عن الإمتاع والمؤانسة في فيلم طلال ديركي "عن الآباء والأبناء"

2019.03.08 | 23:03 دمشق

+A
حجم الخط
-A

إذا كان من إنجازاتِ الانتفاضةِ السوريةِ في ثورةِ الألفين وأحدَ عشرَ ظهورُ كمٍّ غيرِ قليلٍ من الأفلامِ والفيديوهاتِ السوريةِ المتنوعةِ، والتي حاولت الإحاطةِ بمختلفِ جوانبِ الحياهِ في ظلِّ هذا الحراكِ، عبرَ سنواتِ الاشتباكِ الأمني والسياسي والعسكري بين إجرامِ النظامِ تُجاهَ الشعبِ السوري المنتفضِ من جهةٍ وازديادِ نفوذِ الفصائلِ المتشددةِ على مستوى أرضِ الوطنِ (سوريا) من جهةٍ أخرى.

نجد أنَّه من الطبيعي أن يكونَ هناك تنوعٌ في المواضيع المطروحةِ وطرقِ تناولِها، هذا التنوعُ الذي انعكسَ أيضاً في الجودةِ بين هذه النتاجاتِ نفسِها، حيث تتراوحُ ما بين أفلامٍ عاليةِ الجودةِ فنياً شكلاً ومضموناً. إلى أفلامٍ متوسطةٍ، وانتهاءً بأفلامٍ رَثَّةٍ.

سبق صحفي

من العدلِ أنْ لا نقللَ من أهميةِ القرارِ الجريءِ الذي اتخذه المخرجُ الصديقُ طلال ديركي بالدخولِ إلى هذه البيئةِ "الجهاديةِ" و" فضحِها". إنَّه أشبهُ " بالسّبقِ الصحفي" ونادراً ما اقتحم أحدٌ ما تلك البيئة، وخرج منها سالماً. ومن ثَمَّ تابعَ هذا الجهدَ رغمَ خطورتِهِ، وانتهى به الأمرُ إلى إنتاجِ فيلمٍ رُشِّحَ للأوسكار. إذاً هناك جهدٌ واضحٌ مبذولٌ لإنتاجِ هذا الفيلم .

في الوقتِ نفسِه من حقِّ طلال ومن حقِّ الجميعِ أيضاً إنجازُ أيِّ مشروعٍ فنيٍّ أو سينمائيٍّ عن أيِّ موضوعٍ يناسبُهم. لكنْ أيضاً من حقِّ المشاهدين التعبيرَ عن آرائِهم حول هذه المنتجاتِ والأعمالِ.

بعيداً عن التجريحِ الشخصي، وبعيداً عن التوترِ والانفعال. تكمنُ أهميةُ فيلمِ طلال أيضاً أنَّه فتحَ بابَ النقاشِ الجادِّ والحرِّ حولَ الأعمالِ السينمائيةِ السوريةِ، وعلاقتِها بالوضعِ السوري، ومدى قربِها أو بعدِها عن تصويرِ وتوثيقِ هذه الكارثةِ الإنسانيةِ .

في البدايةِ من الجيدِ الاتفاقُ على بدهيةٍ معروفةٍ في عالمِ السينما والفن عموماً. إنَّ اختيارَ موضوعٍ جيدٍ ليس بالضرورةِ أنْ ينتجَ عنه فيلمٌ جيدٌ. مع الانتباهِ إلى أنَّه هناك سمةٌ إضافيةٌ لها علاقةٌ بمفهومِ السينما كصناعةٍ، أيْ " كمنتجٍ " له علاقةٌ ما بمنطقِ السوقِ (العرض والطلب) أيْ أنَّ بعضَ الأفلامِ تكونُ (شغّالةً) بمعنى أنَّها تعرضُ وتلاقي استحساناً من شريحةٍ واسعةٍ من الجمهورِ، وأحياناً حتى من بعضِ النقادِ دونَ أنْ يكونَ لها أيُّ قيمةٍ فنيةٍ جماليةٍ أو حتى إنسانيةٍ .

"الكابوس السوري"

(أبو أسامة) الشخصيةُ الرئيسيةُ في فيلمِ (عن الآباء والأبناء) أبٌ سوريٌّ بامتيازٍ تجدُ كثيراً من أمثالِه في كافة أرجاء الوطن سوريا، لكن خصوصيته هنا أنه أيضاً أب لمجموعة أطفال يعيشون وينمون في مناخ بيئة خاصة اسمها بيئة "جبهة النصرة"  المتشددة دينياً والمسيطرة على جزء من الأراضي المحررة في محافظة إدلب. (حسب الفيلم اسمها إقليم إدلب) .

منذ اللحظات الأولى للفيلم يفصح المخرج عبر التعليق عن سبب مغادرته سوريا "إنه الكابوس.." و"إنها الحرب التي فرقت بين الأخ وأخيه وهرباً من الظلم "

هذه الجملة تبدو صادقة فعلاً بالنسبة إلى طلال وإلى كثيرين، ممن غادروا سوريا وطلبوا اللجوء في أوروبا، طلباً لحياةٍ آمنة كريمة. ولكن هذه الجملة هي ليست جملة لفيسبوك، أو للجنة التحقيق في ملف قبول اللاجئين في ألمانيا، وإنما هي افتتاحية لفيلم سيأتي بعد ثوانٍ، لا نشاهد فيه سوى أجواء وحياةٍ يومية وتصريحات لجهاديين يريدون بناء الخلافة مع بعض المناوشات مع "جيش النظام" الذي نراه ممثلاً ببعض الأسرى من الجنود. بالإضافة إلى مزاولة أبو أسامة لعمله كمزيل للألغام الأرضية في هذه البقعة الجغرافية من سوريا.

أي أنه بطريقة ما هو اختزال للصراع في سوريا على أنها حرب بين النظام والجهاديين. الفيلم يقول لنا ذلك وهذا ليس تجنِّي على الفيلم أو على المخرج الذي يشرح في أماكن متعددة " أنه فيلم عن بيئة محددة " وليس عن سوريا. يبدو الأمرُ أشبهَ ما يكون وكأنَّنا نطالب الطبيبَ عندما يناقشُ موضوعَ الحَمْلِ أن لا يتحدث عن الجنين لأنَّ موضوعنا هو تحديداً الحمل.

منذ بداية الفيلم وبعد العناق "الدافئ" ما بين أبو أسامة المضيف وما بين شخصية الضيف المخرج الذي وصل للتوِّ بوصفه "أخ ورفيق درب جهادي" في تلك اللحظة بالضبط يكون أبو أسامة قد بلع الطعم.

ونحن كجمهور منذ تلك اللحظة عرفنا شيئا مهما لا يعرفه أبو أسامة وبالتالي سنتابع الفيلم على هذا الأساس. من الآن فصاعداً ستكون كل جملة يقولها أبو أسامة "المُغَّفل" أو كل تصرف منه سيكون تحت سيطرة حضور مسطرة نقدنا وانتباهنا الحاد. وحسب بوح المخرج ذاته في بداية الفيلم هو يقوم " بمهمة " عالية السرية والخطورة. المخرج هنا لديه "أجندات" غامضة إلى حد ما، لكنه سيتغلغل في أجواء هذه العائلة السورية فيما بعد وسيتعرف على أدق تفاصيل حياتهم، وسيتفرد بالأطفال، ويجري معهم مقابلات وحدهم، وحتى في أماكن نومهم ولعبهم ووحدتهم، وبالتالي سيستمع إلى أفراحهم وأتراحهم. هو لا يشاركهم حياتهم إلا بمقدار ما تسمح كاميرا هذا الغريب (المخرج) بتسجيل كل ما هو ضروري لفيلمه القادم. العائلة أبوابها ونوافذها مشرعة لهذا الشاب الوسيم، والذي هو ضيف عزيز على قلوب هذه العائله، والمكان الوحيد الذي لم تصله الكاميرا لحسن الحظ هو غرفة النوم الخاصة بأبي أسامة.

حيادية السينما

في اللغة السينمائية لا توجد أيُّ مفردةٍ عبثية، سواء كانت صوتاً أو صورةً. ولهذا عموماً نستطيع بعد أن نشاهد الصورة أن نقرأها جيداً في وعينا أو في اللاوعي. نتلقاها ونفهمها عن طريق تجربتنا وخبرتنا الشعورية، وكذلك نتذوق الصوت. نتابع الحوارات عندما تكون مسموعةً أو غيرَ مسموعةٍ. في أحيانٍ كثيرةٍ يكون الصمتُ ربما أقوى وأشد تأثيراً من الكلمات.

في فيلم (عن الآباء والأبناء) نلاحظ بوضوح اللقطات الطويلة الصامتة والخالية من أيِّ حوارٍ أو تعليق، بل إنَّ الفيلمَ يكاد يكون مبنياً في لغة سردِه البصرية على هذه اللوحات البصرية التي تعطي متعةً أحياناً رغم هولِ المضمون، وهذه جماليةٌ من جماليات السينما وقوةُ تأثيرها وإيهامها. ولكن في الوقت نفسه، من الضرورة أن نميِّزَ بين نمطين في استخدام الكاميرا التوثيقية، الأولُ هو نمطُ " المعايشة " مع شخصياتِ وأحداثِ الفيلم، وهذا يفترض على الأقل نوايا طيبة تُجاهَ موضوع الفيلم، ونمطٌ آخرُ هو أقرب إلى نمط "التجسس "

في اللقطة الأولى من بداية مشوار الفيلم تظهر لقطةٌ سريعةٌ لوجه أبو أسامة وهو يضحك ضحكةً عنيفةً، لا نعرف سببها، لكنَّه يذكرنا بشخصيات الجِنِّ الخارجةِ من قمم علاء الدين في الأفلام الهوليودية، أو المارد في حكايا ألف ليلة وليلة.. رأسٌ كبير حليقٌ ولحيةٌ كثيفة وضحكة مجلجلة، وكأنَّ هذه الشخصية تكاد تقول: " شبيك لبيك " أنا الجهادي أبو أسامة بين يديك.. أو تكاد تكون صورته شخصيةً هاربةً من أفلام الرعب لهيتشكوك. لتأتيَ بعدها مباشرةً لقطةٌ لرجلٍ يرمي طفلاً وليداً في الهواء ليلتقطه رجلٌ آخرُ ذو لحيةٍ. لقطةٌ تحبس أنفاسنا نحن كمشاهدين خوفاً على وقوع الطفل. لكن في الفيلم على عكس ذلك نجد أن كلَّ من في الغرفة مبتهجٌ، والجميع يضحك. ونحن مستمتعون كمشاهدين

الاستشراق السوري

لو أنَّ أحداً ما صوَّر هذه اللقطة فيديو -لأبٍ ملتحٍ يعيش في أوروبا، أو في الغرب يلعب مع طفله بهذه الطريقة – ثم أخذ هذه الصورة إلى مكتب رعاية وحمايةِ الطفولة، لكانت النتيجةُ أخذ الطفل من العائلة بتهمة الإهمال، والعنف، والتعذيب تُجاهَ الطفولة

هكذا يتعامل الغرب مع مفردات أفلامنا. لديه مرجعياته وخزانته الشعورية واللاشعورية الجاهزة لتحليلنا، لقراءتنا ولفهمنا. تتالى المشاهدُ " الاستشراقية ". هل لاحظتم التوحشَ والافتراسَ الذي يُمارس أثناء تناول العائلة لوجبة طعام "رأس خاروف" لقد كانت الكاميرا تقترب من الطعام بطريقةٍ نهمةٍ لتصورَ بشاعةَ وتوحشَ جريمةِ تناولِ الطعام، وكأنَّه بعد لحظاتٍ ستقفز هذه الشخصياتُ من الشاشة لتفترسنا وتلتهمنا نحن المشاهدين. لقد كانت تبدو وكأنَّها وجبةُ طعامٍ "لأَكَلَةِ لحومِ البشر" هكذا تقول الكاميرا، ليس أنا أو أنتم. مع أن أبو أسامة كان يكرم ضيفه (المخرج)، ويحاول أنْ يوجِّبَه ويُدلِّلَـه بتقديم الأفضل من وجبة الطعام للضيف

في عيد الأضحى مشهدُ "الإجرام" في ذبح الخاروف..معاقبةُ الأب لابنه بحلاقة شعره، أو حتى أحياناً بركلِهِ. ومشاهدُ عديدةٌ في الفيلم هي في الحقيقة ممارساتٌ يوميةٌ منتشرة في كثيرٍ من الأماكن، لكنَّ طريقةَ تقديمِها في الفيلم كانت مدروسةً تماماً؛ لتقدمَ وجهةَ نظرٍ محددةٍ عنا .

علاقةُ أبو أسامة مع أبنائه بشكلٍ عام، هي علاقة تشبه الغالبية العظمى من الآباء مع الأبناء في الشرق، فمثلاً مَن مِنَّا من لم يعاقبه أبوه في الصغر لأمرٍ ارتكبه، ومن منا  لم يحضر أضحياتِ ذبح الخرفان في عيد الأضحى، حتى سمح لنا بإطلاق النار من مسدس الآباء والأعمام كعلامةِ بدايةِ الرجولة، أو من منا لم يتشاجر مع أخيه، و يعاقب الاثنين معاً... إذاً لا يوجد أيُّ شيءٍ استثنائي هنا عند أبو أسامة، إلا كونه متشدداً في الدين، والتزامه الجانب الشرعي في نمط حياته. كثيرٌ منا عايش هذه البيئة سابقاً، ولكن لم نصبح جهاديين ولا سلفيين ولا حتى " إرهابيين " .

هذا لا يعني أبداً أنَّنا نُدين المخرجَ أو ندعوه لطمس الواقع أو التغاضي عن تصوير " الحقيقة ". ولكنَّنا نقرأ مفرداتِ فيلمِه بطريقةٍ تحليليةٍ نحاول فيها أن نفهم ما يريد دون أنْ نُفسدَ " متعة " الاستئناس لهذه النظرة الاستشراقية في صناعة الفيلم.

ويجب الاعتراف أن طرح هذا الموضوع بهذه الطريقة " الاستشراقية / الإثنيةِ " في أيِّ عملٍ فني أو أدبي، ولا سيما في السينما، هو موضوعٌ جذَّاب، و" بيَّاع " ويجلب " الشهرة ".

كرامة الأطفال

لكن في الوقت نفسِه من أبجديات العمل التوثيقي، حمايةُ مصادرِك أو شخصياتِ فيلمك. أنت ملزمٌ من الناحية الأخلاقية والمهنية بحمايتهم من الآثار المترتبة على كلامهم وتصريحاتهم وتصرفاتهم. وخاصةً الأطفال .

مشهدُ عودةِ أبو أسامة من المشفى إلى البيت، بعد أن انفجر فيه لغمٌ أفقدَه ساقه. قد يعتبر البعضُ أنَّ هذا المشهدَ من أهم المشاهد المؤثرةِ في الفيلم، لكن في الحقيقة هذا المشهد كان اقتحاماً لأكثرِ اللحظاتِ خصوصيةً وحميميةً في تاريخ العائلة.. تصوير وعرض نكبةِ العائلة بعودة الأب "العاجز". عويل الأطفال والنساء في هذه الفجيعة والتي كانت الكاميرا تصورها وتعرضها، ليس كلقطاتٍ سريعةٍ وإنما ككادرٍ ثابتٍ يصور ويصور، ويتطاول الوقت والعويل يزداد، ولا يصيب الكاميرا أيُّ خجلٍ لتغضَ الطرف. إنَّه امتهانٌ لكرامة هذه العائلةِ بنفس درجة الامتهان الذي يمارسه الجهادي، وهو يلقي خطبته كـ " الموجه السياسي " للأطفال، ويروي لهم نضالات الجهادية في أفغانستان أو في 11 أيلول .

Freak show

الحدودُ كثيراً ما تكون ضعيفةً أو حتى تكاد تكون واهيةً، ما بين أن تظهر أحزان ومعاناة الناس، مع الأخذ بعين الاعتبار احترام كرامتهم الإنسانيةِ، وبين أن تظهرهم كعروض الفريك شو (وهي عروض لشرائح غريبة من الناس التي أشبه ما تكون محبوسةً في قفص أو في السيرك، وهي تجلب المتعة لغرابة تصرفها ونمطها وحديثها)

لقد كان أبو أسامة مع عائلته وأطفاله يبدون وكأنَّهم كائناتٌ "خرافية" من كوكب آخر، محبوسين في قفص من أقفاص السيرك، ونحن بدورنا نستمتع ونستغرب حياتهم وتصرفاتهم، بغض النظر عن دوافعهم الأيديولوجية والدينية. أي ظهروا  أشبه ما يكونون بسكان أمريكا الأصليين، الهنود الحمر. في الأفلام الهوليودية. أظن أن الشعب السوري الذي انتفض وهُجِّرَ لم يكن على نمط أبو أسامة ولا على نمط طريقة تفكيره. فلماذا إذن هذا التزييف.

لقد استمتعنا بصرياً في مشاهدة البيئة الجغرافية والمكانية لهذه البقعة من العالم، لأنه بالرغم من "رثاثتها" هي جذابةٌ. بلادٌ مشمسةٌ وآفاقٌ ممتدةٌ لتضاريس متنوعة ووجوه مشرقة تلونها الشمس والنور.

هوليوود والعودة إلى سوريا

إنَّ هذه "الكائنات الخرافية" التي ظهرت في الفيلم رغم أنَّها موجودةٌ في الحقيقة على الأراضي السورية، لا يستغرب أن تكونَ مادةً ملهمةً قريباً للسينما الهوليودية. وحقيقةُ الأمر لا يستغرب أن يلهم الفيلم الوثائقي "عن الآباء والأبناء" في إنتاج "سيناريو" فيلمٍ روائي.

عن الجهادية، لكن عوضاً عن أن يكون بطله على نمط رامبو في أفغانستان، هذه المرة سيكون رامبو في الرقة أو إدلب. وسينتحل هذه المرة البطل شخصية (مخرج الفيلم) .

السردية السورية

بعد ثماني سنواتٍ تقريباً من انتفاضة الشعب السوري، وانتقال الصراع إلى مستوى آخر، وإلى منصاتٍ جديدة. نجد أنَّ صراعنا الأخلاقي والإنساني مع هذا النظام التعسفي لم ينتهِ بعد. صراعُ السردياتِ والمروياتِ عن وقائعِ سنواتِ الثورةِ من ألفين وأحدَ عشرَ لم ينتهِ، لا بل إنَّه بدأ بجدية الآن ومستقبلاً .

لقد انتبه النظامُ أكثرَ من الجميع إلى هذه النقطة، وبدأ بتشكيل هيئةٍ لإعادة كتابة وتوثيق الذي حدث من وجهةِ نظرِه (وبغض النظر أنه سيكتب روايةً مزورةً ومزيفةً عن الحدث) إلا أنَّه بدأ بالاستعانة بأسماء لها خبرتها في هذا المجال، ومنها الدكتور "سامي مبيض" أحد المسؤولين عن هذا المشروع.

من هنا أجد أهميةَ مسؤولية إنجاز روايتنا ببعدها الأخلاقي والإنساني والمادي، لأننا بطريقةٍ ما نحن الذين قُتِلنا وهُجِّرنا، ونحن الذين سُرِقت منازلُنا وقُصِفت، ومات إخوتنا وأصدقاؤنا وآباؤنا وأطفالنا. والقاتل ليس شبحاً غيرَ معروف، إنما هو نظام الأسد وامتداداته سواء كانت قوى مساندة له بشكلٍ مباشرٍ أو قوى تعمل معه أو لصالحه في الخفاء، من تنظيماتٍ متنوعةٍ متشددةٍ دينياً أو منفتحة. أظن الإشارة إلى المسؤول الأساسي عن هذا الدمار هو أمر لا يمكن التغاضي عنه، ولا يدخل في نطاق وجهات النظر والآراء. الإشارة إلى المجرم الأساسي لا تعني بالضرورة أن تكونَ من خلال عباراتٍ سياسيةٍ جافةٍ ومملةٍ. هناك كثيرٌ من الطرق للإشارة إلى ذلك، ولاسيما في الفن ...لا يمكن التهرب عبر تبريراتٍ ووجهاتِ نظرٍ تدَّعي  "موضوعيتها "وحياديتها". لا حياديةَ مع الدم، ولا حياديةَ في محاكمة ومحاسبة المجرميين المسؤوليين عن دمار سوريا. لا يمكن التنصل من تحميل المسؤولية للنظام ورئيسه وأجهزته وجيشه من الدمار الذي لحق بالوطن .

في الوقت نفسِه هذا لا يعني أبداً التغاضي عن إشكالات بقية الأطراف المناهضة للنظام والتي جلبت الكوارث أحياناً على نضالات وتضحيات الشعب السوري سواء من أشخاص أو قوى سلفية متشددة أو غيرِ متشددة.