صيف موسكو الساخن

2019.03.16 | 23:03 دمشق

+A
حجم الخط
-A

تعليقات كثيرة ساخرة امتلأت بها وسائل التواصل الاجتماعي في الفترة الماضية تحدثت عن لعنة تصيب من يزور بشار الأسد، يبدو اليوم أن اللعنة "باقية وتتمدد"، لتشمل من زارهم بشار الأسد أيضا.

تنفجر الأزمات واحدة بعد الأخرى في وجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فمنذ أن أعلنت روسيا عن تدخلها العسكري في سوريا، بعد موافقة البرلمان الروسي على السماح باستخدام الجيش خارج البلاد في 30 من سبتمبر عام 2015، وجدت السياسة الروسية نفسها محكومة بإطفاء الحرائق التي تشتعل في وجهها من هنا وهناك.

لم يكن الجحيم السوري الذي دخلته روسيا باستعراض عسكري فظ إلا بداية لاستنزاف طويل يصعب التكهن بنتائجه

لم يكن الجحيم السوري الذي دخلته روسيا باستعراض عسكري فظ إلا بداية لاستنزاف طويل يصعب التكهن بنتائجه، والتدخل الذي اعتقد مخططو السياسة الروسية أنه لن يزيد عن ستة أشهر ها هو اليوم يقترب من نهاية عامه الرابع، ولا يلوح في الأفق متى ستنهي روسيا هذا الملف الذي يزداد تعقيدا.

لن يكون هذا الصيف كغيره عند الساسة الروس، ولن تكون سوريا شغلهم الأهم، فهناك فنزويلا التي تقترب بسرعة من أزمة قد تطيح بحليف روسيا "مادورو" مع ما يعنيه هذا من خسارة كبيرة لروسيا، سيما وأن البديل الذي تحاول أمريكا فرضه لن يسير على خطى "تشافيز" والتي سار عليها خلفه "مادورو".

خلال حكم "هوغو تشافيز" وما بعده، قدمت "موسكو" لـ"كراكاس" قروضا بقيمة 17 مليار دولار أمريكي، واستطاعت روسيا - التي تخطط لكي تحتل دورا مهما في تجارة السلاح العالمية - أن تطور كثيرا من علاقتها العسكرية بفنزويلا، وأصبح الجيش الفنزويلي يعتمد بشكل كبير على التسليح الروسي في كل القطاعات العسكرية، بدءا بالأسلحة الفردية والرشاشة، وصولا إلى المدرعات، والطائرات، والسفن. بالإضافة إلى الاستثمارات العسكرية وآخرها بناء مركزين للمروحيات العسكرية، ومصنع لرشاشات كلاشينكوف الذي سيتم بناؤه عام 2019.

وعندما لوح الرئيس الأمريكي "ترامب" بتدخل عسكري في فنزويلا سارعت موسكو لتحذر، مهددة بأن ذلك قد يتحول إلى سيناريو كارثي، ربما يلقي بظلاله القاتمة على المشهد الدولي برمته، وذهب نائب وزير الخارجية الروسي "سيرغي ريابكوف"، في حديث نشرته مجلة "الحياة الدولية" الروسية، للقول: "نحن نحذر من ذلك، نحن نرى أن ذلك سيكون سيناريو كارثياً، وسيهتز له نموذج التنمية الذي نراقبه في منطقة أمريكا اللاتينية" مضيفا: "إن روسيا ستواصل دعمها لفنزويلا التي تعد شريكا استراتيجياً لموسكو، وسنعمل على حماية سيادتها".

لم تلتقط روسيا أنفاسها في ملف فنزويلا الذي لايزال يتفاعل، وها هي الجزائر أيضا تنضم إلى الملفات الساخنة التي ستجد موسكو نفسها مضطرة إلى الانشغال بها، فمنذ أن وقعت روسيا والجزائر اتفاق التعاون الاستراتيجي عام 2001 وروسيا تحاول جاهدة أن تتحالف مع الجزائر للإمساك بسوق الغاز العالمي، إذ يشكل الإنتاج الروسي والجزائري ما يزيد عن 43% من حجم الإنتاج العالمي، وستكون أوربا أول المتضررين من تحالف كهذا.

من أجل استمالة الجزائر قامت روسيا - باعتبارها وريثة الاتحاد السوفيتي - بشطب كامل ديون الاتحاد السوفيتي السابق على الجزائر والتي بلغت قيمته خمسة مليارات دولار أمريكي، ووافقت الجزائر حينها على شراء سلع صناعية من روسيا “بمبلغ يعادل على الأقل مبلغ الدين المشطوب، وبالإضافة إلى ذلك، وافقت الجزائر على تخصيص 7.5 مليار دولار لشراء المعدات والخدمات العسكرية من روسيا:

- 3.5 مليار دولار للطائرات المقاتلة من طراز Su30 MKIs وMiG29 SMTs، وطائرات التدريب Yak-130.

-  4 مليارات دولار للدبابات، والصواريخ المضادة للدبابات، وأسلحة أخرى. وإصلاح سفن البحرية الجزائرية. وزعمت Rossiyskaya gazeta أن “هذا هو أكبر عقد منفرد في مجال التعاون العسكري – التقني في تاريخ روسيا ما بعد الاتحاد السوفييتي.

بعد خسارة موسكو لليبيا ستخرج من كامل الشمال الإفريقي إن هي خسرت الجزائر أيضا

يبدو أن الحكومة الجزائرية ظلت حذرة في علاقتها مع موسكو، فهي لا تريد إثارة قلق أوروبا من علاقة تشكل خطرا على مصالحها الاستراتيجية، لكن روسيا الحالمة ظلت تقدم إغراءاتها، وبدأت الحكومة الجزائرية تتقدم باتجاهها، وفي أكتوبر من عام 2017 قام الوزير الأول الروسي، "ديميتري ميدفيديف" بزيارة إلى الجزائر، وتم الاتفاق على برنامج واسع النطاق يشمل قطاعات التكنولوجيا المتقدمة لاسيما استعمال الطاقة النووية لأهداف سلمية".

هل ستطيح الأوضاع المتفجرة في الجزائر بأحلام روسيا...؟  لن يكون ذلك سهلا على موسكو فبعد خسارتها لليبيا ستخرج من كامل الشمال الإفريقي إن هي خسرت الجزائر أيضا.

ها هو السودان أيضا ينضم إلى مصادر القلق الذي يعصف بالكرملين، فالرئيس البشير - الذي استجاب لاقتراح موسكو بزيارة بشار الأسد لكسر العزلة العربية عنه - لا يبدو في وضع مستقر، والاتفاقات التي وقعت من أجل استثمارات روسية مهمة في السودان تبدو هي الأخرى في مهب الريح.

ولكي تزداد القصة إثارة وتعقيدا فقد تقدم عضو مجلس النواب الأمريكي عن الحزب الجمهوري أليس ستيفانيك، والعضو عن الحزب الديمقراطي فالديز ديينجز  في 28 من شهر شباط المنصرم، بمشروع قانون يحمل اسم "الشفافية حول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين"، ووفق هذا المشروع فإنه يتوجب على جهاز الاستخبارات الأمريكية أن تضع تقريرا مفصلا عن مصادر دخل الرئيس بوتين وممتلكاته وحساباته البنكية، وغير ذلك من الاستثمارات والممتلكات التجارية والعقارية.

إن الكشف عن دخل وممتلكات بوتين قد يتسبب له في مشكلة داخل البيت الداخلي الروسي، هذا البيت الذي يعاني هو الآخر من مشكلات متعددة.

كيف ستواجه موسكو كل هذه الحرائق، وهل سيؤثر هذا على الملف الأسخن (الملف السوري) وطريقة إدارتها له...؟

سؤال برسم السوريين الذاهبين جماعات، جماعات، إلى موسكو.