شمال سوريا احتمالات التسوية والصراع

2018.12.06 | 00:12 دمشق

+A
حجم الخط
-A

جدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان –قبل أيام- التأكيد على أن بلاده ستمضي في "تطهير" مناطق شرق نهر الفرات من نفوذ "التنظيمات الإرهابية" في إشارة إلى الوحدات الكردية، مضيفًا أن أنقرة لن تسمح بإنشاء كيان "إرهابي" على حدودها الجنوبية يهدد أمن المنطقة، مشددًا على أن تركيا قد تلجأ إلى عمليات عسكرية بهذا الصدد تهدف إلى إنهاء معاناة سكان تلك المناطق وتساهم في إعادة السوريين إلى بلادهم، على حد تعبيره.

حتى اللحظة تذهب معظم التحليلات الإعلامية إلى أن التصعيد التركي فيما يخص مناطق شرق الفرات هدفه الضغط على واشنطن ودفعها لاتخاذ إجراءات ملموسة على الأرض تراعي المصالح التركية، إضافة لجعل الأولى تمضي قدمًا في تنفيذ خارطة الطريق المتعلقة بمدينة منبج –غرب الفرات- بما يقود لإنهاء الوجود العسكري "للميليشيات الكردية" وتسليمها لحلفاء أنقرة من فصائل المعارضة السورية كما حصل في مناطق درع الفرات وغصن الزيتون.

المنطقة لها الأولوية في سياق إعادة إنتاج تركيا لنفوذ الدولة الإقليمية ومصالحها في الشرق الأوسط بمواجهة منافسيها

ربما من المبكر الجزم بما يمكن أن تتخذه أنقرة من خطوات للحفاظ على مصالحها على طول الحدود السورية شمالًا وصولًا لشمال العراق، إلا أن المعطيات تؤكد بأن هذه المنطقة لها الأولوية في سياق إعادة إنتاج تركيا لنفوذ الدولة الإقليمية ومصالحها في الشرق الأوسط بمواجهة منافسيها طهران وتل أبيب إلى جانب دول الخليج، ومن هنا قد يبقى احتمال نشوب معارك شرق/ غرب الفرات قائمًا خاصةً في حال عجزت واشنطن عن هندسة تفاهم يرضي الأطراف العديدة الفاعلة في تلك المناطق.

إصرار أنقرة على تثبيت وجودها في شمال سوريا واضح، وعبرت عنه تصريحات أكثر من مسؤول في البلاد على رأسهم الرئيس التركي الذي شدد قبل نحو شهر من الآن على أن بلاده ترفض أي تقسيمات أو تعديلات جديدة على اتفاقية سايكس بيكو، وهو ما يشير بوضوح إلى أن الجمهورية التركية لن تسمح بأي حال من الأحوال بتأسيس كيان كردي شمال شرق سوريا يتمتع باستقلال ولو جزئي، وهو ما ترجمته تركيا بعبارة الحفاظ على وحدة الأراضي السورية.

رفض أنقرة لإنتاج سايكس بيكو جديدة أو تعديل القديمة لا يرتبط بحرصها على وحدة التراب السوري وإنما يندرج في إطار الدفاع عن وجود وهوية الدولة التركية وفق الرؤية الجديدة -لدورها الإقليمي- الناشئة عقب موجة الربيع العربي سيما في سوريا، بمعنى أن أنقرة تدافع عن وحدة أراضيها عبر ضرب أي محاولات لقيام كيان كردي في الشمال السوري لما قد يشكله من أخطار سياسية عليها وهي التي يتواجد فيها نحو 14 مليون كردي أي ما يعادل نسبة 15 بالمئة من عدد السكان تقريبًا.

لا تتوقف شبكة المعادلات المتضاربة في سوريا عمومًا وشمالها خصوصًا على أنقرة/ واشنطن إذ يشارك الرفض التركي للسياسة الأميركية شرق الفرات كل من طهران وموسكو لاعتبارات عديدة، فبينما يأتي رفض إيران في سياق الصراع مع الولايات المتحدة على طبيعة وحجم الدور الإيراني في المنطقة إلى جانب هواجس انعكاسات نشوء كيان كردي على تركيبة الجمهورية الإسلامية المثقلة بالعقوبات الاقتصادية، تبدو موسكو أكثر تحفظًا في هذا الجانب لأنها من جهة تريد المحافظة على حليفيها في سوريا "إيران/ تركيا"، ومن جانب آخر تسعى لتوظيف هذه المسألة في مساوماتها مع الأميركيين وبما يضمن الهامش الأوسع للتصرف في الملف السوري.

التوافقات بين "موسكو/ تركيا/ طهران" لا تعني بأي حال من الأحوال انعدام التضارب بين مصالح الدول الثلاث

هذه التوافقات بين "موسكو/ تركيا/ طهران" لا تعني بأي حال من الأحوال انعدام التضارب بين مصالح الدول الثلاث خاصةً بعدما رشح من خلافات في أستانا الأخير، وعنوانها رغبة كل طرف بأن يضمن الدستور الجديد لسوريا ما بعد الحرب حماية مصالح ونفوذ كل طرف، حيث أصرت روسيا على أن يتضمن نص الدستور مادة "تشرعن" الوجود الدائم للقواعد العسكرية الروسية، في حين أبدت كل من تركيا وإيران رغبتهما بأن يتضمن الدستور نقاط واضحة تسمح لهما بالحفاظ على وجودهما العسكري على الأراضي السورية أو على الأقل إنهاء هذا التواجد بشكل مرحلي ودون سقف زمني محدد، وفق ما ذكرت العديد من وسائل الإعلام.

في المقابل تسعى واشنطن من خلال شبكة حلفائها "الأوروبيين والعرب" لصياغة استراتيجية جديدة لسياستها في الشرق الأوسط عمومًا وسوريا بشكل خاص من خلال المجموعة المصغرة التي تضم إلى جانب الأولى كل من (فرنسا وألمانيا وبريطانيا والسعودية ومصر والأردن)، بهدف تكثيف الضغط على موسكو وطهران واستيعاب الطموحات التركية، ومن هنا ربما يمكن فهم رغبة روسيا المتصاعدة لإنجاز تفاهمات مع أنقرة تقطع الطريق على أي تسويات قد تُضيق من رقعة النفوذ الروسي في سوريا وتضع حدا لرؤية موسكو فيما يخص طبيعة الحل للصراع السوري.

يبدو الشمال السوري ضمن خارطة المعطيات الميدانية والسياسية أشبه بميدان تجارب لقوى عديدة ضمن محاولات مستعصية لإنتاج حل للصراع المتواصل منذ ثمان سنوات، الأمر الذي يدعم وجهات نظر عديدة ترى بأن المصالح المتضاربة بين الأطراف الفاعلة في سوريا بما فيها تلك المتحالفة سيطيل أمد الصراع في البلاد، وربما يدفع باتجاه توليد المعارك من جديد لإنجاز تفاهمات مغايرة وفق التطورات الميدانية وما قد تحدثه من تغيرات على مناطق النفوذ على الجغرافية السورية.