صواريخ إسرائيل في طهران وبيروت تهدي الممانعات انتصاراتها

2018.11.08 | 18:42 دمشق

+A
حجم الخط
-A

عمدت جل القوى السياسية اللبنانية إلى ربط زيارة رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري إلى فرنسا مؤخرا، وتمديد إقامته فيها بملف تشكيل الحكومة اللبنانية المتعثر، والباحث عن وساطة فرنسية تساهم في حلحلة عقده المتكاثرة.  سرعان ما اتضح أن تطورات الأمور وضعت الملف الحكومي في خلفية المشهد، فاتحة المجال أمام سيناريو كارثي مرعب يرتبط بحرب إسرائيلية مدمرة على لبنان.

نقلت الجهات الفرنسية للحريري تحذيرات إسرائيلية جدية حول هذا الموضوع، وتشير بعض المعلومات التي خرجت الى النور مؤخرا عن توجه موفد أوروبي رفيع المستوى إلى بيروت للتباحث مع المعنيين في هذا الشأن، خصوصاً أن التصريحات الإسرائيلية حول انتشار معامل الأسلحة الإيرانية في لبنان لم تعد تتحدث عن سلاح تقليدي وعادي، بل عن وجود صواريخ بعيدة المدى تشكل تهديدا لن تتورع في القضاء على مصادره.

تدعم التطورات الجارية على أكثر من صعيد هذا السيناريو الانتحاري، محليا شهد مخيم المية ومية في مدينة صيدا مؤخراً سلسلة اشتباكات بين فتح ومجموعة أنصار الله التي تدين بالولاء لحزب الله، وكان أن تدخل الحزب لإنتاج تسوية قضت بإخراج جمال سليمان زعيم هذه المجموعة مع عدد من المقربين منه وترحيلهم إلى سوريا.

 لوهلة بدأ الأمر وكأنه تخريجة مرتبطة بسياق محدود يتعلق بحرص الحزب على الحفاظ على البنية العسكرية

إقليميا ودوليا نعلم أن إسرائيل قد عمدت منذ فترة إلى تغيير قواعد اللعب مع حزب الله، فقد ربطت أي تهديد يمكن أن تواجه به من لبنان بضرب إيران وحزب الله في سوريا وضرب إيران نفسها

لتيار فلسطيني يدين له بالولاء، ولكن المناخات المتسارعة فيما يتعلق بجو الحرب الإسرائيلية، ونية إيران بمواجهة حزمة العقوبات المشددة على قطاعها النفطي، تقول إن الأمر مرتبط بطريق الجنوب الذي يخشى الحزب أن ينقطع في أي حرب إسرائيلية.

إقليميا ودوليا نعلم أن إسرائيل قد عمدت منذ فترة إلى تغيير قواعد اللعب مع حزب الله، فقد ربطت أي تهديد يمكن أن تواجه به من لبنان بضرب إيران وحزب الله في سوريا وضرب إيران نفسها، ما يعني أن الأمور ستذهب نحو فتح معركة واسعة.

لقد اعتادت إيران على التفاوض في ظل امتلاكها لمجموعة من الأوراق الابتزازية، ولم تعتد إطلاقا على التفاوض وهي تحت النار، لذا تشير المعطيات الى أن ارتفاع وتيرة التهديدات على اقتصادها والتي قد تطال، خلافا لكل المرات السابقة، بنيةَ نظامها ستدفعها إلى تبني ردة فعل انتحارية.

 بدأت ملامح النزوع الإيراني الانتحاري تتضح في لبنان من خلال تفجير تشكيل الحكومة وتجميد كل مسارات مشاريع المساعدات الدولية، وكذلك في العراق من خلال السعي لإعادة تعويم ميليشيا الحشد الشعبي ووضعها في الواجهة. يضاف إلى ذلك دفع الحوثيين إلى التصلب في مواقفهم تجاه الدعوات الأميركية لإنهاء الحرب والدخول في مفاوضات بهذا الصدد.

كان لافتا أن إيران عمدت منذ فترة إلى مغازلة الغرب وأميركا معتقدة أن مجرد الإيحاء بالنيّة في تغيير صورتها ستدفع أميركا إلى المسارعة إلى تلقف هذه الإشارات وفتح باب التفاوض انطلاقا منها. أتاحت للبرلمان الإيراني التصويت على قوانين مكافحة الإرهاب وتبييض الأموال، قبل أن تسقطه في لجنة صيانة الدستور، وتعيد إنتاج خطاب الموت لأميركا، بعد أن لمست أن سقف التفاوض المطلوب لا يفترض تغيير ملامحها، إنما يستهدف شل قدرتها على التدخل في المنطقة وفي العالم، ولجم قدراتها الصاروخية وقدرتها على تمويل أذرعتها.

وكذلك تجدر الإشارة إلى أن تخصيص حزب الله بنوع مختلف من العقوبات، واعتباره منظمة إجرامية عابرة للحدود، يعني أن إدارة ترامب تعمل على تحويله إلى عنوان يمس بالأمن الداخلي الأميركي، يصح على مناصريه وأتباعه الموجودين في أميركا وفي أي بقعة من بقاع الأرض، ما يصح على تجار المخدرات ومبيضي الأموال.

في ظل هذا المناخ وعلى الرغم من ميل إيران إلى التفاوض مع إسرائيل ومع الولايات المتحدة الذي ظهر جليا في خلفية زيارة نتنياهو إلى سلطنة عمان، فإنها لمست أن حدود التنازل المطلوبة منها لا تتصل بعملية ضبط محددة، بل تطال مشروعها ككل.

 لعل أبرز دليل على ذلك أن الاشارات المتعلقة بقبولها بالانسحاب القريب من سوريا لم تلق آذانا أميركية صاغية، أو تفتح بابا عريضا للتفاوض، لأن أميركا لا تهتم كثيرا بخروجها من سوريا على الرغم من مطالبتها بذلك أكثر من مرة، بل تهتم فعليا بشل قدراتها التهديدية وخصوصا فيما يتعلق بالتأثير على حركة تجارة النفط العالمية في مضيق هرمز، إضافة إلى العنوان المتعلق بأمن إسرائيل.

تكمن المعضلة في كل هذا السياق أن إيران صممت شكل وجود يرتبط بالقدرة

إيران تؤمن أن الصاروخ الإسرائيلي الأول الذي سيطلق على أراضيها، سيعيد إنتاجها كدولة الممانعة والمقاومة الأولى في العالم العربي والإسلامي، وسيسمح لها باستقطاب كل الحركات الجهادية في العالم

على التهديد والابتزاز. من هنا فإنها لا تستطيع التخلي عن قدرتها على ذلك والتي تتمثل حاليا بشكل خاص في قدراتها الصاروخية الباليستية وفي أذرعتها المنتشرة في عموم المنطقة، والتي يشكل حزب الله اللبناني درة تاجها.

هكذا قد يكون سيناريو التصعيد هو الأقرب فإيران تؤمن أن الصاروخ الإسرائيلي الأول الذي سيطلق على أراضيها، سيعيد إنتاجها كدولة الممانعة والمقاومة الأولى في العالم العربي والإسلامي، وسيسمح لها باستقطاب كل الحركات الجهادية في العالم، ما سيخرجها من العنوان الشيعي البحت إلى العنان الإسلامي العام، وهي لا تبالي بالدمار الذي يمكن أن يصيبها طالما أن هناك لحظة ستأتي بعده، يمكن فيها لنظامها أن يخرج ليعلن النصر من بين الأنقاض.

الأمر نفسه مرشح للتكرار في لبنان لأن الخطر الذي يعاني منه حزب الله والمتصل بدور إيران في المنطقة ليس عابرا، بل يتخذ طابعا وجوديا، لذا فإن الحزب لا يمانع من استجرار حرب إسرائيلية مهما كانت مدمرة، لأنه ببساطة قد أنجز منذ فترة طويلة عملية فصل نفسه عن البلد، وتاليا فإن موت البلد لا يصيبه في شيء، بل ربما يكمن في هذا الموت سر ولادته الجديدة كمشروع مقاومة وممانعة، يهوى رفع أعلام النصر فوق جثث الأوطان.