سورية اليوم وانهيار المستقبل

2018.10.09 | 00:10 دمشق

+A
حجم الخط
-A

في تقرير لصندوق النقد الدولي الذي يصدر بشكل دوري ويضع فيه تصنيفاً للدول حسب وضعها وإمكانياتها الاقتصادية، ووفق ترتيبات مختلفة منها الناتج الإجمالي العام ومعدل دخل الفرد الوسطي وفق الناتج الإجمالي العام، وترتيب الدول وفق القوة الشرائية للفرد وترتيب الدول وفق تقرير التنمية الإنسانية.

ما يبعث على الصدمة هو الترتيب الذي حصلت عليه سورية وفقا لكل هذه التقارير، فليست سورية في وضع متأخر كما هي عادتها على مدى السنوات الأربعين الماضية خلال حكم الأسد، فهي تصنف وفق الدول الدنيا من ذوي الدخل المتوسط، لكنها اليوم تعتبر من أفقر الدول وفق هذه المؤشرات الدولية فمعدل دخل الفرد الوسطي فيها لا يتجاوز سنويا 479 دولار وهي ما يعتبر الأدنى في العالم.

وقبل أشهر أصدر البنك الدولي تقريره الموسع عن تكلفة الحرب في سوريا، وقد عمل على قياس تأثير الحرب على المستوى الاقتصادي وما هو تأثير استمرار الصراع في سوريا على الجوانب الاقتصادية والاجتماعية في الحياة اليومية للسوريين. وما هو تقييمه لخطط إعادة الإعمار في حال التوصل لحل ينهي الصراع في البلاد اليوم.

لقد أجرى البنك الدولي تقديرا مبدئيا للأضرار والاحتياجات في ست مدن سورية- حلب ودرعا وحماة وحمص وإدلب واللاذقية، وتضمن سبعة قطاعات: الإسكان والصحة والتعليم والطاقة والمياه والصرف الصحي والنقل والزراعة. وخلص التقرير إلى أن إجمالي الأضرار التي حاقت بالمدن الستة يتراوح بين 3.6 مليار إلى 4.5 مليار دولار. ونال قطاع الإسكان نحو 65 % من إجمالي هذه الأضرار.

كانت حلب هي المدينة الأكثر تضررا بين هذه المدن الست في سوريا إذ نالها 40 % من الدمار أما اللاذقية فهي الأقل تضررا من بين المدن

وكانت حلب هي المدينة الأكثر تضررا بين هذه المدن الست في سوريا إذ نالها 40 % من الدمار. أما اللاذقية فهي الأقل تضررا من بين المدن التي شملها المسح، بيد أن بنيتها التحتية وخدماتها تردت تحت وطأة الضغوط التي يشكلها النازحون.

وقدر تقرير البنك الدولي إجمالي تكلفة الأضرار التي أصابت البنية التحتية لقطاع الصحة في المدن الست بما يتراوح بين 203 ملايين إلى 248 مليون دولار بنهاية عام 2014. ومنذ ذلك الحين، تفاقم الوضع.

أما عن حجم الدمار الذي أصاب المدارس السورية الابتدائية والثانوية في أنحاء سوريا فقد أشار تقرير للأمم المتحدة إلى أن 18 % من المدارس السورية قد باتت غير صالحة للعمل وتحولت إلى ملاجئ للمشردين داخليا.

هذه الأرقام تشكل حقيقة سوريا اليوم وتكشف كيف يعيش السوريون حياتهم اليومية، كيف يكسبون قوتهم وكيف ينتجون ويسعون لتحقيق حلم أطفالهم وحلمهم، وكيف أن مستقبلهم أصبح في مهب الريح، فسورية التي مرتبتها اليوم 188 وهي الموقع الأخير في تقرير التنمية الإنسانية العالمي يعني أن تقدمها كل درجة إذا ما بقي نظام الأسد هو درجة الصفر بعينها، فالأسد استخدم كل أموال سوريا ومخزونها الاحتياطي في تمويل حربه ضد السوريين وقتلهم.

ولذلك فلن يعنيه أن يصرف أية موارد لم يعد يملكها لتنمية سوريا وتحسين حاجات السوريين، لقد تركهم للفقر والبؤس، بعد أن قتلهم وعذبهم وشردهم،  مستقبل سوريا إذا ما بقي نظام الأسد هو دولة فاشلة بالمطلق لن يكون لها القدر على إطعام مواطنيها ولن يكون لها القدرة على حمايتهم، ولن يكون لها القدرة على تأمين مستقبل أطفالهم.

قدر تقرير البنك الدولي إجمالي تكلفة الأضرار التي أصابت البنية التحتية لقطاع الصحة في المدن الست بما يتراوح بين 203 ملايين إلى 248 مليون دولار بنهاية عام 2014

أدرك تماماً أن الأسد لا يكترث بكل هذه التقرير "المغرضة" ولا يعنيه فهو لا يمتلك لا حساً وطنياً أو انتماء من أي نوع كان لهذا الوطن، انتماؤه الوحيد لذاته ووهمه، فإن كانت سورية في قعر دول العالم الفاشلة أو كان السوريون من أفقر شعوب الأرض لا تمثل المسألة بالنسبة له أي قلق أو تدعوه للتفكير فيما يجب عليه أن يكون الحكم في المستقبل لتغيير هذا الوضع.

إنه نظام إبادة، ففي اللحظة التي يفكر فيها نظام استخدام سلاح كيماوي يكون قد أنهى كل المراحل السابقة سواء أكانت سياسية أم عسكرية ودخل في حقيقة واحدة أنه لن يتردد بالإبادة منهجاً عسكريا إذا ما فكر السوريون في تغييره بأية طرق، إنها خلاصة تعني اليوم شيئاً واحداً انهيار مستقبل سوريا كبلد وكوطن وكشعب، إنها لا تعدو سوى أن تكون دولة فاشلة ومن بقي فيها ينتهز أول فرصة من أجل الخروج من هذا المستنقع الآسن الذي اسمه سوريا اليوم.

مؤسف أن نتحدث بهذه الطريقة اليوم، فسوريا التي ولدت من جديد مع ثورة أبنائها ماتت اليوم بفضل "حكمة" "قائدها" وتحول السوريون الأبطال الذي صنعوا التاريخ في بدء ثورة كانت تعد من المستحيلات إلى شهداء أو معتقلين ينتظرون لحظة الموت تحت التعذيب أو لاجئين أو نازحين ينتظرون لحظة فتح الحدود كي يصبحون لاجئين.

تاريخ ثورة يستحق أن يكتب اليوم بالدماء والدموع كيف انتصر الشر المطلق على الخير الأنقى، وكيف انتصر القتل والتعذيب على شعارات الثورة والوحدة والأمل بالمستقبل.