icon
التغطية الحية

سوريون يتحدون واقعهم في ألمانيا لتحقيق طموحاتهم

2018.09.17 | 18:09 دمشق

لاجئ في ألمانيا خلال دورة تعليم مهني(رويترز)
حسام يوسف-تلفزيون سوريا-ألمانيا
+A
حجم الخط
-A

"بلا هدف لا يمكن للإنسان أن يعيش، فتَحتَ أي ظرف وأي حال لابد من التمسك بالأمل والبحث عن طريقه نحو الهدف، كان هذا كل ما فكرت به عندما حملت على كتفي بضعة من أمتعتي وما تبقى لي من طموحي الذي دمرته آلة الحرب، خرجت من بلدي باحثة عن ما ينقذ بقايا مستقبل لطالما حلمت به".
كلمات اختصرت بها الشابة السورية نوران الشحنة المقيمة في ألمانيا قصتها مع حلمها الضائع، مضيفة "في سوريا كنت قد وصلت إلى السنة الثالثة في قسم الأدب الإنكليزي، الاختصاص الذي أحببته واخترته وكنت أنوي المضي فيه إلى الدراسات العليا، قبل أن تبتلع الحرب كل شيء ويصبح حلمي في مهب الريح ويدخل مستقبلي الذي رسمته لحظة بلحظة نفقاً مظلماً لم تبدُ له في حينها أي نهاية".

 

غربة.. وأولى الخطوات نحو الحلم
 

بنظرة متأملة وعين تحبس دموعا اختلط بها الحزن بالأمل والحنين تقول الشابة العشرينية "بعض الظروف منعتني من مرافقة أهلي إلى ألمانيا فقانون لم الشمل هنا لم يسمح لوالدي الذي سبقنا إلى هنا بإجراء لم شمل لي كوني تخطيت سن الثامنة عشرة، فاضطررت لخوض مغامرة اللجوء عبر البحر برفقة أقاربي وتقديم طلب اللجوء منفردة عن عائلتي، وهو ما شكل عبئاً أثقل كاهلي ومنعني من المباشرة فورا بتعلم اللغة والتحضير لمتابعة دراستي الجامعية"، لافتة أنها حتى بعد حصولها على الإقامة لم تتمكن من لم شملها مع عائلتها التي تسكن اليوم بعيداً عنها بما يتجاوز الـ 500 كيلو متر، الأمر الذي زاد من وحدتها وغربتها.
 تضيف الشحنة"بعد أن استقرت أموري في ألمانيا حصلت على حق الحماية المؤقتة بدأت بدراسة اللغة الألمانية، وتمكنت من اتقانها والحصول على شهادة الـ DSH خلال سنة ونصف وهي الشهادة التي أحتاجها لدخول الجامعة"، مشيرة إلى أنها اضطرت للتخلي عن طموحها بدراسة الأدب الإنكليزي والتوجه إلى دراسة علم الاجتماع في "جامعة ريغنسبورغ" التي منحتها الموافقة على الالتحاق بالفصل الدراسي القادم، لتخطو في شهر تشرين الأول المقبل أولى خطواتها نحو تحقيق هدفها على حد وصفها.
بتنهيدة طويلة شرحت الشحنة أسباب ابتعادها عن الادب الإنكليزي، مشيرةً إلى أنها اضطرت لاختيار مجالٍ يمكنها من الدخول بشكل سريع إلى سوق العمل بعد تخرجها والتأسيس لمستقبل مهني جديد يتوافق مع أحلامها، لاسيما وأن الادب الإنكليزي في ألمانيا وفقاً لقولها لا يعتبر من المجالات المرغوبة أو وفيرة فرص العمل، مضيفة: "الإنكليزية هنا ليست إلا مجرد لغة يمكن لأي شخص تعلمها في أي معهد، ولا ينظر لها كشهادة أدب يمكن البحث عن فرص عمل مرتبطة بها كما كان الحال في سوريا".

 

إلى نقطة الصفر .. وعسا أن تكرهوا شيئاً 
"في الطريق إلى أوروبا يعتقد الكثيرون أن مجرد الوصول إلى وجهتك يعني أن تحقيق أحلامك وطموحاتك باتت تحصيل حاصل، بينما الواقع يشير إلى عكس ذلك، ويمكن القول إن الوصول ليس إلا خطوة في طريق الألف خطوة"، هكذا أجاب الشاب محمد علاء شما على سؤال موقع قناة سوريا حول تجربته وطريقه نحو مستقبله، مشيراً إلى أنه لم يكن طريقاً مفروشاً بالورود، بل عكس ذلك تطلب منه خوض عدة تجارب للوصول إلى ما هو عليه الآن.
ويضيف شما"عندما وصلت إلى ألمانيا قبل ثلاث سنوات ونيف، لم أتمكن من الحصول على الفرصة لمباشرة الدراسة الجامعية بعد انهاء دورة اللغة، لأن معدلي في الثانوية السورية لم يؤهلني لذلك، فكان علي أن أسجل بما يسمى Studienkolleg لمدة عام وهي دراسة بمثابة الثانوية العامة الألمانية بهدف تعديل الشهادة لتصبح مقبولة في جميع جامعات ألمانيا، وهو ما يعني أنني أعود إلى نقطة الصفر من جديد، لاسيما وأنها التجربة التي اضطررت لخوض امتحاناتها ثلاث مرات بسبب قلة المقاعد"، مشيراً إلى أنه خلال فترة الانتظار للحصول على شهادة  "Studienkolleg" قام بعدة أنشطة في مجالات التقوية العلمية في الرياضيات والفيزياء، إلى جانب انشطة عملية مكنته من فهم المجتمع الألماني بشكل أعمق.
يشير شما إلى أنه اليوم وبعد طرق طويل شقه بتعلم اللغة لمستوى C1 ودخول امتحانات تعديل الشهادة لثلاث مرات متتالية، والدخول في دورات تعليمية لبعض المواد، دخل فعليا في سباق مع الزمن لتحقيق حلمه الدراسي، مضيفاً: "10-09-2018 هو أول يوم لي في الجامعة، وقد اخترت قسم الهندسة الميكانيكية والمعلوماتية في مدينة هانوفر، لقد كان لي اهتمام بشكل كبير بقسم المعلوماتية خاصة وأن في عصرنا الحالي فإن الكثير من المحركات المبرمجة قادرة على تسهيل عمل الانسان والقيام بالاعمال التي تحتاج الى الكثير من الجهد".
„وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ“، ينهي الشاب ابن الـ 23 عاماً حديثه، لافتاً إلى أنه في بداية الأمر اعتقد أن مسألة إعادة تعديل الشهادة الثانوية ليست سوى إضاعة للوقت في حين أن الواقع يقول بأنها ساعدته فعلياً على فهم الكثير من المواد بشكل أعمق لاسيما الرياضيات والفيزياء والكيمياء إلى جانب أنه اطلع من خلالها على حياة الطالب في ألمانيا والنظام الدراسي بشكل عام.

 

بين الفيزياء والهندسة..طريق طويل وذكريات مؤلمة
ليس بعيداً عن تجرية شما والشحنة، حتى وإن اختلفت بعض التفاصيل، كان للشاب محمد جمعة من دمشق تجربة لا تقل صعوبة باتجاه الجامعات الألمانية، خاصة إن شملت في ثناياها رحلة الطريق إلى أوروبا التي لا تزال تلقي بظلالها على ذكريات الشاب ابن الـ 22 عاماً حتى يومنا هذا.
يقول جمعة: "الحمد لله بعد تعب طويل أستعد اليوم لخوض الاختبارات النهائية للحصول على قبول في جامعة بوخوم اعتباراً من الفصل القادم بإذن الله بعد أن أكملت شروط اللغة والتعديل"، مشيراً إلى أن رغبته كانت تميل إلى المجالات الطبية إلا أنه لم يتمكن من ذلك لأسباب شخصية. 
ويضيف جمعة: "منذ أن حصلت على هذه الفرصة وأنا أشعر بحالة من الاستقرار حتى وإن شابها بعض الشيء من تجارب الماضي الذي عشته خلال السنوات السبع الماضية بدءاً بالنزوح عن مدينتي وصولاً إلى معاملات وشروط الدراسة مروراً بطريق اللجوء القاسي إلى أوروبا"، موضحاً أن الفترة الأولى من وجوده في ألمانيا كانت أصعب فترة مر بها على الإطلاق.
"كنت أتحطم من الداخل" يكمل جمعة حديثه، مضيفاً: "كنا قرابة الخمسين شخصا على متن القارب المطاطي الذي أقلنا عبر البحر، كنت دائم التأمل في وجوه الرجال الصامتة وعيون النساء الخائفة، وملامح الأطفال الذي لم يكونوا قد استوعبوا ما نعيشه، في كل لحظة كنت أخشى من حدوث شيء أرى فيه الأطفال يغرقون وأنا عاجز عن فعل مساعدتهم، نعم كنت أشعر بحجم كارثتنا الحقيقي"، مشيراً في الوقت ذاته إلى أنه حتى بعد وصوله بقيت هذه الصور مرافقة له وادخلته في بعض الأحيان بدوامة الاكتئاب، لاسيما بالتزامن مع حصوله على الإقامة الثانوية "حماية" والغرق في دوامة الروتين.
بعد نظرة قصيرة صامتة متأملة نحو الأرض،  يتابع جمعة: "الضغط النفسي كان كبيراً في تلك الفترة وكان علي الخروج منه قبل أن افقد نفسي، وهو ما شجعني على الشروع بتعلم اللغة رغم ظروفي القاسية خاصة وأني تنقلت بين الكثير من مخيمات اللجوء قبل أن استقر في منزلي الحالي، والحمد لله تمكنت في النهاية من اتقان اللغة والمضي باتجاه حياتي القادمة"، لافتا إلى أنه اليوم بدأ بالتزامن مع طريقه نحو حلمه بالعمل ضمن منظمة تطوعية في مدينة أوبرهاوزن لتقديم المساعدة للسوريين وأبنائهم، كتعليم اللغة وتدريس بعض المواد كالفيزياء والرياضيات إلى جانب المساعدة في اتمام المعاملات والترجمة، الأمر الذي ساعده في اضفاء المزيد من الاستقرار على حياته.
 

خطط بديلة .. مشاريع للمستقبل
وسط هذا التزاحم على دخول الجامعات ومحدودية المقاعد وظروف الحياة، كان لابد من وجود بعض الطلاب الذين اختاروا طرقاً بديلة عن الدراسة الجامعية والدخول في مجالات تعليمية أخرى، كالشاب نوار أحمد، الذي اختار دراسة ما يعرف في ألمانيا بـ""Umschulung وهو اختيار دراسة فرع بديل عن الفرع الأصلي ضمن مدارس مهنية في مدة دراسة تتباين من فرع لآخر.
يقول أحمد ابن الـ30 عاما من محافظة إدلب"درست في كلية هندسة الأغذية ووصلت إلى السنة الرابعة لكنني اضطررت للخروج من سوريا قبل اتمام دراستي، عندما وصلت إلى ألمانيا كنت قد بلغت سن الـ 28 عاماً ما دفعني لاستبعاد فكرة اتمام الدراسة الجامعية خاصة وأنني قد انقطعت فترة طويلة عن الدراسة، لذا قررت الدخول في تجربة "Umschulung" ودراسة مجال الأنظمة المعلوماتية والأتمتة، طبعاً بعد أن انهيت دراسة اللغة الألمانية بالمستويات المطلوبة"، لافتاً أنه بعد انهاء كورسات اللغة انضم إلى أحد المعاهد المكثفة المتخصصة بتعليم اللغة ضمن الجامعات لضمان مستوى اتقان جيد للغة التي تعتبر واحدة من أصعب لغات العالم.ويكمل أحمد"مطلع تشرين الأول المقبل سأبدأ  أولى أيامي الدراسية، نعم التوتر موجود، القلق موجود، ولكنني أدرك تماماً أنني قد بدأت برسم طريقي ومعرفة ما أريد، بعد أن خرجت من دائرة الضياع بين الفرص المتاحة في ألمانيا"، لافتاً إلى أنه يسعى للمضي أكثر في هذا المجال.
تجدر الإشارة إلى أن بعض مراكز الإحصاء الألمانية قد ذكرت في تقاريرها زيادة أعداد الطلاب السوريين في الجامعات الألمانية، رغم عدم وجود إحصائيات ثابتة حول الموضوع، لافتةً إلى أن الكثير من الجامعات الألمانية فتحت مجالات لاستيعاب الشباب السوريين الراغبين باتمام دراستهم الجامعية في مختلف المجالات والمستويات الدراسية، إلى جانب منحهم امتيازات كدروس مكثفة باللغة، وبطاقات الاستفادة من المكتبة الجامعية وخدمات الانترنت.
تبقى المشكلة الأبرز التي تواجه شريحة واسعة من الطلاب السوريين في ألمانيا تتركز في صعوبة استكمال بعضهم لكافة الأوراق المطلوبة لاتمام الدراسة الجامعية، إضافة لفقدان أوراقهم الثبوتية خلال سنوات الحرب والنزوح المفاجئ ما يدفعهم اليوم للبحث عن فرص بديلة في ظل صعوبة إيجاد حل لمشكلتهم.