شرق الفرات واستكمال مخطط "التغيير الديموغرافي" في المنطقة

2019.01.10 | 00:01 دمشق

+A
حجم الخط
-A

كثير من الأحداث تجري من حولنا لا يمكن التكهن بهدفها الحقيقي بل يمكن أن يكون معظمها متناقضًا ظاهريًا، لكن من يدقق بما يجري في المنطقة وبخاصة ما يحدث على الأراضي السورية والعراقية، ويربط هذه الأحداث ببعضها من حيث الأسلوب والتسلسل الزمني يجد أن هناك هدفًا يسعى لتحقيقه من يخطط لهذه المنطقة للقرن القادم.

ولعل سياسة الأرض المحروقة التي استخدمها التحالف الدولي في الريف الشرقي لمدينة دير الزور، وبالتحديد في منطقة شرق الفرات تؤكد هذا، فهذه الأحداث ليست صدفة أو مجرد معركة ضد داعش، وليست جديدة على الشعب السوري الثائر إذ سبقتها حرب مدمرة حرقت الأخضر واليابس في الكثير من المناطق، ولعل أهمها بالنسبة للتحالف نفسه مدينة الرقة التي تم تدميرها على رؤوس سكانها، ومن تبقى تم تهجيره بشكل ممنهج وفق مخططات وآليات تنفيذ وأدوات تنفذ هذه المخططات.

وطبعًا الزمن غير محسوب وعدد القتلى وتدمير المدن والقرى وتهجير أهلها غير مهم، لكن المهم تحقيق الهدف الذي بات واضحًا لكل ذي بصيرة

كم مدينة سورية دمرت عن بكرة أبيها بحجة وجود داعش فيها؟ وبعد تدميرها وتهجير أهلها تنسحب داعش منها إلى منطقة أخرى لنفس الهدف وهكذا دواليك!

وهو إحداث التغيير الديموغرافي لخدمة المشروع الصهيوني في المنطقة، تغيير يتوافق مع المشروع الطائفي الإيراني الذي بُدئ في تنفيذه وبشكل سري غير معلن على يد الأسد الأب، ولم يتوقف بل استمر على يد الأسد الابن بشكل واضح وعلني، مشروع استُخدمت لتحقيقه كل الأساليب الأمنية والعسكرية مُتذرعًة بحجج واهية أهمها محاربة الإرهاب التهمة المعلبة الجاهزة والتي طالت أغلب الشعب السوري، وكانت هذه الذريعة سببًا في محاصرة المدن والقرى المنتفضة، وتجويع أهلها وترهيبهم بالقتل والتدمير لممتلكاتهم فكم مدينة سورية دمرت عن بكرة أبيها بحجة وجود داعش فيها؟ وبعد تدميرها وتهجير أهلها تنسحب داعش منها إلى منطقة أخرى لنفس الهدف وهكذا دواليك!

 وهذه هي مدينة تدمر أكبر مثال على هذا، فجلُّ أهلها تركوها إلى أصقاع الأرض هربًا من شدة القصف الأسدي الروسي الذي طال المدينة بكاملها، وبنفس الوقت هربًا من تنظيم داعش الذي سيطر على المدينة مرتين وأذاق أهلها الويلات من قطعٍ للرؤوس وسرقة ونهب للممتلكات جهارًا نهارًا، وهذا ليس غريبًا إذا عرفنا أن أغلب من ينتسب الى هذا التنظيم العصابة من أبناء المدينة هم من أصحاب السوابق ومخبري الأمن السوري، وهذا يفسر وبشكل واضح العلاقة العضوية بين مخابرات الأسد وهذا التنظيم الإرهابي المجرم، ولعل تهجير هؤلاء المساكين من مناطق المصالحات إلى الشمال السوري يأتي في إطار حصر كل من انتفض على الأسد وعصاباته في منطقة جغرافية صغيرة سرعان ما سيقوم عبر أدواته من الفصائل الراديكالية في التهام ما تبقى من فصائل الجيش الحر، وهذا ما نشاهده الآن ليقوم بعد ذلك بقضم هذه المناطق قطعة قطعة أو سيمنح من يسيطر عليها حكم ذاتي كقطاع غزة في فلسطين المحتلة لفترة قد تطول إلى عشرات السنين لتبقى بؤرة توتر في المنطقة إلى حين ترتيب الساحة لمن سيحكم سوريا المستقبل.

إن ما يقوم به التحالف الدولي في المنطقة المحاذية للحدود العراقية ليس وليد الصدفة خاصًة أن ما يفعله الآن في هذه المنطقة هو نفس الأسلوب ونفس الاستراتيجية بل هو امتداد لما فعله في العراق وبالتحديد في محافظتي نينوى والأنبار المحاذيتن للحدود السورية من أقصى الشمال في رأس العين إلى أقصى الشرق في مدينة البوكمال، وما تدمير الموصل ومساواتها بالأرض إلا معركة من حرب طويلة في إطار القضاء على السنة.

معركة من سلسلة معارك قام ويقوم بها التحالف الدولي ولذات الهدف، ولمعرفة هذا الهدف يجب أن ندقق في التركيبة السكانية لهذه المنطقة الشاسعة الغنية بالموارد الطبيعية التي

حتى يحقق التحالف هدفه في التغيير الديموغرافي يقوم الآن بالتركيز على منطقة شرق الفرات من جهة دير الزور ليقوم بتدميرها بالكامل، وقتل شعبها وتهجير من سيتبقى منهم

يسيل لها لعاب المستعمرين الجدد!، فمن المعروف أن قاطني هذه المنطقة الممتدة من غرب الفرات المعروفة باسم البادية الشامية التي تشمل محافظة دير الزور بالإضافة الى أجزاء كبيرة من الريف الشرقي والجنوب الشرقي لمحافظة حمص وصولًا إلى الحدود الشرقية لمحافظتي نينوى والأنبار العراقيتين ينتمون الى أهل السنة، وهم من القبائل العربية المختلطة بين البلدين، وصولاً إلى الجزيرة العربية.

وحتى يحقق التحالف هدفه في التغيير الديموغرافي يقوم الآن بالتركيز على منطقة شرق الفرات من جهة دير الزور ليقوم بتدميرها بالكامل، وقتل شعبها وتهجير من سيتبقى منهم، وبالتالي ستكون هذه المنطقة جاهزة لاستقبال السكان الجدد لهدف استراتيجي وهو فصل محافظة الأنبار السنية عن البادية الشامية السنية، وزرع كيان جديد في تلك المنطقة لتفتيت مناطق المكون السني وتقسيمه إلى أجزاء كل جزء مرتبط في منظومة حكم يسيطر عليها الأقليات في المنطقة، هذا المخطط الخبيث الذي يسعى إليه من يتحكم بالعالم كله يصب في مصلحة شعار طرحته إسرائيل وكتبته على واجهات مؤسساتها في فلسطين المحتلة وهو: " حدودك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل" فهل يتحقق هذا الشعار الحلم الذي يبدو أن تحقيقه يتم الآن بأياد عربية متصهينة تُستخدم كأدوات مقابل الفتات متناسين كل القيم والأخلاق والمبادئ التي تحلى بها أجدادنا وضاربين عرض الحائط بما أوصانا به آبائنا وأجدادنا للحفاظ على مقدساتنا وأرضنا وعرضنا؟

ملاك القول :

إن ما يخطط وينفذ في المنطقة سيقلب موازين القوى لصالح أعداء العرب والمسلمين وقد لا يستطيع أحد من أبنائنا أو أحفادنا إلى مئات السنين أن يتلافى الكوارث التي حلت بنا وببلادنا وشعبنا، والتي للأسف نجد من أؤتمن على البلاد والعباد هو أداة في هدم هذه البلاد وتقسيمها بعد أن أفقر شعبها وفكك بنيته الاجتماعية والأخلاقية، وسلم بلادنا على طبق من فضة للمحتل فهل يستيقظ شعبنا وقياداته الوطنية من سباتهم العميق؟ ليقلبوا الطاولة على الجميع وليعيدوا الحق إلى أصحابه في حرب تحرير شعبية مهما طالت لن تكون نتائجها أكثر خطرًا على بلادنا مما ينفذ الآن وبالتأكيد إن اخلصت النية سيكون شعبنا وبلادنا المنتصر الوحيد في هذه الحرب.