icon
التغطية الحية

فورن بوليسي: لماذا لا تثق تركيا بالولايات المتحدة؟

2019.07.16 | 17:07 دمشق

فورن بوليسي - ترجمة وتحرير ربى خادم الجامع
+A
حجم الخط
-A

مع اقتصاد يعاني من ضغط شديد، تواجه تركيا الآن عقوبات أمريكية فرضت عليها بسبب شرائها لصواريخ دفاع جوي روسية، إلى جانب عقوبات فرضها الاتحاد الأوروبي بسبب مواصلتها للتنقيب عن مصادر الطاقة قبالة سواحل قبرص. إذ بالنسبة لدولة كانت في الماضي ترى بأن الطريق نحو القوة والازدهار يمر عبر حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي؛ تعتبر هذه نقلة نوعية. حيث يظهر قادة هذه الدولة اليوم ليعبروا عن أن المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة وأوروبا هي أفضل سبيل لتحقيق مصالحها.

وليس من المستغرب أن ينطوي سبب هذه النقلة على التقاء التوجهات طويلة الأمد بالتغيرات الأحدث التي جرت في العالم وفي الشرق الأوسط وفي تركيا، فالمشكلات التي تظهر اليوم أخذت تتفاقم منذ عقود، ولكنها لم تكن لتصل إلى مستوى ذلك السقوط المأساوي دون سلسلة التطورات التي اتسمت بسوء الطالع والتي جعلت تلك المشكلات تستفحل.

هذا ويجب أن ينظر إلى طريقة انهيار التحالف الأمريكي-التركي على أنها شيء لابد له وأن يذكّر كلا الجانبين بأن المواجهة لم تكن حتمية. كما أنها قد تمثل نذير شؤم يحذر من السهولة التي تسوء فيها الأمور.

إذ خلال الحرب الباردة؛ استشاطت تركيا غضباً من واشنطن التي عاملتها كشريك ثانوي، غير أنها تحملت ذلك مقابل حمايتها من الاتحاد السوفياتي. وبالنتيجة، انتشرت مشاعر معادية للأمريكان في تركيا وذلك عندما وصل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزب العدالة والتنمية -الذي كان يتمتع بشعار إسلامي مميز أثار حفيظة الغرب- إلى السلطة بنهاية عام 2002.

ومع ذلك حاول حزب العدالة والتنمية في بداية الأمر تعزيز وضع تركيا ضمن عالم مستقر يقوده الغرب بشكل أساسي وذلك عبر استخدام تركيا للقوة الناعمة لقيادة اندماج الشرق الأوسط في هذا العالم. وللتأكد من ذلك، قام الزعيم الروحي للسياسة الخارجية لحزب العدالة والتنمية أحمد داوود أوغلو بالمبالغة في نظرته لما يمكن أن يحققه تأثير تركيا دبلوماسياً وثقافياً واقتصادياً. وبعض الجهود الموقعة باسمه، مثل محاولة الوساطة في السلام بين إسرائيل وسوريا أثبتت فشلها الذريع. كما لم تجد جهوده الأخرى مثل المقترح الذي تقدم به في عام 2010 بشأن الاتفاقية النووية الإيرانية أي نفع يذكر وذلك حسب ما ارتأته واشنطن. غير أن تلك الجهود استقرت على رؤية تسعى نحو منطقة أكثر تماسكاً وأمناً بعيدة عن أي خلاف مع واشنطن.

الربيع العربي

ومع بداية الربيع العربي في أواخر عام 2010، تعاظمت الطموحات التركية، وفجأة وسط كل هذا الاضطراب والفوضى؛ وجد كل من داوود أوغلو وأردوغان فرصة لقيام شيء أقرب لما يمكن أن يوصف بسياسة خارجية إسلامية بصورة أساسية، تسعى لوصول القوى المتحالفة مع جماعة الإخوان المسلمين إلى السلطة من خلال الشرق الأوسط حتى لو كان ذلك يعني التصادم بشكل مباشر مع نظام بشار الأسد في سوريا ومع إيران. ومن هذه الناحية أيضاً ظلت الأهداف الأيديولوجية لتركيا متوافقة بما فيه الكفاية مع التطلعات الليبرالية لواشنطن، والتي يمكن للإسلاميين المعتدلين أن يصلوا من خلالها إلى السلطة عبر الانتخابات. وبالرغم من أن بعض المحللين قد عبروا عن تفاؤلهم بالنموذج التركي بشكل علني، غير أنه يتضح عند استرجاع ما جرى في دول مثل مصر وليبيا وسوريا بأن الحظ قد يكون حليفها لو حذت حذو تركيا.

ولكن عوضاً عن ذلك، أدى فشل الربيع العربي في نهاية المطاف إلى تعميق الفروقات الاستراتيجية بين واشنطن وأنقرة مع التأكيد على أسوأ الشكوك التي أضمرها أردوغان حيال الغرب. وابتداء من هذه النقطة، واجهت حكومة أردوغان معارضة محلية مكثفة، مع انتقاد غربي، ومقاومة إقليمية، وبدت تلك العوامل وكأنها اجتمعت كلها لتخلق ذلك الإحساس العميق بالحصار.

فمثلاً تصادف خروج المتظاهرين للشوارع في صيف عام 2013 والذي أدى إلى انقلاب عسكري ضد الرئيس محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين في مصر مع اندلاع الاحتجاجات من أجل حديقة غيزي بارك ضد استبدادية أردوغان التي أخذت تتعاظم في تركيا. وبالرغم من أن المنابر الإعلامية الغربية التي أبدت في الماضي تعاطفاً مع أردوغان بدأت بالتشكيك في أوراق الاعتماد الديمقراطية لأردوغان، غير أن دعم تلك المنابر بكل حماسة لمحتجي غيزي شكل تغيراً واضحاً في لهجتها تجاهه. ولقد سارع العديد من المعلقين الغربيين لانتقاد الانقلاب في مصر، ولكن من منظور أنقرة فإن التناقض ما بين التشجيع الغربي لمحتجي غيزي ورفض واشنطن لإدانة اللواء عبد الفتاح السيسي الذي اغتصب السلطة من مرسي، يمثل خلاصة النفاق الغربي حول موضوع الديمقراطية.

غولن 

مما زاد الوضع سوءاً؛ تلك القطيعة العامة التي أعقبت احتجاج غيزي على الفور، والتي وقعت بين أردوغان وفتح الله غولن، وهو زعيم ديني دعم وصول الرئيس إلى السلطة، إذ إن حركة غولن ساعدت أردوغان على تلميع صورته أمام واشنطن، وذلك بوصفه حليفاً للرئيس. ولكن عندما انقلبت تلك الحركة ضده في الوقت الذي تغير فيه الرأي الغربي ضده أيضاً؛ سارع الكثير من الأتراك إلى كشف خيوط مؤامرة التي تربط بين الواقعتين.

هذا ولقد عملت تلك الأحداث على مدار السنوات القادمة إلى تعميق تلك الخلافات وزادت من مخاطرها ووطأتها على أردوغان. إذ في الوقت الذي سعت فيه الحكومات التركية السابقة للتخفيف من غلواء مواقفها حتى لا تتعرض لأي مشكلة مع شركائها، بدا أردوغان أكثر ميلاً للمضي في طريق المواجهة بكل عزم أكثر من ذي قبل، حتى لو كان ذلك سيفضي ببلاده إلى العزلة.

وعقب الانقلاب الذي حدث في مصر، بقيت أنقرة تعادي السيسي بضراوة، تماماً كموقفها تجاه السعودية والإمارات العربية المتحدة وإسرائيل. وقد تعمق هذا الاصطفاف ليتحول إلى خط صدع إقليمي، وسرعان ما وجدت تركيا نفسها في صف معادٍ لتلك الدول وذلك عبر جملة من القضايا، أولها ليبيا وآخرها القرن الإفريقي. وعندما فرضت المملكة العربية السعودية والإمارات حصاراً على قطر بدعم من واشنطن في عام 2017، سارع أردوغان لدعم قطر، انطلاقاً من قناعته بأنه سينتهي به الأمر يوماً ما ليصبح في مرمى نيرانهم. والآن، وتحديداً في منطقة شرق المتوسط، ومع التعاون بين اليونان وقبرص ومصر وإسرائيل بدأت أنقرة تستشعر بأن الطوق أخذ يشتد حول خناق تركيا.

كلمات مفتاحية