غزة - إدلب.. حلال المقاومة وحرامها

2018.11.13 | 23:11 دمشق

+A
حجم الخط
-A

أعادت أحداث غزة الأخيرة، والمستمرة حتى اللحظة، مصطلح "المقاومة" إلى الواجهة، ليس من الباب الصغير الذي شقّه "محور المقاومة" غصباً في أذهان البسطاء والتابعين والمُستعبدين، بل من الباب الكبير الذي تخرج منه غير مذموم ولا مدحور مهما كانت نتائج الحرب، فشرف الوقفة وسموّ الموقف هو النتيجة المكفولة والمعوّل عليها، كما أن تغيير المعادلات على الأرض أو تغيير الحسابات على الأقل، مضمون لا ريب فيه.

ويرى من يتابع حسابات المثقفين والسياسيين والشخصيات العامة على وسائل التواصل الاجتماعي؛ هبّة جارفة اعتدناها منهم في مثل هذه الأحوال، تبارك المقاومة وتحض على الصمود وتستجدي النجدة، وإن من باب أداء الواجب.. مُذكرين بأن فلسطين هي قضية العرب، وإنما يخوض الفلسطينيون معركتها نيابة عن الأمة.

الجدير بالوقوف عنده، والتأمل والتفكر والتحليل، هو الازدواجية المعندة عند بعض هؤلاء، فالمقاومة حلال لأهل غزة، حرام على أهل إدلب، لا لشيء منطقي

الجدير بالوقوف عنده، والتأمل والتفكر والتحليل، هو الازدواجية المعندة عند بعض هؤلاء، فالمقاومة حلال لأهل غزة، حرام على أهل إدلب، لا لشيء منطقي، فقط لأن القاتل في إدلب قاتل وطني، والقاتل في غزة غريب قادم من وراء الحدود!.

لا يستطيع سوري مقاوم ثائر لحريته وحقه في حياة كريمة أن يفهم هؤلاء أو يسامحهم، فهم لم يقفوا ضد حياته وحسب، بل باركوا القاتل، واتهموا القتيل بالخيانة والإرهاب، على الرغم من أن لغة الإنسانية والأخلاق والمنطق الحر تساوي بين القتيلين ومساعيهما، ولغة الأرقام تشي بوضوح أن إدلب وشقيقاتها الثائرات دفعوا الثمن مضاعفاً من لحم الأطفال ودماء الشيوخ والنساء.

وفيما يبارك هؤلاء أنفسهم استمرار نهج المقاومة في غزة ويباهون بتأصله، يدعون إلى القضاء كلياً على المقاومة في إدلب، فهي هنا "إرهاب" يجب استئصاله لصالح بقاء وتمدد نظام حكم وراثي شمولي لم يبنِ حجراً ولا بشراً ولا ساهم في نماء أو تطوير، بل حرص على تفخيخ العقول وإرساء كل ما من شأنه أن يفرّق المجتمع عمودياً وأفقياً، بحيث لا يجتمع الناس ولا يُجمِعون إلا على ضرورة بقاء النظام لأن فيه بقاءهم!.

معظم هؤلاء (البعض)، يرون في إدلب مشروع "إمارة إسلامية"، وبهذا يسوغون استحلالهم لحوم ودماء الأبرياء، ويتناسون أن من يقاوم في غزة هم "إسلاميون" صرحاء، وأنه لا مقاومة من دون "حماس" وربما "الجهاد الإسلامي" بشكل أقل، وهؤلاء على صلة مباشرة بإيران، يتلقون دعمهم الأكبر من النظام الذي امتطى أول "ثورة إسلامية" في المنطقة، ويستميت في تصديرها إلى الشرق الأوسط وبلاد العرب، عبر احتلال ناعم ما فتئ أن تحول مباشراً ودموياً، متخذاً من الدين ذريعة وسبباً كافياً لإفناء المنطقة برمتها، إلا من دخل بيت الطاعة راكعاً مستكينا.

أما الغصة الكُبرَى في هذه المقاربة والمقارنة، فهي وقوف "حركة المقاومة الإسلامية -حماس" التي تقاوم في غزة، وكذلك "الجهاد الإسلامي"، إلى جانب من يفني "المقاومة" وحاضنتها في إدلب

أما الغصة الكُبرى في هذه المقاربة والمقارنة، فهي وقوف "حركة المقاومة الإسلامية -حماس" التي تقاوم في غزة، وكذلك "الجهاد الإسلامي"، إلى جانب من يفني "المقاومة" وحاضنتها في إدلب، وإن كان على استحياء وليس على المستوى الصارخ الذي يرجوه النظام السوري وإيران، لكن وقفة من يشبهك؛ ضدك، أشد على النفس من وقع الحسام، تخلط المفاهيم بحيث يصعب استجلاء الحقائق أو ترتيب التحالفات الوجدانية والأخلاقية.  

ومع ذلك، لن يجد دعاة إبادة المقاومة في إدلب وشقيقاتها، ما يرجون من توهان بوصلة وغياب ضمير، فالسوريون الذين يدافعون عن حقهم في الحياة، كانوا قبل ذلك وأثناءه يدافعون عن فلسطين وحقها في الحرية والحياة، ويكفيهم فضلاً أنهم لم يتاجروا أو يشتروا بها ثمناً قليلا..