عن اللقاء الثلاثي المرتقب ( أمريكا – إسرائيل – روسيا)

2019.06.07 | 00:06 دمشق

+A
حجم الخط
-A

حملت بداية شهر حزيران الجاري موجة من الأخبار الساخنة، أو التي تم تسخينها في أفران وسائل الإعلام، تكاد توازي سخونتها حرارة حزيران الكاوية، تفصح مخبوءات هذه الموجة عن لقاء مُرتقب سيجري في القدس المحتلة، بين ممثلي الأمن القومي لكل من الولايات المتحدة الأمريكية( جون بولتون)، وروسيا(نيكولاي باتروشيف) وإسرائيل(مئير بن شبات)، وسيتمحور هذا اللقاء حول موقف هذه الأطراف الثلاثة من الوجود الإيراني على الأرض السورية، لا بل ثمة حديث فيه كثير من الإثارة ينبئ عن قيام صفقة سياسية تفضي إلى موافقة أو إسهام حقيقي روسي لإخراج إيران من سوريا، مقابل إسهام فعلي أمريكي لإخراج نظام الأسد من عزلته، وإعادة تعويمه، أو إعادة الشرعية إلى كيانه المتآكل.

قد لا يبدو اللقاء المذكور خارجاً عن سياقه الطبيعي، طالما أنه يأتي ضمن التداعيات المتلاحقة للضغوط الأمريكية على إيران، بل لعله من المتوقع أن يجري التنسيق بين الأطراف الثلاثة حول مسألة الوجود الإيراني في سوريا، طالما أن الجانب الروسي هو صاحب القوة المسيطرة على الأجواء السورية، والكاشفة لكل ما يتحرك جواً، وهي كذلك الجهة المنسقة مع إسرائيل حيال كل الغارات التي يشنها الكيان الصهيوني على المواقع والأهداف الإيرانية داخل سوريا، وكذلك يبدو التفاهم الروسي الأمريكي أكثر من ضروري، باعتبار واشنطن هي الضامن الحقيقي لأمن إسرائيل، أمّا ما قيل، أو يقال حول صفقة بين واشنطن وموسكو لإخراج إيران وبقاء الأسد، فذلك ما يثير العديد من التساؤلات.

لعل السؤال الأهم: هل بمقدور روسيا إخراج إيران من سوريا بالفعل؟ وهل مجرّد التعاون الروسي مع الأمريكان وإسرائيل كافٍ لتجريف النفوذ الإيراني من سوريا؟

لعل السؤال الأهم: هل بمقدور روسيا إخراج إيران من سوريا بالفعل؟ وهل مجرّد التعاون الروسي مع الأمريكان وإسرائيل كافٍ لتجريف النفوذ الإيراني من سوريا

لعله من الصحيح أن ثمة مصلحة مشتركة لبوتين وروحاني تتمثل في الدفاع عن نظام الأسد والحيلولة دون سقوطه، ومن الصحيح كذلك حاجة الروس الشديدة إلى الميليشيات الإيرانية التي كانت تقاتل على الأرض، في الوقت الذي كانت فيه الطائرات الروسية تؤمّن التغطية الجوية لهذه الميليشيات، ولكن ما هو مؤكّد أيضاً، أنه لا يمكن اعتبار الميليشيات الإيرانية مجرّد أداة تنفيذية تعمل لصالح الإرادة الروسية، وعليها أن تعود إلى حيث أتت بمجرد انتهاء مهامها التنفيذية، بل لعل ما هو أقرب إلى الصواب، أن إيران لا تعدّ نفسها شريكاً لروسيا في سوريا فحسب، بل تعتبر نفسها صاحبة الأولوية من حيث النفوذ على الأرض السورية، قبل الروس والأمريكان أو أية جهة كانت، ولئن كان بوتين ينظر إلى مصالحه في سوريا من منظار الغلال الاقتصادية التي سيحصدها جراء حربه في سوريا، وأيضاً من منظار النفوذ المستقبلي في منطقة الشرق الأوسط، فإن إيران لا ترى في سوريا سوى أنها المجال الحيوي لعبور مشروعها القومي، فضلاً عن العلاقة العضوية بين دمشق وطهران، والتي بلغت حدّاً من التشابك والتداخل، أدّى إلى اختراق إيراني لكل بنى ومفاصل الدولة السورية، بما في ذلك المؤسسة العسكرية، التي باتت منقسمة الولاءات، بين طهران وموسكو.

أمّا عن الرغبة الأمريكية في إبعاد إيران عن سوريا، أو تفكيك العلاقة بينهما، وعزل نظام الأسد عن نفوذ طهران وميليشياتها الطائفية، فهي يمكن أن تكون في سياقها المنطقي، لو أن العلاقة الناظمة بين دمشق وطهران تجري ضمن الأطر الرسمية والمتعارف عليها بين الدول، ولكن في ظل العلاقة الحالية التي بلغت مرحلة ( العضْوَنة)، فإن السعي إلى تفكيك هذا الاندماج في العلاقات يشبه إلى حدّ بعيد، السعيَ إلى عزل ( الدبس عن الطحين) كما يقول المثل الشعبي.

لم يكن من أولويات واشنطن في جميع المراحل السابقة حماية السوريين من سواطير القتل الروسية الإيرانية، ولعل هذه اللامبالاة هي ما جعلت الدم السوري مباحاً طيلة ثماني سنوات

لم يكن من أولويات واشنطن في جميع المراحل السابقة حماية السوريين من سواطير القتل الروسية الإيرانية، ولعل هذه اللامبالاة هي ما جعلت الدم السوري مباحاً طيلة ثماني سنوات مضت، والآن حين تستيقظ الرغبة الأمريكية الإسرائيلية لمحاربة إيران في سوريا، فإنها مرة أخرى، تلجأ إلى ثنائية ضدّية، أو طريقة تحمل نقيضها في داخلها،( الإبقاء على نظام الأسد وإبعاد إيران). تتكرر هذه الثنائية المتناقضة في تعاطي واشنطن مع القضية السورية، حين تؤكد أمريكا على لسان مبعوثها الخاص ( جيمس جيفري) أنها لا تسعى للإطاحة بنظام الأسد، بل تطالب بتغيير سلوكه، وهي تريد من وراء ذلك طمأنة بوتين، بأنها لن تغيّر من موقفها الثابت منذ انطلاقة الثورة السورية، والذي يقضي بنأيها عن مسألة تغيير النظام، بل ربما لا يتجاوز سقف مطالبها تجاه الروس  الدفعَ باتجاه الاستمرار في العمل لتشكيل اللجنة الدستورية، ولا يمكن أن يكون أكثر من ذلك، لسبب بسيط، وهو أن جيفري لن يكون سورياً أكثر من السوريين أنفسهم، ذلك أن جميع الأجسام السياسية الرسمية للمعارضة السورية ( هيئة التفاوض والائتلاف وجماعات أستانا)، لا تتجاوز مطالبهم وتطلعاتهم أكثر من تشكيل اللجنة الدستورية، والتي ستعقبها – كما هو مفترض – انتخابات، تحت سلطة بشار الأسد، يتوهّمون أنها ستُفضي إلى عملية انتقال سياسي للسلطة في سوريا، فمن غير المنطقي والمعقول، أن يطالب جيفري الحكومة الروسية بأكثر من ذلك.

ما هو راجح أن يتمخض اللقاء الثلاثي المرتقب – إن حصل بالفعل – عن مزيد من التنسيق بين روسيا وإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية حول الوجود الإيراني في سوريا، ولكن ستسعى موسكو – في الوقت ذاته – إلى الدفع باتجاه أن تكون إيران شريكاً في هذا التنسيق، وليس ( مادة لصفقة) كما يشاع، ذلك أن بوتين سيبقى يستثمر جميع ما بحوزته من أوراق، ولن يعطي واشنطن ما تريد، قبل أن يحصل على ما يريد، وأعني الموافقة الأمريكية على حل سياسي يتماهى مع الرؤية الروسية التي لا تبتعد عن الحلول الأمنية التي يريد نظام الأسد فرضها على الجميع. ولعله من الراجح أيضاً أن يتم التأكيد على ضرورة المُضِي في تشكيل اللجنة الدستورية، علماً بأن الجميع يعلم أن هذه اللجنة، وإن تشكّلت ، فلن تكون مفتاحاً سحرياً لحل سياسي في سوريا، إن لم نقل أنها ستكون سبباً مُشرْعناً لإطالة أمد الحرب على السوريين.