عندما يكون الرئيس قرمة مكنسة

2018.08.25 | 00:08 دمشق

+A
حجم الخط
-A

كنت في طفولتي ألجأ إلى الصوم الاختياري عندما تقدّم أمي وجبةً لا أحبّها.

وأكثر ما كان يحثّني على فعل ذلك هو المثل الذي يحلو لها أن تُسمعني إيّاه : "الجوعان بياكل قرم المكانس"... مثل يؤجّج غضبي فأرفض تناول الطعام حتى لو كنت أستسيغه بعد يوم مضنٍ .

لم أكن، ولم أزل، أرفض أن أقبل ما يمكنني رفضه، ولو عانيت، وأفضّل الحرمان مع الاعتزاز، على الارتواء المعجون بالمهانة. بعد نصف قرن من الزمن أعيد تأكيد ما نشأت عليه: لم أردد شعارات ما أرادوه لنا، لأننّا كنّا مجبرين عليه. ولم أحضر تحيّة للعلم حين كنت مدرّساً، لأنهم ربطوا العلم بشخص أكره سيرته. كنت أقف، وأكاد أبكي، عندما يُعزف النشيد الوطني في السينما ويرفرف العلم. أما ما يرتبط به .. بما كان يعدّ نفسه رئيساً (ما : لغير العاقل)، فأفخر بأنني لم أذكر اسمه بمديح أو حتى بذكر عابر (يسمّون القوّاد قائداً)، ويعرف من يعرفني بأنني تجنّبت ذكره بالرغم من تجولي بين مختلف المنابر، من الصحافة المكتوبة إلى اللقاءات التلفزيونية والإذاعية، وتجاوزت النفاق في أحلك الظروف حتى حين كنت مسؤولاً عن بعض المنابر.

لم يتمكنوا من إجباري على انتخابه سوى مرة واحدة حين كنت في خدمة العَلَم

وكان لي شرف تنظيم كثير من التظاهرات الثقافية، منها ندوات دولية وملتقيات عربية للقصة والشعر، ولم أسمح لمرور مديح مجانيّ لمن لم أعبأ به وكنت أرفضه باستمرار فأضع كلمة (لا) في كل استفتاء عليه، ولم يتمكنوا من إجباري على انتخابه سوى مرة واحدة حين كنت في خدمة العَلَم، الذي لم تتح لنا فرصة خدمته وإنّما حاولوا تعويدنا على تلقّي الذلّ والمهانة بصدر رحب، لكنّهم لم يفلحوا. وقد مرّرت على الرقباء ما كانوا يكرهونه فنشرت كتاباً في اتحاد الكتّاب العرب عن الاستبداد وبدائله في فكر الكواكبي، وأتبعته بعناوين مرّت على المستبد وأعوانه، مثل: امنحوني فرصة للكلام، المثقِّف وديمقراطية العبيد، وغيرهما.

ولم يكن يتصوّر المحقق في المخابرات الجوية (أثناء اعتقالي) أنني أعمل محرراً في صحيفة تشرين الرسمية مع أنني لست حزبيّاً، بل معارضاً وفي صحيفة رسمية!. لذلك اندهش لهذا الفَلَتان الأمني الذريع. ولم يدرك، بعد، أنني لا أحترمه ولا أحترم الرئيس الذي يفرض نفسه عليّ بالقوّة؛ لأنه، حينذاك،  يكون مجرد  قرمة مكنسة وأنا لا أحب قِرَم المكانس.

لقد حدّدتْ مسودة المشروع الروسي للدستور السوري قواعد لانتخاب رئيس الجمهورية السورية، تسمح للسيء الرئيس الحالي، بتولّي هذا المنصب، مرّتين مدة الواحدة سبع سنوات، وهذا يعني إمكانية بقائه حتى العام 2035م.

فمن هو العاقل الذي يمكن أن يقبل بإعادة تدوير "قرمة مكنسة"؟

لا حاجة لنا بالخبز والغاز والكهرباء والإنترنت مع الذل والهوان

يقولون: كان ليتر المازوت ب24 ليرة، قنينة الغاز ب 200 ليرة، الكهرباء متوافرة نصف نهار، موبايل إنترنت أدوية صيدليات أطباء كلها متوافرة... هذا في زمن الاستبداد، وهناك ظلم وفساد. أما في زمن الربيع العربي: صار ليتر المازوت ب 200 ليرة، والغاز ب 5000، والكهرباء ساعتين باليوم، ولا موبايل ولا إنترنت ولا مشافي ولا أدوية و لا خبز... والشهداء بالآلاف والمهجرين بالملايين... ويسألون ما رأيكم بالحرية وبالربيع العربي؟

نُجيب: لا حاجة لنا بالخبز والغاز والكهرباء والإنترنت مع الذل والهوان. وأهلاً بالحرية وبالربيع العربي مع الظلام والجوع، فنحن نجوع ولا نأكل قرم مكانس ...

لا نريد رئيساً ولا نريد نظاماً ولا نريد أمناً مجرد قرم مكانس. لا أحد ولا شيء قادر على إعادتنا إلى زمن الاستبداد، فإذا جاءت الشهادة أهلاً بها:

من لم يمت بالسيف مات بغيره    تعدّدت الأسبابُ والموت واحد

وإذا غُيِّبنا في مجاهل الأقبية فإننا نصرخ:

يا ظلام السجن خيّم     إننا نهوى الظلاما

ليس بعد  السجن إلاّ    مجد فجر يتسامى
 ..........