شَرطَان+1.. كفيلان بتميّز السوريين حول العالم

2019.03.10 | 23:03 دمشق

+A
حجم الخط
-A

في تغريبتنا السورية حول العالم، ظهرت تحديات واسعة أمامنا نحن السوريين، أهمها ربما القدرة على الاندماج الناجح مع المجتمعات الجديدة. حيث يكون الشرط الأساسي لنجاح السوريين في اندماجهم هو تعلمهم لغة المجتمع الجديد، حتى يتمكنوا من التفاهم والتواصل وحل المشكلات، ونشر قيمهم وثقافتهم وشرح الإمكانيات التي يتمتعون بها.

لكن هذا الاندماج الناجح يكفل انخراط السوريين بمجتمعاتهم الجديدة ليكونوا جزءاً منها مع الوقت، لكن من المؤكد أنه لا يكفي ليجعلهم رقماً صعباً فيها، تلك المجتمعات السابقة في العلوم والفنون والسياسة.

وحتى يتمكن السوريون أفراداً وجماعات من بلوغ مراتب عالية والوصول إلى درجات رفيعة في المجتمعات الجديدة، لابد لهم من تحقيق شرطين أساسيين، يضاف إليهما عامل أخلاقي لازم.

أما عن الشرطين:

فالأول: هو تعلم اللغة الإنكليزية إضافة إلى لغة البلد المضيف، كون الإنكليزية هي اللغة الأولى عالمياً من حيث عدد الشعوب التي تتكلم بها. فيندر أن تجد بلداً في الشرق أو الغرب لايعتمد الإنكليزية لغة متداولة في أحد المستويات المجتمعية، إن كان في المجالات العامة أو المجالات العلمية أو الأكاديمية أو في الأسواق.

وبالتالي على السوري في تركيا أو في أوروبا أو أميركا أو البلاد العربية أو غيرها من البلدان، أن يسعى إلى إضافة اللغة الإنكليزية إلى قدراته وملكاته، عندها سيمتلك ميزة أولى ذات قيمة عالية حيثما ذهب. أي إن السوري سيكون قادراً على تحدث ثلاث لغات على الأقل، لغته العربية الأم، ولغة البلد المضيف، واللغة الإنكليزية. وربما عليه أن يتعلم الفرنسية إن كان يعيش في مجتمع يتكلم اللغة الإنكليزية كلغة أم، في بلدان كبريطانيا وأميركا وكندا.

أي إن السوري سيكون قادراً على تحدث ثلاث لغات على الأقل، لغته العربية الأم، ولغة البلد المضيف، واللغة الإنكليزية

وعلينا أن نتذكر أن تعلم اللغة هو مشروع يحتاج إلى سنة أو سنتين على الأقل، وبالتالي لابد أن تحدث هذه العملية في ظروفها وشروطها وتعتبر من المشاريع الإستراتيجية للفرد وللأسرة السورية.

أما الشرط الثاني: فعلى السوريين أن يتوجهوا إلى دراسة العلوم الإدارية إضافةً لمهنهم وأعمالهم التي يعيشون منها ويوفرون من خلالها لقمة عيشهم. هذه العلوم ستؤهلهم لتولي الأعمال الإدارية من أسفل الهرم إلى أعلاه، في شركات صغيرة، متوسطة وكبيرة الحجم. وبغض النظر عن تحصيلهم الجامعي أو الأكاديمي السابق، سيستطيعون الولوج إلى هذه الدراسات، خاصة مع توفر عشرات المنصات الافتراضية والمنح الدائمة من جامعات وأكاديميات تعليمية حول العالم. هذا الشرط المدعوم أساساً بالشرط الأول (تعلم اللغة الإنكليزية)، سيفتح الباب أمام آلاف وربما عشرات آلاف السوريين حول العالم، ليدخلوا مجالات العمل المختلفة والمواقع المرموقة بشكل متدرج وبثقة عالية. ولك أن تتخيل عزيزي القارئ ماذا تعني هذه النتيجه للسوريين ومدى تأثيرها على واقعهم ومستقبلهم القريب والبعيد.

إلا أنّ توفر هذين الشرطين (اللغة العالمية والمهارات الإدارية) يفقد معناه على المدى المتوسط والمدى البعيد إن لم يُدعَما بشرطٍ إضافي آخر، شرط أخلاقي وقيمي، يمكن أن نختصره في الصدق والأمانة. هذا البعد القيمي سيعطي الشرطين السابقين قيمة لاتقدر بثمن. أن تتحدث عدة لغات، وتمتلك مهارات إدارية جيدة، وفي نفس الوقت تكون إنسان صادق وصاحب أمانة، عندها سيكون السوري بلا شك، من الشخصيات الأكثر تأثيراً والأكثر طلباً في مجالات الحياة المتعددة، الاقتصادية والعلمية، الاجتماعية والسياسية.

الصدق والأمانة. هذا البعد القيمي سيعطي الشرطين السابقين قيمة لاتقدر بثمن

وبالتالي يمكننا أن نتحدث عن مستقبل عظيم قادم وعن سوريين يتميزون حول العالم، معتمدين على أدوات العلم والثقافة والأخلاق الكريمة.

أن تكون طبيباً أو مهندساً أو جامعياً أو باحثاً وكاتباً أو شخصاً صاحبَ مهنة، ناجحاً في المجتمع وتتكلم لغة البلد الذي تعيش فيه، وتمتلك إضافة إلى ذلك اللغة العالمية أو لغة عالمية إضافية، وعلوماً ومهارات إدارية، كل هذه الإمكانات مصحوبة بقيمتي الصدق والأمانة، اللتين تعتبران قيماً بشرية عامة تطلبها وتحترمها كل المجتمعات، فنحن بذلك نتحدث عن خُططٍ إستراتجية لشعب بأكمله.

إن التحدي الأكبر أمام السوريين اليوم حول العالم، هو أن يجعلوا من تلك المصائب والأزمات التي عاشوها خلال العقود السابقة عموماً، وخلال سنوات الثورة خصوصاً، أن يجعلوا منها طاقة كامنة ويحولوها إلى إرهاصات ولادة جديدة، رغم كل الألم والوجع والتحديات التي يعيشونها، ورغم تحشيد أحزاب اليمين وقوى الكراهية والعنصرية ضدهم، وجعلهم قضية انتخابية بامتياز.

حالات النجاح والتميز التي نسمع بها ونشاهدها كل يوم لسوريين حول العالم هي أكثر من أن نحصيها. وهي ما تزيد قناعتي بهذه الأفكار التي يجب علينا تطويرها لتكون أكثر واقعية

وأنا أكتب هذا المقال، كنت أسأل نفسي بشكل متكرر، هل أنا أحلم أكثر من اللازم؟! وهل أبيع الوهم للسوريين وأنا منهم؟!  لكن حالات النجاح والتميز التي نسمع بها ونشاهدها كل يوم لسوريين حول العالم هي أكثر من أن نحصيها. وهي ما تزيد قناعتي بهذه الأفكار التي يجب علينا تطويرها لتكون أكثر واقعية وتصبح معتمدةً في برامج تعليم عالمية حتى تحقق الأهداف التي نحلم بها. هو إيماني بقدرات الشعوب عندما تمتلك إيماناً عظيماً بإمكاناتها وطاقاتها وبالمستقبل الذي تريد الوصول إليه. والشعب السوري هو أحد هذه الشعوب الحالمة الساعية نحو الأفضل. وعلينا ألا ننسى أبداً أن هؤلاء السوريين المنتشرين حول العالم اليوم، سيعود نفعهم بطريقة ما ويوماً ما على بلدهم وأهلهم ووطنهم السوري، فالإنسان لا يُقتلع من جذوره كما يتخيل ويحاول أن يفعل نظام الأسد.

يقولون إن الأحلام الكبيرة هي من تصنع المستقبل العظيم، وإن الحالمين هم من يقودون مجتمعاتهم وليس أولئك الواقعيون. ولو اختار السوريون أن يكونوا واقعيين لما كانوا في مواقعهم وأماكنهم الحالية حول العالم، لكنها الرغبة في التغيير والتطوير الدائم وتحقيق الذات. الرغبة في صناعة مستقبل يليق بالإنسان بعيداً عن الظلم والقهر قدر الإمكان..

كلمات مفتاحية