icon
التغطية الحية

صورة بشار الأسد على ورقة الألفين والدولار يقترب من 700 ليرة

2019.09.09 | 16:09 دمشق

تلفزيون سوريا - وجيه حداد
+A
حجم الخط
-A

تنتظر دورك كل أول شهر عند الصراف الآلي فتعطيك الآلة 20 ورقة نقدية من فئة الألفين المطبوع عليها صورة بشار الأسد، لتحصل على 40 ألف ليرة سورية وهو متوسط الأجور والرواتب لموظفي الفئة الأولى في سوريا.

تستعين بالآلة الحاسبة لتدرك أن متوسط أجرك اليومي البالغ 1300 ليرة سورية، أصبح يعادل أقل من دولارين، و بالكاد يشتري لك 200 غرام لحم بقري، أو نصف فروج، أو علبتي متة بسعر اليوم، وقد لا تشتريها غدا، بسبب الهبوط المستمر لليرة، ووصول سعر الصرف حتى مساء أمس إلى رقم قياسي غير مسبوق: 690 ليرة سورية لكل دولار، ما يعني فقدان الليرة السورية 94% من قيمتها السابقة عام 2011 .

أسباب وضع صورة بشار على ورقة الألفين:

وضع بشار الأسد صورته على ورقة الألفين الجديدة  والمستحدثة كليا من حيث الشكل والقيمة عام 2015، ودخلت الورقة النقدية حيز التعامل الشعبي عام 2017، وذلك خلافا لطبعتين سابقتين لكل من ورقة الألف، وورقة الخمسمئة، وهما جديدتان في الشكل فقط، وتمت طباعتهما عام 2013 ودخلتا حيز التداول عام 2015 حيث خلت كلتا الورقتين النقديتين المذكورتين من أية رموز سلطوية.

سياسيا يمكن النظر إلى الأمر من منظور التحولات التي حصلت في ذلك العام وأرست الطمأنينة في نظام بشار الأسد ليتجرأ على وضع صورته على ورقة العملة الأكبر قيمة والأحدث زمنيا، في وقت كانت تبدو فيه السلطة مهزوزة الأركان، ولا تسيطر إلا على خمس مساحة البلاد.

سياسياً يمكن النظر إلى الأمر من منظور التحولات التي حصلت في ذلك العام وأرست الطمأنينة في نظام بشار الأسد ليتجرأ على وضع صورته على ورقة العملة الأكبر قيمة

ومن أهم تلك التحولات، في حينه، توقيع الاتفاق النووي الإيراني مع الغرب في نيسان 2015، وكذلك بداية التدخل الروسي المعلن والعنيف في أيلول 2015،  وانقضاء عام على تجديد بشار الأسد لفترة رئاسية جديدة تمتد لسبع سنوات دون أية ارتدادات داخلية أو خارجية، مضافا إلى هذه المعطيات تجاوز النظام ملفه الكيماوي بسلام.

اقتصاديا سعت الصورة الموجودة على ورقة الألفين إلى تعزيز قناعة الحاضنة الشعبية بإمكانية استعادة النظام  زمام المبادرة الاقتصادي أسوة باستعادته لزمام المبادرة العسكري، كما هدفت لترسيخ مفهوم الأزمة الاقتصادية العابرة المرتبطة بانحسار سيطرة النظام على الأرض، وبالتالي فإن العودة إلى الزمن الجميل كما يصفونه سيتزامن مع الانتصار العسكري واستعادة الأرض.

لكن الصورة لم يكن بوسعها الصمود بوجه الأرض المحروقة والدمار الهائل الذي أحدثه النظام، ولم يكن بوسعها أيضا إخفاء إفلاس البنك المركزي الذي استنزفه إلى النهاية جيش وسياسات الأسد، لتنخفض قيمة ورقة الألفين من خمسة دولارات وربع عند طباعتها، إلى أقل من 3 دولارات حاليا، في حين كانت تساوي 42 دولاراً بسعر 2011.

عوامل تدهور الليرة السورية

يمكن النظر إلى أزمة الليرة السورية من زاوية العجز التجاري حيث الصادرات لا تزيد عن مليار دولار بينما تحتاج السوق السورية بالحد الأدنى إلى ثمانية مليار دولار سنويا لتغطية المستوردات الأساسية ما يعني حاجة النظام والسوق السورية إلى قرابة 7 مليار دولار سنويا، الأمر الذي يخلق طلبا شديدا لحيازة العملة الصعبة ويرفع من سعرها بشكل تلقائي.

الشح في العملة الصعبة يأتي نتيجة انعدام واردات السياحة، وتدهور الصناعة المحلية المتبقية بسبب القيم المضافة عليها من ارتفاع أسعار الطاقة والنقل، وبسبب وقوف الزراعة عند مستوى أدنى من الاكتفاء الذاتي، وتحديدا القمح، والأعلاف والبذار.

كما يأتي الشح نتاج تراجع المساعدات الأممية بشكل كبير، وكانت تغطي جزءا كبيرا من احتياجات النظام العينية والنقدية بالشكلين المباشر وغير المباشر، وفاقت المساعدات الأممية في بعض السنوات مبلغ  3 مليار دولار كانت تصب بمعظمها في جيب النظام، وتخفف عنه الأعباء.

من جهة ثانية شكل الفارق في سعر الحوالات بين السعرين الرسمي بمبلغ 434 ليرة سورية والسوق الموازي بالسعر الدارج فارقا كبيرا دفع مرسلي الحوالات إلى التوقف عن إرسالها عبر القنوات الرسمية لتحرم نظام الأسد من مبالغ كانت تقدر بـ10مليون دولار يوميا، مع ورود أنباء جديدة عن توقف الحوالات إلى الداخل بالدولار وإرسالها من المصدر بالليرة السورية.

أيضا، العقوبات الاقتصادية المفروضة على الشخصيات الفاعلة في اقتصاد النظام وعلى قطاع النفط وجهت ضربة شديدة للنظام حدت من حركته وحرمته من انفتاح الخارج عليه، ما وضعه في عزلة خانقة ومزيد من الحصار الاقتصادي، كما ساهمت العقوبات المفروضة على حلفائه في محدودية دعمهم له قياسا للسابق، وليس من قبيل المصادفة سرعة انحدار الليرة السورية بالتزامن مع العقوبات على بنك الجمال في لبنان، وتأثير الأزمة الاقتصادية اللبنانية بشكل ما على سعر الليرة السورية، لتسببها في حرمان النظام من  وسائط التحويل المالي المقنّعة.

الأمان الاقتصادي والعامل النفسي

فشل نظام بشار الأسد، وصورته الموضوعة على الألفين في تعزيز  الشعور بالأمان والثقة بالاقتصاد السوري، وفشل أيضا في تأمين أبسط المتطلبات لحاضنته الشعبية التي صدقت وعوده

كما فشل نظام بشار الأسد، وصورته الموضوعة على الألفين في تعزيز  الشعور بالأمان والثقة بالاقتصاد السوري، وفشل أيضا في تأمين أبسط المتطلبات لحاضنته الشعبية التي صدقت وعوده، ولم تحصد سوى مزيد من الجنازات والقهر والإفقار، غير أن المتغير الجديد، وربما الصاعق، الذي ساهم في سرعة انهيار الليرة الأخير، هو ارتفاع منسوب انعدام الأمان عند نخبه الاقتصادية المندمجة معه كليا، وشعورها بإمكانية تعرضها للتصفية أو السجن ومصادرة الأموال على خلفية أزمة النظام الخانقة، وعلى خلفية التنافس في الولاءات  الاقتصادية، ما بين إيران وروسيا، أو حتى ضمن صراعها الداخلي على الحصص الداخلية.

التدهور المتدحرج هبوطا لسعر الليرة السورية أربك الجميع، تجارا ومستهلكين، في ظل صمت رسمي مريب، نتج عنه حالة من الفوضى في مقترحات الاقتصاديين الموالين ليصل بعضهم إلى المطالبة بتجريم حيازة الدولار، في حين طالب بعضهم الآخر المركزي بالتحرك، بينما اكتفى بعض  الآخر بمقترحات شكلية وعاطفية كإلزام التجار بقروض يدفعونها بالدولار، بالإضافة إلى جوقة محللي وشارحي اقتصاد الممانعة وتحديات الامبريالية.

في ظل متغيرات متسارعة يشهدها الاقتصاد السوري وتنعكس بقوة على هبوط الليرة، يبدو الثابت الوحيد أن السوريين يدفعون الثمن الأكبر لسياسات نظامهم ورئيسهم الذي لا تُغنيهم صورته الموضوعة على ورقة الألفين من جوعهم المتزايد يوما بعد يوم.