icon
التغطية الحية

غموض نتائج محادثات بوتين-أردوغان يشي بصفقة جديدة حول سوريا

2019.08.30 | 11:08 دمشق

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان (رويترز)
تلفزيون سوريا، موسكو - طه عبد الواحد
+A
حجم الخط
-A

في إيجازها الصحافي في يوم أمس، أي اليوم التالي لمحادثات الرئيسين الروسي والتركي في موسكو، اكتفت ماريا زاخاروفا، المتحدثة الرسمية باسم الخارجية الروسية، بتكرار الموقف الرسمي بشأن الوضع في إدلب، وقالت إن عمليات قوات النظام والقوات الروسية تأتي رداً على ما وصفته "استفزازات من جانب الإرهابيين"، وكان لافتاً تأكيدها أن العمليات "تأتي حصراً في حدود المنطقة المنزوعة السلاح" في إدلب.

وتوقفت زاخاروفا عند الوضع في مناطق شمال شرق سوريا، وغابت عن تصريحاتها في عرض التطورات هناك انتقادات، طالما كررتها، حالها حال جميع المسؤولين الروس في الآونة الأخيرة، للخطة التركية بإقامة "منطقة آمنة".

بالمقابل حذرت من استعادة تنظيم الدولة نشاطه في المنطقة، ورأت أن الوضع غير مستقر، وزادت أن "ما يجعل الأمور أكثر تعقيداً المواجهات المستمرة بين التشكيلات الكردية، والعرب السنة الذين يعيشون تاريخياً في تلك المنطقة".

هذه التصريحات تساعد إلى حد ما في إزالة بعض "الغموض" المحيط بالنتائج الحقيقية لما اتفق عليه بوتين وأردوغان، خلال زيارة الأخير التي جرى تنظيمها على عجل إلى موسكو. إذ بدت زاخاروفا وكأنها ترسم الحدود الجغرافية التي تشملها اتفاقات بوتين –أرودغان بالنسبة لإدلب، حين شددت على أن العمليات تبقى ضمن حدود المنطقة المنزوعة السلاح. ما يدفع للاعتقاد بأن الأمور تتجه، خلال المرحلة القريبة القادمة على أقل تقدير، نحو السماح بحركة النقل عبر طريقي حلب - اللاذقية (إم -4) وحلب- دمشق (إم -5)، وهو ما نصت عليه مذكرة المنطقة المنزوعة السلاح، مع إبعاد فصائل المعارضة مسافة آمنة عن قاعدة حميميم الجوية الروسية في سوريا.

ولا يستبعد التوصل إلى اتفاق حول فتح الطريقين أمام الحركة مع نشر نقاط مراقبة تركية إضافية هناك. وما يعزز هذا الاعتقاد معلومات يجري تداولها حول زيارة وفد عسكري تركي في 28 آب/ أغسطس، لمناطق في محيط الطريقين، بغية تحديد مواقع لإقامة نقاط مراقبة جديدة هناك، تكون ضمن حدود جديدة للمنطقة المنزوعة السلاح، بموجب تفاهمات روسية - تركية.

وعلى غير ما كان متوقعاً، لم توضح زاخاروفا حقيقة الموقف الروسي من "المنطقة الآمنة" التي تقيمها تركيا بالتعاون مع الولايات المتحدة. في هذا الشأن أول ما يثير الانتباه أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لم يؤكد، لا خلال المؤتمر الصحافي المشترك، ولا في الأيام التالية بعد محادثاته في موسكو، وكذلك لم تصدر (حتى اللحظة) عن المسؤولين الأتراك أي عبارات تؤكد أو تشير إلى موافقة روسية في موضوع "المنطقة الآمنة".

لذلك يبقى الموقف الروسي محاطاً بالغموض حتى الآن. وعبارة بوتين التي سارع كثيرون إلى تفسيرها على أنها تحول جذري في الموقف الروسي من رفض إلى موافقة على المساعي التركية في هذا الاتجاه، قابلة في الواقع لأكثر من تأويل، وأكثر من "إسقاط جغرافي". وما قاله بوتين حرفياً: "ننطلق من أن إقامة منطقة آمنة للجمهورية التركية على حدودها الجنوبية، سيشكل شرطاً جيداً لضمان وحدة الأراضي السورية". تعبيره عن الموقف بهذه الصيغة يبدو وكأنه موافقة أولية "مشروطة" بانتظار تنفيذ الجانب التركي تعهدات قد يكون التزم بها للحصول على موافقة روسية نهائية على المنطقة الآمنة التركية، وإن لم تنفذ تركيا تعهداتها، فإن الصيغة التي عبَّر بها بوتين عن موقفه بهذا الصدد تضمن له إمكانية التراجع عن "الموافقة".

في عبارته تلك لم يحدد بوتين بوضوح الجغرافيا التي يرى أن تركيا تملك الحق الشرعي لإقامة المنطقة الآمنة عليها، وإنما تعمد رسم جغرافيتها بعبارة فضفاضة "على الحدود الجنوبية"، وهي توفر له إمكانية التنصل من "الموافقة" على المنطقة الآمنة، إذا سارت الأمور باتجاه لا يرضيه ويدفعه للعودة إلى إعلان معارضته إقامة تلك المنطقة. في هذه الحال يمكن أن يقول الكرملين، على سبيل المثال لا الحصر، إن بوتين كان يعني بذلك اتفاق أضنة، أو توسيعه أو تعديله، وقد يقول إنه كان يقصد إقامة منطقة لكن "على الحدود الجنوبية" داخل الأراضي التركية، ولم يقصد على الأراضي السورية، وما إلى ذلك، وقد يدعمون حجج "التنصل من الموافقة" بالإشارة إلى أن "بوتين شدد على وحدة الأراضي السورية، وانتشار قوات أجنبية لا يخدم هذا الهدف".

ويرى مراقبون أن الموافقة الروسية الصريحة على "المنطقة الآمنة"، ربما تكون مقابل جملة شروط بينها تنازلات "جغرافية" تركية محدودة في "المنطقة المنزوعة السلاح" في إدلب، والسماح لروسيا المشاركة في إقامة ترتيبات تلك المنطقة بالتعاون مع الأتراك والأميركيين، ما يعني في نهاية المطاف إطلاق أول تعاون روسي - أميركي على الأراضي السورية، بوساطة تركية. وضمن تلك الترتيبات ربما تكون روسيا قد تعهدت بموقف جديد في موضوع العلاقة مع التشكيلات الكردية في سوريا، وعدم استهداف "منطقة خفض التصعيد في إدلب" ضمن حدودها الجديدة، بما يضمن بالنسبة لتركيا تفادي كارثة إنسانية حذَّر منها أردوغان، تهدد بما في ذلك بتدفق ملايين اللاجئين نحو الأراضي التركية ومنها إلى أوروبا.

التحول في الموقف الروسي من التشكيلات الكردية عكسته تصريحات ماريا زاخاروفا يوم أمس (الأربعاء 28 آب) حين قالت إن "استمرار عدم الاستقرار شمال شرق سوريا يدعو للقلق"، وحملت التشكيلات الكردية جزءاً من المسؤولية عن التوتر هناك، حين أشارت إلى مواجهات تخوضها تلك التشكيلات مع "العرب السنة"، وكانت حريصة على التأكيد أنهم (أي العرب السنة) يعيشون تاريخياً في تلك المنطقة"، ما يمكن تفسيره على أنه تفهم روسي للقلق إزاء سيطرة "قسد" على بعض المدن والقرى في المنطقة، وتركيزها على أن "السنة" يعيشون تاريخياً هناك، لا يستبعد أنه "غزل" للموقف التركي.

أما احتمال انضمام روسيا بشكل ما إلى إقامة "المنطقة الآمنة"، وإطلاق تعاون في مناطق أخرى مع الولايات المتحدة، على أرضية التعاون الروسي-التركي، فيبدو أنها كانت ضمن جملة مواضيع بحثها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في محادثات، في اتصال هاتفي، مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب، قالت الرئاسة التركية إنهما اتفقا خلالها على "مواصلة التعاون للحيلولة دون وقوع كارثة إنسانية جديدة في إدلب، وحماية المدنيين الذين يتعرضون لقصف مستمر من جانب النظام السوري".

ولم يوضح الجانبان الخطوات التي سيتخذانها لمنع حدوث كارثة إنسانية وإرغام النظام على وقف عملياته في إدلب، لكن يستبعد أنهما سيلجأان إلى الأدوات العسكرية لتحقيق هذا الغرض، وربما يدور الحديث حول آليات ضمن صفقة وضع بوتين وأردوغان أطرها العامة، وتشمل ترتيبات لوقف الهجمة على إدلب، ورسم حدود ثابتة لوقف إطلاق النار هناك، مع مشاركة روسية في التعاون التركي - الأميركي في "المنطقة الآمنة"، ومن ثم إطلاق صيغة جديدة من المحادثات حول سوريا، بين واشنطن وموسكو وأنقرة، تنضم إليها لاحقا قوى أخرى، ويكون "التصدي للإرهاب" ممثلا بتنظيم "داعش" الذي أشارت زاخاروفا إلى استعادته نشاطه، شعارا عاما للتعاون بين تلك الأطراف على الأراضي السورية.