سوريا في قصتين سينمائيتين.. إيرانية وتركية

2018.10.22 | 00:10 دمشق

+A
حجم الخط
-A

يعتمد الأمر على البداية التي تختارها، داعش أم الثورة؟ هذا أحد الاستنتاجات الرئيسية التي تخرج بها بعد مشاهدة هذين الفيلمين الروائيين؛ الإيراني «به وقت شام« (بتوقيت الشام) Be Vaghte Sham، والتركي «Kardeşim İçin Der'a» (من أجل أخي، درعا) Daraa، اللذين أُنتجا بشكل متزامن في عام 2018.

بتوقيت الشام

«الفيلم الذي أبكى قاسم سليماني» هي الجملة الأشهر في التشجيع على حضوره، مصحوباً بدعاية كبيرة وحفاوة رسمية. وصفه وزير خارجية إيران، محمد جواد ظريف، بـ«الفريد في روعته»، بينما أثنى اللواء محمد علي جعفري، قائد الحرس الثوري، على مؤلفه ومخرجه، إبراهيم حاتمي كيا، مؤكداً أن «الحرس يرى من واجبه دعم الجهود المبذولة في سياق توصيف بطولات وجهاد المدافعين عن المقدسات والأضرحة». الفيلم ناطق بالفارسية والعربية وبعض الإنكليزية. صُوِّر في إيران وسوريا، بممثلين من البلدين وآخرين لبنانيين. وهو من إنتاج مؤسسة «أوج» المقربة من التيار المحافظ.

بطله طيار إيراني شاب يدعى علي رستمي، كان على وشك السفر في إجازة إلى بلده لرؤية ابنه المولود حديثاً عندما دعاه نداء الواجب. فبعد أن ألقى المساعدات الغذائية على المحاصرين في كفريا والفوعة (الشيعيتين)، انضم إلى والده، الطيار كذلك، لتنفيذ مهمة في تدمر التي كانت داعش تتقدم إليها. على أطراف المدينة طائرة إليوشن، فيها مدنيون وجرحى وجثث، وأسرى من التنظيم، وهي تنتظر طاقماً ليقودها.

أثناء الرحلة يتمكن الدواعش من فك قيودهم والسيطرة على الطائرة، ويجبرون علي وأباه على العودة بها إلى تدمر، لكن ليس قبل أن يفاوض الأب على إطلاق النساء والأطفال والجرحى في محطة مهجورة. في تدمر كانت لدى عمر الشيشاني، القائد العسكري لداعش، مخططات أخرى، وهي تحميل الطائرة بأسرى لدى التنظيم، من أفغانستان وباكستان ولبنان والعراق وإيران، كما يحدد الفيلم، والهبوط بها في مطار دمشق وتفجيرها هناك. لكن علي يستطيع إفشال هذه الخطة وتحرير الأسرى بإلقائهم بالمظلات، وهم بأقفاصهم الحديدية الجماعية، مضحياً بنفسه عندما يفجّر الطائرة بعيداً عن المناطق السكنية وعن مقام السيدة زينب التي لطالما استنجد بها، وبالحسين وعلي وفاطمة، فجاءه الفرج غير المتوقع كل مرة.

يرحب الأهالي بالإيرانيين بسعادة كبيرة. بينما يظهر مقاتلو النظام متوترين، ببدلات عسكرية متنوعة، يختلفون على الصلاحيات

يرحب الأهالي بالإيرانيين بسعادة كبيرة. بينما يظهر مقاتلو النظام متوترين، ببدلات عسكرية متنوعة، يختلفون على الصلاحيات، في وضع صعب لكنهم يفعلون ما بوسعهم ويحافظون، في نهاية المطاف، على الناس وحقوقهم وإن بعد نزق. لا أثر للثورة وعلمها، هناك علم النظام وراية داعش فقط، وحضور عابر للعلم الروسي على الطائرات الحربية التي تتيح للمخرج استخدام الأكشن المنسوخ عن الأفلام الأميركية وإن بتقنيات أضعف.

الصورة التي قدمها الفيلم للدواعش مضحكة. فما دام التنظيم «مجنوناً» ما الذي يمنع من تصوير أفراده كمجموعة من المختلين؟ بحدقات متوسعة وأشداق مفتوحة وملامح هيستيرية وتعبيرات بلهاء وحركات مرضى عصبيين أو مدمنين ينفجر النزاع بينهم كل عدة دقائق، متبادلين التكفير ثم القتل وواحدهم يردد «يا مميت»! فيما يؤكد شيخهم ولاءه وهو يضرب بيده على صدره: «لك روحي فداه لأبو بكر البغدادي»!

من أجل أخي، درعا

في شرح لرسالة الفيلم يقول خالص جاهد كوروتلو، كاتبه الرئيسي: «لا يختار الناس العيش بلا أوطان، لكنهم قد يضطرون إلى ذلك. نحن بحاجة إلى فهم أفضل للظروف التي هرب منها السوريون ولجؤوا إلى بلدنا». المؤلف هو المنتج، بالاشتراك مع مؤسسة الإذاعة والتلفزيون التركية TRT، وبدعم من وزارة الثقافة والسياحة. صُوِّر الفيلم في جنوب تركيا (غازي عنتاب) وشمال سوريا (جرابلس). ناطق بالتركية. أدّاه ممثلون أتراك، وأخرجه مراد أونبول.

تفتتح المشاهد الأولى بعودة البطل، علي تركماني، من إسطنبول، بعد أن أتم دراسته، إلى مدينته درعا، في وقتٍ كان الناس فيه يتململون من السلطة بفعل آثار الربيع العربي، وفي اليوم نفسه الذي قاد فيه شقيقه مجموعة من أصدقائه الفتيان لكتابة العبارة الشهيرة «إجاك الدور يا دكتور» على الجدران.

اليوم نفسه الذي قاد فيه شقيقه مجموعة من أصدقائه الفتيان لكتابة العبارة الشهيرة «إجاك الدور يا دكتور» على الجدران

بخلاف الفيلم الأول المبني على قصة متخيلة، يتتبع هذا الفيلم أحداث انطلاق الثورة في درعا بالتفاصيل وعبر شخصيات حقيقية، كعاطف نجيب والشيخ أحمد الصياصنة وحمزة الخطيب، ولكن من هنا جاءه الخلل!

فقد جاءت هذه التفاصيل مجملة، ومدمجة، وغير مرتبة في سياق. وقد بدا هذا الأمر بشكل صارخ في أحداث يوم الفزعة الشهير، في 18 آذار، حين يصوّر الفيلم من سيصبحون ثواراً وقد انقسموا، من قبل هذا اليوم إلى سلميين ومسلحين. وعند خروجهم في مظاهرات اليوم الأول بثوها عبر جهاز إنترنت فضائي بسبب قطع السلطة الاتصالات والشبكة، ورفعوا لافتات كتبوا عليها كلمة «ارحل»، هاتفين «الشعب يريد إسقاط النظام»، وهي الأشياء التي لم تحدث إلا بعد شهور. فضلاً عن تصوير حمزة الخطيب كأحد ناشطي الثورة الأوائل، تفاعلاً مع أقرانه اليافعين الذين سجنهم عاطف نجيب وقطع يد أحدهم ورماه لذويه من الشرفة فسقط ميتاً، وهو ما لم يحدث في الحقيقة. بالإضافة إلى تصوير مقر الأمن السياسي، الذي يترأسه نجيب، في بناء كولونيالي كبير يحوي قوات عسكرية نظامية، بخلاف المعروف عن طبيعة بناء فروع الأمن السوري وعدم التزام عناصرها بلباس رسمي. ناهيك عن عدم الاهتمام باختيار ممثلين يشبهون نجيب أو الصياصنة أو الخطيب. أما أشد المفارقات فتأتي في النهاية، في مشاهد تصوّر اقتحام الثوار، وقد انضم سلميوهم إلى مسلحيهم، مقر نجيب الذي يتبادل مع بطل الفيلم مطاردة سينمائية مألوفة تنتهي بمقتل الاثنين.. ومن المعروف أن نجيب لم يقتل!

يقول صنّاع الفيلم إن كاتبَي سيناريو أسهما في النص، بالإضافة إلى كوروتلو، وبالاستعانة بناشطين سوريين. وفي الحقيقة لا يتضح أثر الأخيرين في فيلم يرسم معالم قصة الثورة بالفعل، لكن دون العناية بتفاصيلها وأجوائها بشكل يطابق الواقع.

مقارنات

يغري تقابل الفيلمين بالمقارنة بينهما، لا سيما أنهما من إنتاج جهات عامة في دولتين إقليميتين كبيرتين فاعلتين في الشأن السوري، وموجَّهان إلى جمهوريهما الداخليين، وإن فاض «داخل» إيران إلى بغداد ودمشق وبيروت، حيث عرض «بتوقيت الشام» على نطاق واسع بفضل التحالفات الطائفية والسياسية.

يبرر الفيلم التركي لمشاهده وجود اللاجئين السوريين الذين يختم بهم مشهده الأخير، فيما يحفز الإيراني جمهوره على تأييد التدخل الداعم للشؤون العسكرية، ما دام الدواعش يعلنون صراحة تهديدهم طهران.

وكما أسلفنا تبرز المقارنة الزمنية باختيار الفيلم التركي عام 2011 لبيان أصل الحكاية، فيما يبدأ الإيراني من عام 2015، بعد أن تعقدت الرؤية وصار بالإمكان استخدام عناصر مستجدة للتشويش عليها.

تبرز المقارنة الزمنية باختيار الفيلم التركي عام 2011 لبيان أصل الحكاية، فيما يبدأ الإيراني من عام 2015، بعد أن تعقدت الرؤية وصار بالإمكان استخدام عناصر مستجدة للتشويش عليها

أما مكانياً فقد أراد الفيلم الإيراني إدخال دمشق، باسمها التاريخي، في عنونته، ربما انحيازاً إلى مركزية «الدولة» التي يدافع عنها، فيما أدرج عنوان الفيلم التركي درعا كحاضنة للثورة ضد السلطة التي يصورها شديدة الشخصية بإظهاره كمية مبالغاً فيها من صور بشار الأسد، وتكرار ذكره، وحضور قريبه نجيب، بالإضافة إلى حزب البعث الذي يبدو كذلك أكبر من حجمه الفعلي. بينما يغيب الأسد تماماً عن الفيلم الإيراني، وتظهر قواته.

وإذ يحضر البعدان القوميان في كنيتي البطلين، العليَّين، رستمي وتركماني، فإن الرموز الشيعية لا تجد ما يقابلها في الفيلم التركي الذي يركز على ما عاناه السوريون من «ظلم» مستبد عسكرياً وأمنياً.

وأخيراً، يقدّم الفيلم الإيراني مشهداً لافتاً حين يقود عنصر شرس من الشرطة العسكرية ثلاثة عجائز منهكي الأجساد، بثياب رثة وقيود حديدية، للصعود في الطائرة. وحين يسأل أبو بلال، وهو ضابط «إيجابي»، عن قصتهم يعلم أنهم قضوا عقوداً في سجن تدمر، اثنان من الإخوان المسلمين وآخر كردي. وحين يفك أصفادهم ويسألهم إن كانوا سيقاتلون مع المسلحين في حال إطلاق سراحهم يجيب الإخوانيان: «ربما، لن ننسى ما فعله هذا النظام بنا». وفي متابعة ذات دلالة شارك الاثنان مع الدواعش حين أقام هؤلاء صلاة الجماعة، كما تطوعا للدفاع عنهم في وجه الأهالي الغاضبين المكلومين بفعل جرائمهم، بذريعة أن أبناء التنظيم أسرى.

كلمات مفتاحية