عفرين ذاكرة الكُرد المنسية

2019.01.22 | 00:01 دمشق

+A
حجم الخط
-A

تُشكل عفرين اليوم إحدى مقومات نسف الهوية السورية الجامعة. فلا حقَّ للسوريين_ كُردا وعربا_ الحديث عن عفرين كجزء كُردي من سوريا يسعون لإرجاعها، في ظل غياب أيّ خطة عمل كُردية، وانعدام الرغبة السورية –نظام ومعارضة- في إرجاع المدينة إلى سكانها الأصليين. المدينة المنسية تاريخياً من المزاج السوري الرسمي، بقيت دون أيَّ اكتراث من وزارات الدفاع والخارجية السورية، بالمقابل أصبحت عفرين جزءا من تضخم افتخار المعارضة السورية المسلحة بدعم تركي عسكري وسياسي. وما تزال جزءا من الأدبيات والتطلعات الكُردية في سوريا حيال إرجاعها إلى الحضن الكُردي مُجدداً.

تقول المعارضة السورية: إن الاتحاد الديمقراطي ألحقَ أذيةً بليغة بأجنحتها المسلحة في عدة أماكن، ويرى النظام السوري في الحزب سعيه نحو التفرد وتشكيل خواصر خطرة تهدد الكيان السوري! ويتجلى موقف المجلس الكُردي في تضيق الخناق عليه في عفرين ومنعه من مزاولة أيّ عمل سياسي أو مدني، عدا عن الملاحقات والاعتقالات وغيرها. ومع انسجام الموقف الروسي مع الرغبة التركية، وعدم الاكتراث الأمريكي بعفرين. يصر الاتحاد الديمقراطي على إرجاع المدينة إلى مناطق نفوذه سياسياً وعسكرياً.

خطاب عودة عفرين غير مقترن بأي مشروع محلي أو اتفاق إقليمي أو دولي. ومع غياب الإجماع الكُردي على النظر

لم تعد عفرين هي عينها المدينة الكردية الوادعة. وباتت الشواخص والرمزيات تتبدل وفق نمطية تفكير القوة المسيطرة

بعين واحدة للمدينة، فإن الخطابات والدعوات  تشبه كثيراً خطابات بعض الساسة العرب إبان سقوط فلسطين، وتحرير القدس وإنهاء تل أبيب منذ سبعينيات القرن الماضي وإلى يومنا هذا، وأجيال  راحت تتكاثر وتموت وتحيا وما تزال الأمور على حالها، وهو الشأن الكُردي عينه، إذ كيف سيُعيدون عفرين والتواجد التركي فيها، كان أشبه بهدية نتيجة تفاهمات دولية إقليمية.

لم تعد عفرين هي عينها المدينة الكُردية الوادعة. وباتت الشواخص والرمزيات تتبدل وفق نمطية تفكير القوة المسيطرة، فتغيير المدلول القومي واللغوي والثقافي للساحات الرئيسية في عفرين، واستبدالها بأسماء أخرى، وإن كانت تتقاطع التسميات الجديدة مع التاريخ الكُردي كتبديل "ساحة كاوا إلى صلاح الدين" إلا أن حالة الفرض والسيطرة والتغيير الإجباري، يُعيد بمعيار التعامل اليومي بين الأهالي والجهات الحاكمة مدنياً وعسكرياً إلى أساس الخوف وفرض ثقافة العنف.

كما شكل اعتراف وزير الزراعة التركي في نوفمبر/تشرين الثاني2018 باستيلاء تركيا على محصول الزيتون في عفرين وبيعه، كرد على اتهام رئيس حزب الشعوب الديمقراطية لتركيا "بنهب محصول زيت الزيتون في عفرين" ضربة موجعة لاقتصاد مدينة احتضنت قرابة نصف مليون نازح سوري، فبات أهل الدار اليوم يحلمون بالعودة أو البقاء على قيد الحياة في بيوتهم الآيلة لفقدانها. وهو عينه المردود الوحيد للناتج الفرد العفريني وبما لا يقل عن 70% من الأهالي يعتمدون على الزيتون وزيته في معيشتهم.

قضية عفرين هي شاخصة أمام أعين الكُرد في باقي مناطقهم. المهزوم الأول والأخير هو العقل الكُردي الذي لا يستفيد أبداً من نتائج ومُخرجات تجاربه، أزمة استدامة التجارب الفاقدة للتخطيط والاعتماد على التكهنات و"حنية قلب الأوربيين" هيَّ هيَّ تُعاد بلبوس جديد.

هل طالب السيد أوجلان بالمتاجرة بصوره واستفزاز دولة كتركيا تتحين أيَّ فرصة لاستغلالها وإثبات تبعية الحزب للعمال الكُردستاني المحظور في تركيا، والمحروم من رفع إعلامه في دول أوربية. حربٌ ضد أقوى دولة إقليمية دون أيّ مركز أبحاث عسكري يشرح الأبعاد البشرية والسياسية والاقتصادية لكلفة حرب محسومة النتائج بعد خمسين يوماً من الحرب. أو دون توقع أن أعداداً كبيرة من أبناء عفرين لن تضطر للبقاء في جلبابها، وهي الرسالة التي لابد للاتحاد الديمقراطي من استيعابها جيداً في ما تبقى من المناطق الكُردية قبل انحسار المزيد منها، وقبل تقزيم الجغرافية الكُردية أكثر. انهزام العقل سيستمر إن وشم كُل اللذين تمازج شعورهم  بالظلم والحسرة بسبب نوعية وآليات الحكم المتبعة في عفرين، بالخيانة والعمالة لتركيا أو غيرها، وتأخر شعور القسم الأخر بمظلومية جديدة نتيجة المشاريع الإقليمية المطبقة على رأسهم في الحقلين العسكري والسياسي، وصدمتهم بنوعية الحكم الجديد المتبع في المدينة. والأسوأ محاولة شمول الأطراف الكُردية المقصية سياسياً، بنتائج تفرد الإتحاد الديمقراطي بالقرار.

المدينة لن تعود بتظاهرات الاتحاد الديمقراطي بالرغم من رمزية الرسالة التي قدمها المتضامنون مع عفرين، وبالمطلق لم يكن أصحاب الإرادة الدولية مُهتمين بتظاهرات الكُرد في قامشلو، فإن كانوا غير مُكترثين لمصير الملايين من السوريين مابين المفقودين والمعتقلين والمهجرين والمنفيين، فكيف والحال مع مدينة أصر حاكموها التفرد بفكرهم والتصرف وفق قناعاتهم والإصرار على التعنت السياسي والبقاء وحيداً بعيداً عن السرب.

 ولن تعود ببيانات المجلس ومواقفها الحادة من التواجد التركي والفصائل المسلحة في عفرين، موقفٌ وإن بدا أعمق من مواقف الأطراف الأخرى. فوصفه عفرين

الجغرافية الكُردية تتأرجح اليوم، ما بين حرب شرسة واضحة النتائج بخسارة المزيد من الأرض والبنية التحتية وزيادة عدد الشهداء، أو الرضوخ لمشروع المنطقة الآمنة والبحث عن مشتركات مع الأطراف الأخرى

بالمدينة المُحتلة وتوصيف عمل الأطراف العسكرية في عفرين بالممارسات الداعشية يبقى ناقصاً دون السعي لاستلام المدينة وتشكيل إدارة جمعية مع باقي الأطراف والمكونات، خاصة وأن موقف المجلس الكُردي من عفرين لا ينحصر أو يتطابق مع دلالات الإتحاد الديمقراطي، لذا وجبَّ عليه السعي نحو ناصية العمل الميداني في عفرين، على أقل تقدير كون المدينة جزء من مشروعه الذي يتحدث هو عنه دوماً.

بالمقابل فإن الجغرافية الكُردية تتأرجح اليوم، ما بين حرب شرسة واضحة النتائج بخسارة المزيد من الأرض والبنية التحتية وزيادة عدد الشهداء، أو الرضوخ لمشروع المنطقة الآمنة والبحث عن مشتركات مع الأطراف الأخرى، أو تسليم المدينة للنظام السوري بعد عدة حوارات توقفت دون تحصيل أيّ حقً كُردي.

 قضية حوارات الاتحاد الديمقراطي مع النظام تتعلق بإحدى ثلاث محددات للخروج بصفر خسائر في المناطق الكُردية خاصة وأنها تُشكل أكثر من 80% من ديرك إلى كوباني. الأول: إما الوصول إلى اتفاق سياسي برعاية دولية تؤمن الحق الكُردي دستورياً على قاعدة الاعتراف السياسي بشعب يعيش على أرضه التاريخية، وهذه تبدوا بعيدة المنال؛ خاصة وإن الأطراف الأخرى لا تُبدي أي استعداد للتحالف معهم أو تشكيل جسم سياسي موحد والتوجه صوب دمشق، والأخيرة غير مكترثة لمصيرهم أو الاستعداد لمنحهم تلك الحقوق. الثاني: أو الدخول تحت مظلة دولية تحمي المنطقة وتؤمن للكُرد مستقبل جيد، وهذه تتطلب الرضوخ دون نقاش للترتيبات الدولية وما يتطلب منهم تنفيذه. الثالث: وهو عامل الخلاف الإقليمي حول تواجد تركيا بمفردها في منطقة جغرافية شاسعة تُقدر بحوالي15% من مساحة سوريا، وإمكانية تغيير الاتحاد الديمقراطي لسياساته وأفكاره واستفراده وفك الارتباط مع العمال الكُردستاني، لأن جميع الدول الإقليمية غير معنية بكسب عداوة تركيا لصالحهم.

قصارى القول: الحدث السوري لم يُغير في نمطية التعاطي بين المكونات، ولم يُعجل من تغيير نظرة الشك والريبة بينهم، وما تزال المطالبة بالخصوصيات تُعتبر نقيصة، وفي الجهة الثالثة فإن النظر إلى الاتحاد الديمقراطي كقوة عسكرية معادية للسوريين، يقابله نظرة مختلفة إلى فصائل عسكرية ألحقت الضرر بالكُرد  وعموم السوريين تحديداً في عفرين، يُعتبر ازدواجية فاضحة، ومع زيادة الضغوطات على الاتحاد الديمقراطي وصعوبة موقفه في "شرق الفرات" رُبما من الأفضل عدم بيع الأوهام حول عودة عفرين، والالتفات إلى ما تبقى من المناطق  وتجنيبها حرباً كارثية أو اتفاقية مهزومة.