icon
التغطية الحية

غلاء الإيجارات.. استمرار لمأساة المهجرين وعنف النظام

2019.07.16 | 11:07 دمشق

طفلان يقفان أمام منزل مدمر في مدينة دوما (رويترز)
تلفزيون سوريا - وجيه حداد - دمشق
+A
حجم الخط
-A

ينام بعضهم في الحدائق، أو تتعاون عدة عائلات لاستئجار بيت واحد، أو حتى غرفة واحدة، ويسكن بعضهم في بيوت "على العضم" في أبنية غير مكتملة أو مناطق غير مخدمة، وفي ظروف صحية وإنسانية معدومة، هذا حال الكثير من المهجرين الذين يصعب عليهم إيجاد مسكن لائق بهم، في ظل ارتفاع أسعار الإيجارات التي تفوق مداخيلهم شبه المعدومة.

إذا كانت السياسات العنفية للنظام قد  أدت إلى دمار ثلث منازل سوريا بشكل كلي أو جزئي، وتهجير أكثر من 10 مليون سوري نصفهم داخليا، فإن السياسات الاقتصادية المتعلقة بالعقارات لا تقل وحشية عن مثيلتها الحربية، فلا عودة للمهجرين إلى مناطق التسويات، ولا سماح بترميم البيوت القابلة للإصلاح، عدا عن محاولات الاستيلاء بالقوة والتزوير على عقارات الغائبين أو المفقودين قسريا.

 

إيجارات بأرقام فلكية

واقع الحال أربعة ملايين مهجر داخليا، على الأقل، يرزحون تحت عبء الإيجارات التي ارتفعت قيمتها إلى أرقام فلكية تتجاوز طاقة الكثيرين منهم، وهو عبء يستنزف معظم مداخيلهم بما فيها المساعدات التي تردهم من أقاربهم في الخارج، ويقدر الخبراء ارتفاع قيم الإيجارات بحدود 17 ضعفا عن السابق، علما أن الإيجارات في سوريا لم تكن  أرقامها بسيطة حتى قبل الحرب، وللتدليل أكثر على واقع الحال، فان  وزارة الأوقاف نفسها كانت قد رفعت قيم إيجاراتها في العام الماضي بحدود عشرين ضعفا عما كانت تتقاضاه سابقا.

وفي السياق نفسه كشفت تقارير حديثة للنظام أن 110 آلاف عقد إيجار قد تم إبرامه في دمشق وحدها (دون ريفها) من بداية العام حتى نهاية الشهر الخامس، ويعرف الجميع أن معظم عقود الإيجار تعود لمهجرين يبحثون عن مأوى، عدا عن العقود القديمة المبرمة والمستمرة إلى حينه.

و تصل قيمة إيجار المسكن العادي في دمشق قرابة مليون ليرة سنويا، أما المنازل الجيدة التي تتوسط العاصمة في الأحياء الراقية فيصل المبلغ إلى أضعاف هذا الرقم، و  تتراوح قيم الإيجارات في الضواحي ما بين 75 إلى 100 ألف ليرة سورية، ولا يقل في العشوائيات عن 50 ألف ليرة سورية، ولا يقبل أصحاب البيوت المؤجرة بالدفع شهريا فيشترطون الحصول على مبالغ مسبقة لستة أشهر أو سنة، ما يرفع الأعباء على شريحة  تعادل ربع سكان الداخل حاليا، ولا يختلف الأمر في باقي المحافظات وان كانت قيم إيجاراتها اقل من دمشق بقليل.

 

شراكة النظام وتجار العقارات

يحكم النظام قبضته على قطاع البناء بشكل كامل على الرغم من أن مساهمته تاريخيا هو والقطاع التعاوني لا تتجاوز نسبة 10% من البناء المنفذ في سوريا، ومع هذا لم تكن أسعاره أقل بكثير من القطاع الخاص ، وكان هذا الفارق الضئيل بسبب الجودة المنخفضة لمشاريعه، والتأخير الكبير في تنفيذها.

وفيما يسيطر النظام على 40 بالمئة من مساحة سوريا بوصفها أملاكا عامة، فان كبار متنفذيه وأذرعه المالية تسيطر على مساحات مهولة من العقارات، حيث ذكرت تقارير محلية لهذا العام أن ملكية واحدة لرامي مخلوف جنوب دمشق في منطقة زاكية تبلغ 75 ألف دونم، ويمتلك هو وشركاؤه في أنحاء البلاد مئات القطع المماثلة، ما يؤكد عدم رغبة النظام في السعي إلى تخفيض أسعار العقارات.

ولا تقتصر هيمنة النظام على امتلاك المساحات الواسعة القابلة للبناء، وإنما تتعداها إلى الإمساك بكامل العملية ابتداء من حبس المخططات التنظيمية أو إنشائها وفقا لمصالحه ومصالح الدائرة الضيقة المرتبطة فيه، وصولا إلى امتلاك معامل الاسمنت والحديد الموزعة حصريا لمتنفذيه من آل شالش ومخلوف  والفوز وحمشو وحميشو بالإضافة إلى امتلاكهم للكسارات والمقالع الكبرى في البلاد.

 

السياسة العقارية عقوبة وسلاح ضد المعارضين

كشفت كل القوانين التي أصدرها النظام، ومن أهمها القانون رقم 10 عن دوافعه ورغبته في الاستيلاء على أملاك المعارضين وخصوصا الأموات والمفقودين منهم، لتعذر إثبات الملكية وفق شروطه التعجيزية، وحتى مع تعديلاته اللاحقة بفعل الضغط الدولي فإنه مازال من المستحيل إثبات ملكية العقارات حتى للأحياء منهم في ظل الدمار الكبير وضياع الوثائق والإجراءات الأمنية المطلوبة.

وكانت دوافع النظام المالية والفاشية قد ظهرت مبكرا عبر الحديث عن مسح البلدات والقرى لدوافع تنطيمية أو هندسية، ما يؤكد نظرة النظام إلى الحرب والخراب منذ البداية بمنطق نفعي، وتعززه التصريحات المستمرة للنظام ورئيسه، لضرورة اقتصار عقود إعادة الإعمار على الأصدقاء فقط، ما يجعلها  من منظورهم كنوع من المكافأة  لمناصريه،  بعيدا  عن ضرورة إيواء المهجرين، أو  تعويضهم على خساراتهم.

من جهة ثانية تشكل الحالة العقارية الراهنة وارتفاع أسعار الإيجارات كابحا لعودة الكثير من مهجري الخارج، حتى لو رغبوا بالعودة، لعجزهم عن تأمين السكن في ظل فقدانهم لبيوتهم وعقاراتهم ، ويعزز هذا الواقع رفض النظام لعودة مهجري الداخل إلى بيوتهم القابلة للترميم، وكانت مسرحية عودة المئات إلى القصير بعد ست سنوات من التهجير مضحكة و هزيلة جدا، إذا علمنا أن العائدين أقل من 1% من السكان، عدا عن كونهم من الموظفين والموثوقين أمنيا.

في هذا المناخ يتلطى النظام في محاولة للتهرب من مسؤوليته عن الأرقام العالية للإيجارات بنظرية العرض والطلب، وفيما يبدو المنطق التجاري لهذا المفهوم صحيحا من الناحية الشكلية، إلا أن العرض والطلب يخضعان بالمطلق لدوافعه السياسية خارجيا وداخليا، كما يخضعان للمنطق المافيوي القائم على شراكته مع القلة الناهبة لثروات البلد.

 ما يعني مزيدا من المعاناة اليومية ليس لربع الشعب السوري المهجر داخليا فقط، وإنما لكامل الشعب السوري الذي  بات يحتاج إلى راتب خمسين سنة عمل كاملة لتأمين بيت متواضع وفق أسعار البيوت التي يطرحها النظام والتي لا تقل عن 18 مليون لبيت مساحته 100 م2.