على حافة الهاوية..

2019.05.01 | 00:04 دمشق

+A
حجم الخط
-A

من الصعب جداً أن نتخيل بقاء حكم المستبدين والمجرمين، وما شهدته المنطقة العربية من ثورات الربيع التي أطاحت بالعديد من الحكّام العرب، خير شاهد ودليل. ولأنّ دوام الحال من المحال، فكلّ الدلائل والمؤشرات تشير إلى أنّ أيام بشار الأسد في الحكم باتت معدودة.

وفي الأثناء فرضت الولايات المتحدة الأميركية حصاراً محكماً على روسيا وإيران، وجاء ذلك بحسب دور كلّ منهما في الساحة الإقليمية والدوليّة، خصوصاً في سوريا، والسبب لأنّ الولايات المتحدة لا تسمح بتراجع المكانة التي تبوأها عام 2018 كأكبر منتج للنفط الخام في العالم، حيث عملت على منع امتلاك روسيا أدوات الحفر العميق في صناعتها للنفط، كما وحذّرت قوات" قسد" الكردية من بيع النفط في الآبار الخاضعة لها، ومن نقل شاحنات النفط الإيرانية إلى دمشق عبر نهر الفرات، مما أدى إلى عجز إيران عن تمويل وكلائها في لبنان وسوريا واليمن، واضطر حزب الله إلى تخفيض رواتب عناصره بنسبة 40 في المئة وفق ما ذكرته التقارير، الأمر الذي نتج عنه سياقات

لقد أحدثت الحرب في سوريا شرخاً مجتمعياً يصعب معه تخيل أن يعود شكل الحكم إلى ما كان عليه قبلاً، لم تتدخل روسيا لمنع سقوط الأسد، بل لضبط ذلك السقوط

متباينة ومتعددة، أوّلها: فقدان الوقود والغاز والكهرباء في سوريا، ثانيها: رفع روسيا يدها عن دعم بشار الأسد والتّخلي عنه بالتدريج (رغم استطاعتها مواصلة الدعم والتمويل والتسليح) ثالثها: تذمر السوريين بكافة مستوياتهم لما آلت إليه الأوضاع المتردية، وعليه باشرت روسيا بتوجيه بوصلة إعلامها باستغلال شهادات المشاهير والفنانين في الحديث والتّركيز على الأزمة الاقتصادية داخل سوريا.

ففي نهاية 2018 قال المحلل السياسي المقرب من الكرملين (يفغيني سيدروف) لصحيفة نوفيتشي الروسية "لقد أحدثت الحرب في سوريا شرخاً مجتمعياً يصعب معه تخيل أن يعود شكل الحكم إلى ما كان عليه قبلاً، لم تتدخل روسيا لمنع سقوط الأسد، بل لضبط ذلك السقوط، والفرق شاسع بين هبوط المظلة الهادئ، وسقوط النيزك المدمر!".

إنّ تصريح "سيدروف" يأخذنا إلى أبعد من ذلك وهو تغيّر وجهة وسياسة روسيا في التعامل مع رأس النظام السوري، الذي سلّم لروسيا منذ تدخلها للحيلولة دون سقوطه كل ما تحتاجه لتأسيس وجود متين لها في البحر الأبيض المتوسط في مواجهة الناتو، عدا عن إعطائها الحق في إدارة الحرب على "الشعب" من خلال امتلاكها مفاتيح الجيش والأمن، علاوة على ذلك حصولها على تنازل من الأسد عن مرفأ طرطوس لمدة تجاوزت الأربعين عاماً، هذا التغير في سياسة روسيا بدا واضحاً عندما اعترفت بالمعارضة السياسية والعسكرية، ودخولها معها في سلسلة مفاوضات (كان آخرها مباحثات رقم 12 من مؤتمر آستانا التي جرت في العاصمة الكازاخية " نور سلطان")، وهي ذات المعارضة التي يصنفها الأسد بالإرهابية، ولروسيا مبرراتها المخفية والمعلنة، فحالة النزاع والتنافس بين الطرفين الإيراني والروسي، ومع ميول الأسد باتجاه إيران، جعل روسيا تنحو نحو ردّات الفعل في مناطق سيطرتها، وذلك بالتّقرب من "المدنيين السوريين" في عدة نقاط: نشر ثقافتها ولغتها الروسيّة بينهم، أيضاً دفاعها عنهم فور سماعها شكوى لدى تعرضهم لقمع ولاعتداءات متكررة من القوات الشيعية (المتمثلة في الحرس الثوري الإيراني ومليشيا الدفاع الوطني)، والفرقة الرابعة المدعومة من إيران والمسؤول عنها ماهر الأسد، كما راحت لاستمالة

بالتزامن مع تدهور الأحوال الاقتصادية في سائر المحافظات السورية، كان الوضع الأمنيّ أكثر تردّياً وانفلاتاً، مما زاد من إحجام روسيا عن استكمال دورها وما دخلت لأجله

العديد من الضبّاط إلى طرفها والتّعاون معهم بشكل مباشر، ولم تكتف روسيا بذلك فعمليات استجرارها لبعض قادة المعارضة للاصطفاف معها، بدأت منذ تفعيل ملف المصالحات مع النظام، كما وأسست الفليق الخامس والفرقة الخامسة في مقابل الفرقة الرابعة.

وبالتزامن مع تدهور الأحوال الاقتصادية في سائر المحافظات السورية، كان الوضع الأمنيّ أكثر تردّياً وانفلاتاً، مما زاد من إحجام روسيا عن استكمال دورها وما دخلت لأجله، فكانت مهمة المكاتب الأمنيّة والعسكرية هي التشبيح والسرقة نهاراً وليلاً، على عكس أصل وجودها، فلسان الحال حاميها حراميها!

ونتيجةً لتدهور الأوضاع الأمنية والاقتصادية، لم تبدِ أي من القوى الخارجية رغبتها في تبديد أموالها في قضية خاسرة، حيث تساءلت صحيفة "لوموند" الفرنسية في افتتاحيتها: "كيف يمكن أن نتصور إعادة الإعمار في ظل هذه الظروف؟!"

هذا وأكد التقرير الاستراتيجي السوري أنّ الإدارة الأميركية أوصلت رسالة عاجلة إلى الكرملين تفيد بأنّ مبلغ العشرة مليارات دولار التي تمّ جمعها لإعادة إعمار سوريا لن تصل ليد بشار الأسد أو لخزينة النظام السوري، بل سيتم إنفاقها على إعادة توطين اللاجئين السوريين في البلدان المضيفة لهم، وأنها لن تقبل بوصول دولار واحد إلى دمشق، الأمر الذي أحبط بوتين ونسف مخططه للحصول على تمويل خارجي لإعادة تأهيل البنى التحتيّة الاقتصادية والتوظيفية والمدنيّة في سوريا.

والمفارقة في مآلات الوقائع وتفاعل الأحداث مع بعضها، هي محاولة روسيا جمع المؤيدين والمعارضين ضمن سياق واحد وهو المطلب الشعبي والإجماع الوطني البعيدين عن السياسة التي فرّقتهم، أي - رحيل الأسد - لأنّه لم يعد قادراً على توفير أبسط الاحتياجات والأولويات لمن هم داخل سيطرته، وليس لأنّه مجرم حرب!

كيف نفهم استواء جوهر الشيء وعدمه، الوجود واللاوجود، الحقيقة والزيف، الجلاد والضحيّة، بل هل تستوي ثورة الحرية والكرامة وثورة الجياع؟!