icon
التغطية الحية

ظاهرة اعتناق المسيحية بين اللاجئين... إيمان أم منفعة؟

2018.10.11 | 15:10 دمشق

جهاد الوادي شاب سوري مقيم في الولايات المتحدة اعتنق المسيحية (تلفزيون سوريا)
أحمد عبيد- تلفزيون سوريا
+A
حجم الخط
-A

لم تكن ظاهرة التحول إلى الديانة المسيحية جديدة على دول اللجوء الأوروبية وأمريكا، كونها مقصد للوافدين من إيران وأفغانستان وبعض البلدان العربية منذ عشرات السنين، وسبق لها أن شهدت العديد من الطلبات لتغيير الديانة إلى المسيحية ولا سيما من قبل اللاجئين المسلمين، إلا أنها كانت ظاهرة جديدة على السوريين كونهم لم يشهدوا حالات مشابهة قبل وصولهم إلى تلك الدول خلال السنوات القليلة الماضية.

وسرعان ما انتشرت وكثرت بين السوريين بالتزامن مع تدفقهم الكبير إلى دول اللجوء الأوروبية والعربية وخاصة لبنان، حتى باتت ظاهرة عادية تمر بشكلها الطبيعي بخلاف ما كانت عليه من قبل، حيث أشارت إحصائيات ألمانية إلى أن أعداد معتنقي المسيحية في بلادها ازدادت بنحو عشرة أضعاف خلال عام واحد فقط، حيث وصلت إلى ١٧٨ ألف عام ٢٠١٥ بعد أن كانت لا تتجاوز الـ١٧ ألف عام ٢٠١٤، في حين بلغ عدد اللاجئين السوريين فيها نحو ٨٠٠ ألف لاجئاً آنذاك.

كما أعلنت أبرشية فيينا أن ٧٥٠ لاجئاً من البالغين تم تعميدهم العام الماضي في النمسا، بينهم ٤٢ سوريا جلهم من المسلمين، فيما صرحت إحدى كنائس العاصمة اللبنانية بيروت أنها قامت بتعميد أكثر من ١٠٠ لاجئ سوري خلال العامين الماضيين.

ويبقى رصد العدد الدقيق للمتحولين إلى المسيحية صعب جداً، بسبب امتناع بعض الحكومات عن إصدار إحصائيات رسمية بأعدادهم كون معظم الطلبات يتم استكمالها بشكل سري، مبررة ذلك بـ" الحفاظ على سلامتهم".
 

أسباب وغايات

رجح متابعون وأخصائيون اجتماعيون أن أكثر من ٩٠ بالمئة من طلبات التغيير إلى الديانة المسيحية في دول اللجوء ليست سوى طمعاً بالمزيد من المساعدات ووسيلة لتسيير أمورهم وحصولهم على إقامات وجنسيات في بعض البلدان.

وبدوره، بيَّن رئيس المجلس الإسلامي في ألمانيا "أيمن مزيك" لموقع تلفزيون سوريا أن غاية معظم اللاجئين في اعتناق المسيحية في أوروبا هي تسهيل حصولهم على حق اللجوء وهرباً من العنصرية التي يتعرض لها المسلمون من بعض المتشددين فيها، إضافة للإغراءات والامتيازات التي تقدمها لهم الحملات التبشيرية التابعة لبعض الكنائس في ألمانيا، بما فيها تسهيل عملية منحهم حق الإقامة.

من جهتها، نشرت صحيفة "صنداي تايمز" البريطانية تقريراً قالت فيه إن المئات من طالبي اللجوء المسلمين يستغلون الظروف ويعتنقون المسيحية لتجنب ترحيلهم من البلاد، مدعين أنهم سيتعرضون للاضطهاد والتعذيب وربما الإعدام في بلادهم الأصلية بسبب دينهم الجديد.

كما أعلنت إدارة اللاجئين في الدنمارك أن ١٠٦ لاجئين غيروا ديانتهم إلى المسيحية من أجل نيل حق الإقامة في البلاد، بينهم ٤٢ لاجئاً سورياً، وذلك عقب تصريح صحفي للنائب عن حزب الشعب الدنماركي "مارتن هينركسن" قال فيه: "في البداية ترفض طلباتهم للحصول على إقامة، ثم يتحولون فجأة إلى المسيحية، وهذا ما يظهر استغلال هؤلاء لثغرة في نظام اللجوء" واصفاً ما يحدث بـ "السخافة".

جهاد الوادي شاب سوري مقيم في الولايات المتحدة اعتنق المسيحية (تلفزيون سوريا)

 

رأي آخر

لكن لجهاد الوادي أو جاكوب كما أطلقت عليه الكنيسة الذي انتقل مع عائلته إلى أمريكا مطلع عام ٢٠١٢ واعتنق المسيحية فيها رأي آخر.

يقول جهاد (٢٧ عاماً) لموقع تلفزيون سوريا": "اعتنقت المسيحية نتيجة اندماجي مع أصحاب هذه الديانة والتقرب منهم وملازمتهم لأكثر من 5 سنوات، وأقبلت على هذه الخطوة بعد الاطلاع على ديانتهم عن قرب، وقراءة الإنجيل أكثر من مرة وفهم معانيه الغامضة، حيث لقيت الأمان والسلام والطمأنينة عبرها".

ويبيِّن جهاد المنحدر من عائلة ملتزمة دينياً: "كنت أتقصد الاختلاط بالأصدقاء المسيحيين أثناء دراسته الجامعية في كلية التجارة والاقتصاد بدمشق، ووجدت أنهم يحملون السلام والمحبة في قلوبهم، لكن الوضع هناك مختلف عن أمريكا، حيث كان الرد السريع والمباشر عند طرح إيجابياتهم أمام أي صديق مسلم بأنهم أقلية، ومعاملتهم وليدة الخوف من غلبة عددنا، ولو كانوا الغالبية لرأيت ما يضمرون في قلوبهم، ما كان يشكل عائق ويثير المخاوف لدي من خطوة كهذه، لكن عند لقائهم هنا كانت الصورة مختلفة تماماً".

وعن طريقة التعميد يقول جهاد: "التقيت بإحدى حملات "شهود يهوى" التبشيرية في مكان عملي قبل سنوات، وتكررت لقاءاتنا بشكل دوري في جلسات نتحدث فيها عن الديانة المسيحية والإجابة على جميع الأسئلة بوضوح، وبعد ما شاهدته في الحرب المندلعة بين المسلمين في سوريا سواء من جيش النظام أم من التنظيمات المتشددة من قتل وتعذيب وترهيب، عزمت على اتخاذ هذا القرار، وتقدمت بطلب لكنيسة "Spiritual Church Of God" للمسيحيين الروم بذلك".

يتابع جهاد: "وجدت ترحيباً وفرحاً كبيراً من قبل أعضاء الكنيسة منذ لحظة تقديم الطلب، ووجهوا بعض التعليمات بالتردد إلى الكنيسة بشكل أسبوعي دون التردد إلى كنيسة أخرى، تعلمت خلالها أساسيات الديانة المسيحية والصلاة وتفسير الإنجيل، إضافة لتزويدي ببعض الكتب الدينية".

وبحسب جهاد فإنه بقي على هذا الحال طيلة السنوات الخمس الماضية، وأن السؤال عن الأسباب التي دفعته لاتخاذ هذا القرار كان يتكرر بشكل كبير، مضيفاً أنه تكلف بمساعدتهم بالأعمال الخيرية وافتتح منظمة إنسانية توجه مساعداتها لمناطق المعارضة في الداخل السوري.

ويضيف الوادي: "بعد الالتزام بالتعليمات وتلبية كافة الطلبات التي توجهت لي من قبل الكنيسة والدوام على حضور الحلقات الأسبوعية لخمسة أعوام، أعطوني الموافقة على دخول الدين المسيحي وقاموا بتعميدي بعد الانتهاء من الصلاة، وحصلت على شهادة من الكنيسة بذلك"، مشيراً أنها غيرت أسمه إلى "جاكوب آشور" بهدف محو الأثر الإسلامي في اسمه القديم، وحمايته من المخاطر التي قد تهدد حياته في بلده الأم.

وختم جهاد: "رغم الرفض القاطع من قبل أفراد عائلتي في بداية الأمر إلا أن علاقته جيدة ومستمرة معهم حتى اليوم".

شهادة حصل عليها جهاد من الكنيسة (تلفزيون سوريا)

 

التعميد من منظور اجتماعي

بيَّنت الأخصائية الاجتماعية سالي بو عبيد لموقع تلفزيون سوريا أن وجود اضطرابات عاطفية بين الفرد وأسرته في مرحلة بناء الشخصية المرتبطة باكتشاف الوجودية، والتعرض لبعض الأزمات كالاضطهاد الديني والغلو أو التعذيب من شأنها أن تؤدي إلى تغير المعتقد الديني، ويعود ذلك لمسارات كل فرد وقدرته على التكيف مع الأزمة والخروج منها، مضيفة أن الشك والبحث عن اليقين عند البعض يدفعهم نحو الفكر العلمي والمنطق الرياضي المادي والتفكير النقدي ذو المجال الخصب لمحاولة فهم واقعهم الاجتماعي، ما يخلق أزمة في التكيف مع قيم وأخلاق المجتمع، ويدفعهم للبحث عن معتقد ديني يلبي احتياجاتهم.

وتابعت بو عبيد أن هناك علاقة بين التنظيم الاجتماعي والحاجات البيولوجية لكل إنسان تشكل صراعاً لديه، يدفعه إلى الانغماس في ثقافة المجتمع الذي يعيش فيه، في محاولة منه لإشباع رغباته وتلبية احتياجاته من استقرار اجتماعي ونفسي له ولأسرته.

وبحسب الأخصائية فإن بعض الدول الأوروبية استغلت الظروف الصعبة التي يعيشها اللاجئون في بلادها، وحولتها لخطاب سياسي أسسته على قاعدة الإخفاق الاجتماعي والاقتصادي والسياسي للفرد، وقدمت المساعدات والتسهيلات المطلوبة للاجئين بهدف تشجيعهم على اعتناق الديانة المسيحية، لخلق جيل يتم تجنيده بثقافة جديدة ذات طابع مسيحي وعلماني، والتخلص من التزايد الإسلامي المستمر الذي بات يشكل تهديد حقيقي للمسيحيين في العالم، مشيرة أن معظم المتنصرين في الفترة الأخيرة ينتمون إلى الطبقات الفقيرة والعادية دون المتوسطة.

وتشير "بو عبيد" إلى أن تغيير الديانة سبب أساسي لتعرض الفرد للعزلة الاجتماعية، وعدم قدرته على التعايش بشكل طبيعي في بلده، كونه سيصبح منبوذاً اجتماعياً، وسيمتنع أفراد المحيط الذي يتواجد فيه عن الاختلاط به وبكل من يتماشى معه وسيصبح بنظر المجتمع "كافر" و"مرتد".

 

نظرة الشريعة الإسلامية

أوضح الشيخ عبد الرحمن رجب مدرس الشريعة في جامعة دمشق سابقاً لموقع تلفزيون سوريا عن نظرة الشريعة الإسلامية في حكم تغيير الديانة إلى المسيحية ولو كان على الأوراق الثبوتية فقط، وقال إن الحصول على الإقامة أو الجنسية ليس عذراً يبيح الإقدام على هذه الخطوة، ويجب على المسلم التمسك بدينه وعدم التفريط فيه لطمع من أطماع الدنيا.

وتابع رجب: "تغيير الديانة من مسلم إلى مسيحي أو يهودي أو غيره ولو كان على الأوراق فقط مختاراً غير مكره كفر وردة عن الإسلام، حتى وإن زعم الفاعل أن قلبه مطمئن بالإيمان"، موضحاً أن الإكراه يكون بالتهديد الحقيقي بالقتل أو إتلاف عضو من الأعضاء.

وختم رجب أنه واجب على هؤلاء الأشخاص المبادرة للعودة إلى دينهم في الأوراق الرسمية، وإن كان لا يمكنه العودة إلى بلده فليبحث عن بلد آخر لا يشترط تغيير الديانة للحصول على الإقامة.