عملية تركية شرق الفرات …لماذا وكيف؟

2018.12.14 | 23:12 دمشق

+A
حجم الخط
-A

أعلن الرئيس رجب طيب أردوغان الأربعاء الماضي عن تنفيذ عملية عسكرية في منطقة شرق الفرات خلال أيام لتطهيرها من العناصر الإرهابية في إشارة إلى قوات الحماية الشعبية الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني الذي تعتبره تركيا - وحتى وأمريكا – إرهابياً. أردوغان قال إن بلاده ليست بوارد الصدام مع الولايات المتحدة وجنودها، وأن من الضرورة بمكان التوصل إلى أرضية مشتركة، وإذا لم يحصل فإن الخلافات تجاه القضية السورية لا يجب أن تكون عائقاً أمام تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين الحليفين.

الخطوة بدت لافتة، وإن كانت غير مفاجئة، خاصة أن الرئيس التركي تحدث عن اتخاذ الخطوات اللازمة والتحضيرات الضرورية للعملية خلال الفترة الماضية، التي جرى التحذير خلالها مرات ومرات من مغبة تجاهل رفض أنقرة لإقامة كيان إرهابي شرق الفرات، كما انتشار الإرهابيين على حدودها الجنوبية.

الإعلان التركي الرسمي وعلى أرفع المستويات جاء حازماً حاسماً وقاطعاً لجهة المضي قدماً في تنفيذ العملية، وعدم الحذر أو التحسب من إعلان موعدها لضمان عنصر المفاجأة، خاصة مع نشر مزيد من القوات والتعزيزات العسكرية العلنية على الحدود، وإعلان عدة فصائل وتشكيلات ثورية سورية عن جهوزيتها التامة للمشاركة فيها تحت إطار الجيش الوطني الذي تم تأسيسه منذ شهور، ويضم عشرات آلاف المقاتلين.

الإعلان التركي الرسمي وعلى أرفع المستويات جاء حازماً حاسماً وقاطعاً لجهة المضي قدماً في تنفيذ العملية، وعدم الحذر أو التحسب من إعلان موعدها لضمان عنصر المفاجأة

بالتأكيد ثمة أسباب وخلفيات عديدة للعملية التركية التي تنطلق من موقف مبدئي يرفض وجود الإرهابيين على الحدود، ما يشكل خطراً على سلامة واستقرار البلاد، كما أمن المواطنين في القرى والبلدات الحدودية المتاخمة.

العملية المرتقبة تمثل رد عملي على خطة واشنطن لإقامة مواقع مراقبة على الحدود التركية السورية بحجة طمأنة أنقرة، وهي أي الخطة حملت في طياتها كمّ كبير من التشاطر التذاكي التحايل على حقيقة وجود الإرهابيين على الحدود، كما أنها هدفت بشكل أساسي إلى منع العملية التركية، ومراكمة العراقيل والصعوبات أمام أي تحرّك تركي في المنطقة.

العملية تهدف كذلك للقضاء على فكرة تأسيس الجيش الحدودي المكون من ثلاثين أو أربعين ألف مقاتل التي أعلنت عنه واشنطن أيضاً - استنساخ لفكرة جيش لحد الذي أقامته إسرائيل في جنوب لبنان - بشكل رسمي وإجهاض الفكرة في مهدها كونها تمثل خطر كبير وجدّي على المصالح التركية داخل خارج البلاد. كما أن الجيش سيكون بمثابة نواة لتقسيم سوريا، أو فرض تقسيم غير معلن وفي الحد الأدنى إبقاء سيفه مشرعاً، كما لمّح المبعوث الأمريكي جيمس جفري منذ أيام، ورغم التذاكي والادعاء أنه سيضم عناصر وحتى أغلبية من العشائر العربية، إلا أن أنقرة تفهم ما هو واضح للعيان أصلاً كون قيادته الفعلية ستكون لـ بي كا كا والقرار الأول والأخير لواشنطن، ما يحوّل الجيش فكرة وتنفيذاً إلى عامل ضغط وابتزاز أمريكي على الدولة التركية وسياستها في المنطقة.

العملية التركية تسعى أيضاً إلى قطع الطريق على المساعي الأمريكية لاستجلاب خبراء ومدربين عرب من السعودية والإمارات لتدريب قوات بس كا كا - والجيش الحدودي – وإثارة الخلاف مع تركيا، وتحول واشنطن بالتالي إلى حكم ووسيط بينها وبين الدولتين العربيتين. وفي السياق طبعاً خلق واقع جديد يمنع ويراكم الصعوبات أمام أي تحرك تركي أو حضور في منطقة شرق الفرات.

في التحضيرات أو فيما يخص اختيار الوقت الملائم للعملية فلا شك أن تركيا تسعى لاستغلال الأجواء الإقليمية والدولية المؤاتية لصالحها بعد تداعات جريمة قتل جمال خاشقجي في القنصلية السعوية بإسطنبول، والأجواء التي أثارتها في الساحة السياسية الأمريكية والدولية بشكل عام، والتأييد الكبير للمواقف السياسات التركية الحازمة والمصممة تجاه الجريمة والإصرار على كشف ملابساتها بمعنى أن الإدارة الأمريكية الضعيفة والمضغوطة لن تكون في وضع يسمح لها بالصدام أو معارضة العملية التركية بشكل جدي.

لا شك أن تركيا تسعى لاستغلال الأجواء الإقليمية والدولية المؤاتية لصالحها بعد تداعات جريمة قتل جمال خاشقجي في القنصلية السعوية بإسطنبول

إلى ذلك فإن العقوبات الأمريكية ضد إيران وحاجة طهران إلى تركيا لمواجهتها ستمنعها من الرفض أو العمل على عرقلة العملية التركية حتى لو غلب الطبع على التطبّع في تغطية الحشد الشعبي الإعلامي لها، كما هو الحال مع السياسة التركية بشكل عام.

أمر مماثل يمكن قوله عن الموقف الروسي المؤيد، أو في الحدّ الأدنى عدم الممانع للعملية التركية المحتملة، خاصة مع رفع موسكو الصوت خلال الفترة الأخيرة وانتقاد السياسة الأمريكية، ورفع السقف السياسي تجاه الوجود - الاحتلال الأمريكي شرق الفرات، واتهام واشنطن باستخدام بي كا كا كورقة من أجل تقسيم سوريا.

في السياق التنفيذي أو العملياتي فإن المناطق التي تشملها العملية هي في معظمها عربية احتلتها قوات بي كاكا بدعم أجنبي أو بتواطؤ مع النظام، وتواصل فرض السيطرة عليها بالقوة الجبرية والتغطية الأمريكية السياسية الإعلامية المادية والعسكرية.

حسب ما ينشر هنا في وسائل الإعلام التركية، فإن انطلاقة العملية ستكون من مدينة تل أبيض، وهي مدينة عربية، أو ذات غالبية عربية تفصل الحدود بينها وبين توأمها المدينة التركية أقجا قلعة، والهدف إضافة إلى البيئة الحاضنة المناسبة والمؤيدة للعملية، يتمثل بقطع الطريق وبضربة واحدة على فكرة إقامة كيان انفصالي لـ بي كا كا شرق الفرات، ودفعهم بعيداً عن الحدود باتجاه الرقة التي تبعد 100 كم تقريباً عنها، علماً أن عمق العملية يتراوح بين 20 و50 كم دون تجاهل ولو على المدى الطويل للتواجد غير الشرعي للـ بي كا كا في الرقة نفسها والمنطقة بشكل عام.

يجب الانتباه طبعاً إلى أن قضية الإقليم الانفصالي الممتد حتى البحر المتوسط تم إجهاضها أصلاً والقضاء عليها نهائياً عبر عمليتي درع الفرات غصن الزيتون، والآن سيتم فعل الشيء نفسه، ولكن شرق الفرات ما يبقى الإرهابيين بعيداً عن الحدود، وفي مناطق متفرقة يستحيل معها إعلان كيان انفصالي أو حتى جعل خيار الانقسام عملياً وضاغطاً.

العملية تعبّر أيضاً كما قال الرئيس أردوغان عن رغبة تركيا في تجاوز ملف منبج، وعدم التوقف عنده مع المماطلة الأمريكية، والتلكؤ في تنفيذ الاتفاق أو خارطة الطريق الخاصة بالمدينة.

 فى هذا السياق ربما يمكن فهم الإعلان عن العملية، وكأنه استدراج لعروض أمريكية للعودة لخارطة طريق منبج التي تشمل أيضاً استنتساخ للنموذج في مناطق شرق الفرات، ولكن بشكل ثنائي مشترك.

في كل الأحوال تعبّر العملية والإعلان عنها حتى قبل أيام من تنفيذها عن الثقة والحضور التركي الراسخ في القضية السورية. وفى هذا الصدد بدت لافتة إشارة أردوغان إلى أن العملية تأتي بعد النجاح في إدلب وقبول روسيا أوروبا والمجتمع الدولي للمقاربة التركية تجاه المحافظة، وهي نفس المقاربة التي يتم اعتمادها الآن تجاه شرق الفرات بمعنى محاربة الإرهاب، وتسهيل عودة اللاجئين إلى مدنهم وقراهم بشكل آمن وزيادة فرص الحلّ السياسي، وليس العكس عبر قتل خيار التقسيم أو فرض أمر واقع يمنع الانتقال إلى الحلّ السياسي القائم على وحدة سوريا وسلامة أراضيها.

وفى هذا الصدد بدت لافتة إشارة أردوغان إلى أن العملية تأتي بعد النجاح في إدلب وقبول روسيا أوروبا والمجتمع الدولي للمقاربة التركية تجاه المحافظة

الحرب هي استمرار للسياسة، ولكن بوسائل أخرى، هذا الكلام صحيح، ولا يمكن تحقيق أهدافك بوسائل سياسية دون وضع الخيار العسكري على الطاولة بشكل جدي، والتأكيد على أن التهديد ليس كلامي أو إعلامي فقط. وفي كل الأحوال فإن العملية التركية سيتم تنفيذها مع اكتمال الاستعدادات التنفيذية واللوجستية لها، مع الانتباه إلى أن القيادة التركية ليست عبثية أو عدمية، وإذا ما رأت أن ثمة توجه أمريكي جدّي لتنفيذ خريطة طربق منبج بشكل نزيه وأمين. من ثم الانتقال إلى شرق الفرات، فإنها لن تمانع تحقيق نفس الأهداف دون قتال بما يتضمن إبعاد الإرهابيين عن الحدود، تولى الثوار السوريين ومن يمثلهم مدنياً المسؤولية الادارية والأمنية وإعادة اللاجئين والمهجّرين إلى مدنهم وقراهم شرق الفرات، في بيئة آمنة سالمة ومستقرة بعيداً عن نموذج النظام الاستبدادي الأحادي الذي استنسخه بي كاكا في تلك المناطق بدعم أجنبي.