على هامش افتتاح المركز الدولي لمواجهة الإرهاب والتطرف

2019.05.30 | 00:05 دمشق

+A
حجم الخط
-A

افتتح منذ أيَّام في العاصمة دمشق "مركز الشام الإسلامي لمواجهة الإرهاب والتطرف" الذي يضمُّ عدداً من الأقسام بينها "المعهد الوطني لتأهيل الأئمة والخطباء في محافظات القطر كافة"، و"المعهد الدولي للعلوم الشرعية والعربية للراغبين في الحصول على العلوم الشرعية من علماء بلاد الشام الوسطية"، إضافة إلى "قسم رصد الأفكار المتطرفة والفتاوى التكفيرية عبر شبكة الإنترنت وكيفية تحليلها ومعالجتها"، وهناك "قسم مكافحة الفكر المتطرف، ومركز البحث العلمي. كما يتضمن المركز مكتبة وعدداً من قاعات المحاضرات لتدريب رواد المركز، وتأهيلهم وفق منهج علماء الشام الوسطي المعتدل، وألقى بشار الأسد كلمة أمام عدد من علماء دمشق الذين حضروا الافتتاح. وعلى هامش المركز والافتتاح كانت التداعيات التالية:

1- يبدو لي أنَّ حافظ الأسد كانت لديه عقدةٌ سوريةٌ اسمها الدين، ناهيكم بشيء اسمه المذهب، وقد استطاع تجاوزه بإعلان إسلامه، ومباركة المملكة العربية السعودية له إضافة إلى عدد لا يستهان به من تجار دمشق الذين رأوا فيه كما المملكة مخلِّصاً لها ولهم من كتلة صلاح جديد البعثية اليسارية المتهمة بالشيوعية، بل لعلها على يسار الشيوعية، وعلى ذلك فقد أدَّى فريضة الحج، ونشرت صورته بلباس الإحرام على نطاق واسع، ونال من أموال المملكة السعودية ما لم ينلها أحد غير ترامب في زمننا هذا.. ولا يهم إن نَغَّصَ عليه الإخوان المسلمون حياته، فيما بعد، إذ عرف كيف، ينتقم منهم، بل من أهالي جميع المدن السورية التي حصلت فيها حوادث نسبت إلى الطليعة الإخوانية المقاتلة..! ثمَّ أكثَرَ الأسد، بعد ذلك، من بناء المساجد والمدارس الشرعية، ومدارس تعليم القرآن التي خرَّجت الألوف المؤلفة من الأساتذة وأئمة المساجد التي راحت تفعل فعلها في المجتمع بفهم متباين، وفقه متناقض، إلى جانب بعض رجال الدين الآخرين، والكل تحت إشراف الأجهزة الأمنية..

2- العقدة ذاتها ورثها الولد فيما ورث عن أبيه، ومن شابه أباه فما ظلم.. فإذا كان الأب بعد أن دمَّر ما دمَّر في حماة وحلب ودير الزور، وقتل من قتل في سجن تدمر وغيره تحت ذريعة عصابة الإخوان المسلمين العميلة، قد أغدق على الإسلاميين الآخرين المنصاعين للأجهزة الأمنية، كما أشير، كل ما يطلبون تجدد "الإرهاب" بعد عشر سنوات من وفاته، بحسب الولد، وبيقظة أهل الكهف من مراقدهم هذه المرة، في صحراء تدمر، ومدافن حماة الجماعية، تحت اسم "إخوان الشياطين" كما نعتهم في خطابه الذي شرح لعلمائه فيه ما الدين وما ماهيته وما جوهره؟ وميز بين دين أهل الشام ودين البلدان الأخرى عربية وغير عربية، في محاولة منه لتغطية العقدة ذاتها بالأسلوب نفسه..! ولم ينس أيضاً أن يبرهن على أن هناك علمانية ملحدة، وأخرى مؤمنة دون أن يذكر أعلاماً للاثنتين والحقيقة لا يوجد غير علمانية، واحدة تتسع للآراء كلها وللمعتقدات كافة، ويحكم شعوبها ومجتمعاتها دستور واحد مقدس ومحمي بقوانين لا يتجاوزها أحد، فلا علمانية في بلد يحكمه حزب ورئيس واحد وشعارات كشعار "إلى الأبد..!" 

3- التاريخ بحسب ماركس "يعيد نفسه مرتين، مرة كمأساة والأخرى كملهاة" وها هو ذا بشار الأسد يعيدهما معاً فعلى أنقاض المأساة السورية التي ما تزال تتجلى له وللعالم أجمع حقائق مريرة تنبثق في كل يوم، بل في كل ساعة ودقيقة.. فيراها أحياناً في الفقد وهدر الدم، وأحياناً أخرى في الخراب الشامل، وثالثة في وجوه الجنود والمليشيات ومجازرهم المختلفة.. ودائماً في سوء الأوضاع المعيشية التي لم تعد تطاق، وتترافق مع شكوى الناس ورفع أصواتهم، وإطالة ألسنتهم على نحو لم يعهد بها قبل العام 2011 ذلك تحت ضغط انعدام افتقاد الكثير من ضرورات الحياة، وتوترهم الدائم بسبب الحال كلها.. ولعله رآها في وجوه رجال الدين الواجمة، وفي التصفيق الخجول الذي جاء من عدد محدود جداً بعد أن أنهى خطابه "التاريخي!" ومع ذلك يصرُّ على رؤية المشهد المغاير لما يراه الآخرون فهو اليوم، وبعد ثماني سنوات من الحرب، يستطيع التمييز بين الدين المعتدل والدين المتطرف الإرهابي..!

4- يبدو من كل ما يحدث في الواقع السوري أن مقولة "مكافحة الإرهاب" لم تستطع أنْ تبرر ما عمَّ سورية من خراب ودمار ومن قتل وتشريد على نحو لم تشهده سورية طوال عدة قرون مضت، إذ يفضحها هذا التدخل الأجنبي اليوم وتناطح رؤوسه وهي تتهافت على الفريسة، فـ"لكل حسب قدرته.." وليت ذلك فحسب بل إن إسرائيل ما كانت بهذه الوقاحة، وما كان النظام بهذه المهانة والتذلل المفضوحين! والنظام لا يريد الاعتراف العلني بما جنت يداه، فالاعتراف يعيده إلى المربع الأول، أيْ إلى خشيته من فقدانه السلطة أو جزءاً منها وهو الذي فعل الفعائل كلها ليبقى ممسكاً بتلابيبها.. وإذا كانت السلطة قبل ثماني سنوات تتطلب الإصلاح فقط.. وتحقيق التشاركية الفعلية مع الشعب حلاً للمشكلات التي كانت تحول دون تطور الدولة ونمو المجتمع، وللالتفاف على المؤامرة دون الانخراط فيها، ذلك إن وجدت المؤامرة فعلاً.. فوضعها الآن أكثر تعقيداً مما قد يتصور المرء.. إذ هي تتطلب المغادرة الكاملة المصحوبة بـ"جلاجل" على حد زعم إخوتنا المصريين..! 

من المسؤول عن الأوضاع السيئة على مدى حكمه، وحكم والده اللذين امتدا حتى العام 2011 أربعين سنة كاملة..! 

5- ويشرح "سيادته" الدين لعلمائه مشبهاً إياه بالشجرة التي تنبت في تربة صالحة، والتربة هنا المجتمع، الذي لا بد أن يكون متوازناً حتى تفيء الشجرة بظلِّها وثمرها على المجتمع كلِّه.. أما إن كان غير ذلك فستنبت البذرة إرهاباً ودماراً.. فالدين بحاجة إلى عقل منفتح، ما يعني أن مجتمعنا قبل العام 2011 لم يكن كذلك فلا تربة مناسبة ولا بشراً بعقول منفتحة ولذلك كان "الإرهاب" (احتجاج ملايين الشباب الذين ملؤوا شوارع المدن السورية وأريافها كافة مطالبين بالحرية والديمقراطية، وحين قابلهم جيشه "الباسل" بالرصاص طالبوه بالرحيل) فكان شعاره الأسد أو نحرق البلد وقد أحرقها فعلاً.. ما يستدعي سؤالاً بل أسئلة متوالية: من المسؤول عن الأوضاع السيئة على مدى حكمه، وحكم والده اللذين امتدا حتى العام 2011 أربعين سنة كاملة..! 

 6- إذا كانت أسباب الإرهاب ملقاة على عاتق هذه الدولة أو تلك فكيف لنا أن نفسر ظاهرة الشيخ محمود قول أغاسي الملقب بـ"أبو القعقاع" خطيب مسجد العلاء الحضرمي في حي الصاخور من مدينة حلب ودوره في تعبئة الشباب وزرع بذور التطرف في نفوسهم، ومن ثَمَّ إرسالهم إلى العراق، وقبل أن يفعل ذلك كان قد تنقَّل بين أفغانستان والعراق والمملكة العربية السعودية.. والتقى في دمشق بـ"إبراهيم عواد إبراهيم البدري" المعروف اليوم بـ"أبو بكر البغدادي.." وبكبار ضباط الأمن السوريين، ويقال بأن صغارهم كانوا يهابونه..! ثم ما دواعي اغتياله يوم 28 سبتمبر/أيلول 2007..؟!

7- يقول الرئيس السوري في خطابه أمام علماء المسلمين: إن المفهوم الحق للدين هو القدس والجولان وقضايانا الكبرى.. وهذا أمر، لاشك، صحيح، ولا خلاف حوله أبداً، ويمكن إضافة إلى الإسلام الحق الوطنية الحقة النابعة من المواطنة الحقة كذلك..! ولكن من أين يكون البدء؟! أمن هذا الخراب الكلِّي الذي ما أراده أحد، وما سعى إليه أحد مثلما أرادته وسعت إليه إسرائيل.. إسرائيل التي استردت جثمان الجندي "زخاريا بوميل" المقتول في معركة مرج السلطان في لبنان عام 1982 بالتنسيق مع "الأصدقاء" الروس والجيش العربي السوري، وأعلن رئيس وزرائها قبل ذلك بأن اتفاقية فصل القوات هي اتفاقية أبدية ما يعني احتفاظهم بالجولان، وليس غريباً، بعد ذلك، أن يعلن الرئيس الأمريكي موافقته على إعلان إسرائيل ضم الجولان إليها عام 1981..

8- يقول الرئيس السوري أمام السادة العلماء إننا اليوم أفضل مما كنا عليه قبل العام 2011 ولا ردَّ على ذلك كي لا يقع المرء في التكرار ولكن لابأس أن نستشهد بما كتبه أحد المواطنين السوريين من الذين يعيشون في الداخل (النظام) مخاطباً السيدة بثينة شعبان المستشارة في القصر الجمهوري بصيغة الجمع فيقول:

"في الحقيقة معكم حق. لقد انهزمنا كشعب وكوطن، وانتصرتم أنتم.."

"خسرنا الحرب والأرض في الـ 67 وانهزم الوطن بكامله، ودخل في مرحلة من الفقر والعذاب. ومع ذلك قلتم بأنكم انتصرتم لأن النظام آنذاك بقي في السلطة. والآن تعيدون التاريخ، بل وبشكل أكثر كارثية.. إذ دُمرت سورية وبيعت دماء الناس بالمزاد، بل وسحقت إلى الأبد. ومات بشرها وحجرها وشجرها. ومع ذلك لا تخجلون من التصريحات بأنكم انتصرتم؟ في الحقيقة معكم حق. لقد انهزمنا كشعب وكوطن، وانتصرتم أنتم. لا أحد منكم يقبض راتباً مقداره (30000 أو 40000) ولم يقتل أحد من أبنائكم، ولم تهدم بيوتكم. بإمكانكم أن تعتزوا بكرامتكم لأنكم لم تُذلوا بسبب جرة غاز، أو لتر بنزين، أو تكسروا أنفسكم لتستدينوا بضع ليرات لتأكلوا. بل جمعتم كل ما تستطيعون من أموال. وكما تعلمون من يكون لديه جبال من الأموال، لا يحتاج إلى وطن، بل كل ما يحتاجه ممارسة نفوذه بالسلطة، أو بالمال. فبإمكانكم أن تحققوا هذا النفوذ في أي مكان من العالم. في النهاية بإمكانكم أن تفاوضوا على الوطن مقابل سلامتكم وأموالكم". 

9- ربما كان الشعب السوري، ورغم كل ما يعانيه في حياته المعيشية، وأوضاعه العامة البائسة بحاجة إلى إعادة البناء على أسس قد تقرِّبه من الحضارة والرفعة التي توصله إلى مستوى الشعوب المتقدمة بواسطة العلوم العصرية التي تنقصه.. العلوم التي ثبت للسوريين أنهم قادرون على الإبداع فيها وقد أبدع الكثيرون منهم في بلدان منافيهم وتشردهم.. ربما كان يطمح إلى مركز للبحث العلمي أو أكثر، أو ربما هو بحاجة لإيواء ملايين الأطفال السوريين في مدارسهم التي لم تكن لتكفيهم قبل أن تدمرها البراميل المتفجرة والقذائف الروسية الكافرة..! ولكن يبدو أن الأهمية لدى الاستبداد اليوم، وكما رأى أحد المفكرين، تكمن في حاجة المستبد للاستمرار في استبداده، إلى رجل دين وجلاد..!

10- وأخيرا ً يبقى القول الفصل كامناً في عمق الإيمان بقدرة الشعب السوري بأطيافه كافة على الإمساك بمستقبله الذي خرج من أجله محطماً أغلال لسانه، ومطلقاً توق روحه إلى نسائم الحرية.. هذا الإيمان يقترب كثيراً من التحقق على الأرض في حين أن الاستبداد وحُماته المحتلين كافة صائرون إلى ذكرياتٍ وحكايا كالتي تركها الغزاة المختلفون وزالوا..!