدارات الأميركية بمختلف مستوياتها.

فبعد مكالمة هاتفية جديدة بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، خرجت الناطقة باسم البيت الأبيض سارة ساندرز، في تحول جزئي مفاجئ، تتحدث عن إعلان الولايات المتحدة قرارها إبقاء 200 جندي أميركي في سوريا، وقال بيان للبيت الأبيض إن الزعيمين اتفقا على "مواصلة التنسيق بشأن إقامة منطقة آمنة محتملة، وأن مجموعة صغيرة من الجنود ستبقى لحفظ السلام في سوريا لفترة من الوقت.

وكان ترمب قد أعلن بالفعل أنه سيعيد القوات الأميركية فور هزيمة داعش بالكامل، والواضح أن هناك ثلاثة أطراف فقط تريد بالفعل انسحاباً أميركياً، ترمب وإلى حد ما تركيا، بالإضافة للسوريين الرافضين لأية مشاريع انفصالية استيطانية على أرضهم، فدعم الولايات المتحدة للامتداد السوري لحزب العمال الكردستاني، وغض الطرف عن عمليات تهجير قام بها ضد العرب شمال شرق سوريا، وصفتها منظمة العفو الدولية بجرائم حرب، باتت تثير المخاوف من نوايا واشنطن حيال مستقبل بلدهم ذي الأغلبية العربية المطلقة.

حيث أعلن الرئيس الأميركي قرار الانسحاب، لكن المسؤولين في مستويات أقل وفي إدارات مختلفة من البنتاغون إلى الاستخبارات إلى الكونغرس، ربما يريدون تقييد أو تأخير الانسحاب من خلال تضييق خيارات طريقة تنفيذه، أو على الأقل تأجيله وإطالة الفترة الزمنية، ربما في إطار التعويل على حدث ما يغير مجرى الأحداث بالكامل.

ليست سوريا فقط أو تركيا أو روسيا، الذين يعانون من هذه الحالة، فأوروبا أيضا تعمل على حل هذه المعادلة متعددة المجاهيل، التي باتت تتسم بها القرارات الصادرة من واشنطن في الآونة الأخيرة.

وللمفارقة فإن استمرار الوجود الأميركي داخل الاراضي السورية يسعد إيران، فهو يبرر وجودها في هذا البلد، و لذلك طهران اليوم هي الخاسر الأكبر من التطورات الاخيرة، إذ إن مرحلة ما بعد الحرب على داعش، ستعني تحجيم نفوذها حكما، لاسيما بعد تراجع المواجهات العسكرية في سوريا.

ونفس الشيء مع الامتداد السوري لحزب العمال الكردستاني YPG فإنهم مسرورون بالحماية التي يوفرها استمرار

الحلفاء الأوروبيون رفضوا طلب ملء الفراغ الذي سيتشكل عقب الانسحاب الأميركي

وجود القوات الأميركية، وتطالب تركيا الانسحاب الأميركي بسبب هذه الحماية تحديدا، إذ تؤمن أنقرة، وموسكو باتت كذلك، بأن الولايات المتحدة متحمسة لإنشاء كيان سياسي في شمال شرق سوريا، وهو كيان من شأنه أن يمزق الجمهورية العربية السورية، ويهدد لاحقا وحدة أراضي تركيا.

وهنا تجدر الإشارة، أن الموقف الذي ستتخذه روسيا بخصوص شرق الفرات مهم للغاية، لأنه معني بمستقبل سوريا أولا، وتركيا ثانيا، وقد يكون مرتبطاً بمستقبل البلدين معاً.

وبحسب خبر لواشنطن بوست فإن الحلفاء الأوروبيين رفضوا طلب ملء الفراغ الذي سيتشكل عقب الانسحاب الأميركي، وفي حال انسحاب الولايات المتحدة سيغادرون هم أيضاً سوريا، ومن الواضح أنه ليس قرارا حكيماً بالنسبة للعواصم الأوروبية، في حال انسحاب واشنطن، الدخول في مغامرة تسبب لها صداعاً لمدة طويلة مع أنقرة، في ظل الإصرار التركي حتى الآن على أن تكون المنطقة الآمنة "المقترحة" تحت سيطرة قواتها، بعد أن أكملت استعداداتها من أجل عملية عسكرية ضد الإرهاب المتمركز شرق الفرات.

فموقف تركيا واضح، يجب أن يبتعد الامتداد السوري لحزب العمال الكردستاني (المصنف على قوائم الإرهاب في الناتو، ودول أخرى) عن حدودها، إما عن طريق عملية عسكرية أو منطقة آمنة تحت إشراف أنقرة.

تركيا بوابة أوروبا الأولى وجدارها الأول في مواجهة

قرار الإبقاء على مجموعة صغيرة من الجنود الأميركيين في سوريا، تمهد الطريق ليتعهد حلفاء أوروبيون بالمساهمة بمئات الجنود للمساعدة في إقامة منطقة آمنة محتملة في شمال شرق سوريا ومراقبتها

الإرهاب وتدفق اللاجئين، وأوروبا بحاجة إلى تركيا، حيث هناك كثير من الملفات التي يمكن حلها بالتعاون مع أنقرة.

ومن هذه الزاوية، قد يكون قرار إبقاء عدد محدد 200 جندي هو في إطار تشجيع الأوروبيين أيضا على الدخول إلى هذه الأرض التي سبق ووصفها ترمب بأنه لا يوجد فيها سوى الرمال والدماء، لكنه حتما لن يكون القرار الأخير أميركياً بخصوص سوريا.

قرار الإبقاء على مجموعة صغيرة من الجنود الأميركيين في سوريا، تمهد الطريق ليتعهد حلفاء أوروبيون بالمساهمة بمئات الجنود للمساعدة في إقامة منطقة آمنة محتملة في شمال شرق سوريا ومراقبتها، حيث نقلت وكالة (رويترز)، عن مسؤول كبير في الإدارة الأميركية تعليقه على قرار ترامب الأخير، بقوله: "هذا توجيه واضح لحلفائنا وأعضاء التحالف إلى أننا سنظل موجودين بدرجة ما".

ولابد من الاستمرار بمتابعة ما ستؤول إليه الأمور، بخصوص مطالبة ترمب، بريطانيا وفرنسا وألمانيا وبقية الحلفاء استعادة مقاتلي داعش الذين قبض عليهم في سوريا ومحاكمتهم، حيث قال: البديل ليس جيداً وهو الاضطرار إلى إخلاء سبيلهم.