قانون الطوارئ.. أداة مزمنة للقمع في سوريا

2019.05.04 | 00:05 دمشق

+A
حجم الخط
-A

قانون الطوارئ عالمياً هو سلطة تمنح للحكومات في أوقات غير طبيعية قد تكون لأسباب خاصة بالكوارث الطبيعية كالزلازل مثلاً.. أو أن تكون سياسية.. كخطر محدق يهدد البلاد.. أو هجوم عسكري داخلي أو خارجي يهدد أراضيه.

هذه السلطة تُمنح لفترة محددة وذلك تسهيلاً على الحكومة لاتخاذ تدابير سريعة دون المرور بالكثير من الإجراءات التي تبطئ من عملها.. ولسرعة اتخاذ القرار.

مع العلم أن قانون الطوارئ برغم أنه يطيل يد السلطة في التصرف بحريات الأفراد والمؤسسات ويسمح بوضع اليد على الممتلكات الخاصة بشكل مؤقت وقد يؤدي إلى التعسف في بعض التصرفات.. إلا أنه أيضاً محاط بالمسائلة القانونية والمحاسبة في حال امتد العمل فيه دون وجود ضرورة.. أو تعسف إلى الحد الذي ينال من الأشخاص.. مما يعرض الحكومة للمحاسبة وتعويض الأفراد عن الضرر الذي لحق بهم نتيجة الممارسات غير المقبولة..

كما عليه أن يصدر حتى ضمن السرعة المطلوبة عن طريق خطوات دستورية متفق عليها دولياً.. يتم العمل به حال وجود الحالة التي استدعت اللجوء إليه وينتهي بمجرد انتهاء الأسباب التي أدت إلى استخدامه.

العهد الدولي لحقوق الإنسان حدد الحالات التي يمكن اللجوء فيها إلى قانون الطوارئ مع إعلام الأمين العام للأمم المتحدة عن التجاوزات التي حصلت أثناء استخدامه.

قانون الطوارئ في سوريا..

أول قانون رسمي للطوارئ في سوريا صدر بالمرسوم رقم 51 في \22\ كانون الأول لعام 1962

وللصدفة أن يعلن هذا المرسوم إبان الانقلاب العسكري الذي قام به حزب البعث في يوم 8 آذار 1963.

وكأن هذا القانون ظهر بذات الوقت الذي بدأت به سيطرة النظام وحزبه دون أن نعي ذلك.. ليغدو بعد نصبه كحالة طوارئ من وضع مؤقت إلى حالة عامة موجودة حكماً وقسراً على الجميع.

وللصدفة أن يعلن هذا المرسوم إبان الانقلاب العسكري الذي قام به حزب البعث في يوم 8 آذار 1963

منذ عام 1963 باتت الرقابة على كل ما يشكل خطراً على الوجود البعثي ونظامه. لا حرية للأفراد ولا حرية للصحافة وحتى تقييد المراسلات البريدية وعدم وجود أدنى خصوصية في الرسائل حينها. مراقبة لكل مقالة تكتب. قمع الأقلام التي تفكر. ومراقبة الهواتف الأرضية حينها.

منع الكتب التي لا تتماشى مع سياستهم. ومنع المجلات والصحف الخاصة، آخرها كانت جريدة الدومري.. وحصر الجرائد فقط بجرائد ومجلات رسمية تابعة لهم. حتى الإذاعات والتلفاز تم حصره بهم كجهة ممولة ومرخصة لذلك.

إبان أول حركة للربيع، والتي سميت (ربيع دمشق) تم اعتقال كل من دعم الحركة وكانت حركة غالبيتها من الصحفيين والطلاب وجيل الشباب. وما زال بعضهم حتى اللحظة يقبع في أقبية المعتقلات.

إلى حين بداية الثورة السورية عام 2011 حيث عاد القانون بقوة إلى الواجهة. وتم التعسف في الاعتقالات واتباع الأساليب القمعية والقتل الممنهج بحجة قانون الطوارئ. فتمت المطالبة بإلغائه كقانون مستمر منذ أكثر من ثلاثين عاماً..

وفعلاً امتثل النظام للمطلب وقام بإلغائه. والذي يفترض معه أن تنتهي كل أساليب القمع والاعتقال والقتل. لكن للأسف كان الإلغاء شكلياً لا يتعدى الورق الذي طبع المرسوم عليه. فلم يتغير أي شيء بالنسبة للحالة السورية، وبقيت المحاكم العسكرية قائمة وتنال من العسكريين والمدنيين على حد سواء.

كان الإلغاء شكلياً لا يتعدى الورق الذي طبع المرسوم عليه. فلم يتغير أي شيء بالنسبة للحالة السورية، وبقيت المحاكم العسكرية قائمة وتنال من العسكريين والمدنيين على حد سواء

إعلان القانون مخالف للدستور

إبان الانقلاب العسكري لحزب البعث في 8 من آذار كان يتوجب أن تعلن حالة الطوارئ آنذاك بمرسوم من قبل مجلس الوزراء ويصدق من النواب بثلثي أعضائه. ونشره في جريديتين رسميتين على الأقل.

وحينها لم يكن في سوريا مجلس نواب.. وحتى بعد تشكل مجلس النواب لم تعرض حالة الطوارئ عليه ولا على أي مجلس بعده. وهذا يعتبر خرقاً للقوانين الدولية وحقوق الإنسان، لأن قانون الطوارئ المعمول به في سوريا لم يتم الإعلان عنه بشكل رسمي وقانوني. وإنما مورس بشكل فعلي فقط.

وهي لفتة إلى أن المجلس مجرد واجهة سياسية فقط، لا يحق له حتى عندما يعلم بضرورة أن يعرض موضوع عليه أن يطلب بعرضه. فهو أضعف من يطالب أحد أفراده أو جزء منهم بذلك، فلا أسهل ضمن النظام البعثي من تخوين وإقصاء أي نائب تحت بند وهن الأمة وإضعاف الشعور القومي بها وما زالت تحتفظ الذاكرة بالنائب (موصللي) الذي تشجع يوماً على الهواء مباشرةً في جلسة لمجلس الشعب عام 2000.. وطرح بكل لهجة قانونية أن ترشيح الأسد الابن للرئاسة وتعديل الدستور بهذه الطريقة ليست خطوة صحيحة وتخالف الدستور. فلم تنته الجلسة إلا تم التخلص منه وفصله من المجلس وتوقيعه قصراً على استقالته.

الاعتقالات..

المخول بالاعتقال إبان حالة الطوارئ هو الحاكم العرفي فقط، والذي هو رئيس الوزراء أو نائبه والتوقيف يكون توقيفاً احتياطيا.

بينما في حالة الطوارئ السورية لا نعرف من يقوم بالاعتقال، وأي جهة أمنية وتحت أي بند دستوري أو قانوني تقوم بالاعتقال. كما أن الشخص الموقوف يغيب قسرياً ويمنع من التواصل مع الحياة بشكل عام وليس فقط مع ذويه أو محاميه.

وحتى لدى موت المعتقل يدفن بسرية تامة أو يتم التخلص من جثمانه بطرق ما تزال غامضة. ويبقى مصيره غامضاً بالنسبة لذويه. فعليهم انتظار سنوات طويلة قبل أن يستطيعوا توفيته أو حتى الطلاق بحجة الغياب.

ورداً على من يقول بصدور مرسوم بإيقاف حالة الطوارئ وإلغاء محكمة أمن الدولة لعام 2011

يرد على ذلك بأن العبرة ليس في وجود القانون أو إلغائه وإنما في وجوده فعلياً على الأرض وممارساته غير الإنسانية تجاه الشعب.

وأما عن محكمة أمن الدولة، فقد ظهرت إلى الواجهة بحلة جديدة باسم محكمة الإرهاب. مع وجود دائم للمحاكم العسكرية التي تستطيع التدخل بأي وضع لمعتقل دون أي قوانين رادعة أو حدود لها تحدد اختصاصها

أما عن محكمة أمن الدولة، فقد ظهرت إلى الواجهة بحلة جديدة باسم محكمة الإرهاب. مع وجود دائم للمحاكم العسكرية التي تستطيع التدخل بأي وضع لمعتقل دون أي قوانين رادعة أو حدود لها تحدد اختصاصها.

حتى هذه اللحظة يبقى قانون الطوارئ حالة عامة باتت موجودة على مدار الساعة وهو موجود بحجة نسب كل الممارسات والاعتقالات بحجة وجود خطر يهدد البلاد.

أي أنه الشماعة الأخرى التي يعلق عليها النظام مجازره، بعد شماعة وجود الخطر الإسرائيلي.

الآن وضمن آخر ما نسمعه عن تسليم جزء آخر من سوريتنا (مرفأ طرطوس) إلى المحتل الروسي... ولانعرف كم كان الثمن. هل سينسبون هذا إلى قوانين الطوارئ أيضاً؟