سوريا الاتحادية - قراءة قانونية (2)

2019.09.19 | 00:09 دمشق

+A
حجم الخط
-A

               (شرعية وآليات إعلان الدولة الاتحادية)

المبادرة وآلية إعلان الدولة الاتحادية

إن الدول الفيدرالية تنشأ بطريقتين:

الأولى: تتم من خلال انضمام عدة دول مستقلة تتنازل كل منها عن بعض سلطاتها الداخلية، لصالح الدولة الاتحادية، ومن الدول التي نشأت بهذه الطريقة أميركا - سويسرا.

الثانية: تظهر من خلال تفكك دولة بسيطة موحدة إلى وحدات ذات كيانات دستورية مستقلة. ومن الدول التي نشأت بهذه الطريقة البرازيل - الأرجنتين - المكسيك.

إن قيام الدولة الفيدرالية يستند إلى مبدأ الاتفاق بين الوحدات المكونة لها، بحيث ينبغي أن يكون اتحادها نابعاً من رضاها وإرادتها في العيش المشترك.

حددت المبادرة آلية إعلان الدولة الاتحادية بقولها (تهدف المبادرة إلى الإعلان الفوري عن قيام الجمهورية الاتحادية دون انتظار السقوط الحتمي القادم للأسد، بالبدء بالتوافق على إعلان دستوري يصوغه قانونيون متخصصون، ويبدأ تطبيقه على الأراضي التي تحكمها قوى الثورة).

من تحليل النص يتضح أنه يتضمن ثلاثة إجراءات، أولها إعلان جمهورية اتحادية، يترافق ذلك مع صياغة إعلان دستوري ليطبق على كامل الأراضي المحررة، وإلغاء القوانين التي تنتهك الحقوق والحريات العامة.

هذا النص يثير التساؤلات أكثر مما يعطي إجابات، من هي السلطة التي ستعلن قيام جمهورية سوريا الاتحادية؟ وكيف يتم اختيارها؟ وما هي شرعيتها؟ وهل تمتلك المشروعية؟ وفي أي وثيقة سيتم إعلان الجمهورية؟ في الإعلان الدستوري؟ أم هي سابقة للإعلان الدستوري؟ هل ترى المبادرة موافقة الشعب السوري ضرورة على إعلان الجمهورية؟

الشروط القانونية لإعلان الفيدرالية في دولة موحدة

كل هذه الأسئلة لم نجد لها جواباً في بنود المبادرة، مما يدفعنا إلى البحث في الشروط والقانونية لإعلان

الفيدرالية تولد في الدستور الفيدرالي الدائم وليس قبله، ولا يمكن لإعلان دستوري أن يعلن قيام دولة فيدرالية

الدول الاتحادية، ويراها الفقه في ثلاثة شروط؛ أوّلها وجوب أن يرد الإعلان في دستور دائم، والثاني أنّ إعلانها يكون من سلطة تمتلك الشرعية والمشروعية على كامل أراضي الدولة، والشرط الثالث أن يؤيدها كامل الشعب.

الدستور الدائم والإعلان الدستوري

الفيدرالية تولد في الدستور الفيدرالي الدائم وليس قبله، ولا يمكن لإعلان دستوري أن يعلن قيام دولة فيدرالية، لأن الإعلان الدستوري، يستمد حقه في الوجود والتطبيق من (الضرورة الواقعية) فهو إذاً يستمد شرعيته من الواقع الذي تفرضه الضرورة. ولأن الضرورة يجب أن تقدر بقدرها، لذلك يتوجب عدم التوسع في الإعلان الدستوري الناظم للمرحلة الانتقالية وتحميله أكثر مما يحتمل، لأنه لا يمتلك الشرعية الدستورية ولا المشروعية الثورية.

 

يجب أن تكون القواعد الدستورية الواردة فيه جامعة للسوريين، فتبتعد عن الأمور الخلافية، ولأن الإعلان الدستوري مؤقت وشرعيته استثنائية لا يتحمل حل إشكاليات تحمل صفة الديمومة، مثل شكل الدولة أو علاقتها بالدين أو اسم الدولة، وتترك هذه الأمور للدستور الدائم صاحب الشرعية والمشروعية والديمومة فهو أقدر على معالجتها.

أما الدستور الدائم فهو يتضمن مجموعة القواعد الأساسية التي تنظم شكل الدولة، ونظام الحكم فيها، وتنظيم السلطات العامة، وعلاقاتها مع بعضها بعضاً وبالمواطنين، وحقوق المواطنين وحرياتهم.

ويوجد في الدول المستقرة سياسياً وأمنياً واجتماعياً، ويستمد شرعيته من آلية وضعه وإصداره، وجرت العادة أن يتم وضعه بالبلاد الديمقراطية، إما عن طريق هيئة تأسيسية منتخبة، أو استفتاء الشعب على الدستور.

ويستمد هذا الدستور شرعيته من الشعب الذي أعلن موافقته عليه، ولا يوجد خلاف على شرعيته ومشروعيته، وفي حالتنا السورية سيأتي هذا الدستور لاحقاً بعد نهاية المرحلة الانتقالية ولا يمكن تطبيقه أثناءها.

بناءً عليه يجب أن يتم إعلان شكل الدولة في الدستور الدائم حصراً، فهو الذي يوجدها، ومنه تستمد شرعية إعلانها.

سلطة شرعية ومشروعية

إن السلطة بحاجة إلى بعد قانوني والذي يتمثل في الشرعية الانتخابية التي تمثل الديمقراطية الإجرائية، أي أن السلطة الممارسة تكون وفق أطر قانونية وضعية ومعايير دستورية، وبعد قيمي، وهو شرعية الإنجاز التي تمثل الديمقراطية الموضوعية أو المضمونية، أي أن السلطة لديها رضًى وتأييد شعبيّ.

فالشرعية الإجرائية هي شرعية وقتية وشكلية تنتهي بانتهاء الانتخابات، أما شرعية الإنجاز فإنها مفهوم مرن ومتبدل كلما كان تصرف السلطة أقرب للشعب كلما حقق تلك المشروعية.

وهكذا فإن الشرعية (ببعديها) توفر المسوّغ لحق الهيئة الحاكمة في ممارسة الحكم، والالتزام السياسي من جانب المواطنين لما تصدره من تشريعات، وتتبناه من سياسات. لذلك نستطيع القول: نحن بحاجة إلى سلطة شرعية تعلن شكل الدولة، وعلى هذه السلطة الشرعية أن تعتمدَ الإكراه المعنوي النابع عن إرادة المجتمع بدلَ الإكراه المادّي، وأن تعتمدَ الالتزام الطوعي الذي تمليه فكرة التعاقد بدل القسري.
هذه السلطة الشرعية بقراراتها التي تتخذها ستقود المجتمع إلى السلم الاجتماعي والانسجام، مهما كانت قراراتها صعبة ومصيرية لأنها تكون نابعة من المجتمع وصادرة عنه.

لذلك فإن إعلان شكل الدولة في سوريا يتطلب سلطة تمتلك الشرعية ببعديها، وهذه السلطة غير متوفرة في جميع سلطات الأمر الواقع، ولا في سلطة النظام الذي هو فاقد شرعية الإنجاز، كما أن سلطات الأمر الواقع فاقدة للشرعية الإجرائية والمضمونية.

لذلك فإن جميع السلطات الموجودة على الواقع السوري الآن لا تصلح لإعلان تغيير شكل الدولة.

وعليه يجب على السلطة التي ترغب بإعلان تغيير شكل الدولة، أن تنتظر إلى حين استقرار

الفيدرالية عندما تشمل أراضي الدولة السورية يتم إعلانها من قبل جميع السوريين فهم شركاء في هذا القرار، ولا بد من حصول موافقة الأغلبية

المجتمع استقراراً يسمح بإجراء الانتخابات، وأن تتقدم ببرنامج انتخابي قائم على أساس تبنيها لشكل الدولة التي تريد، فالسلطة التي تحوز الأغلبية على أساس برنامجها هي من تملك إعلان شكل الدولة.

موافقة الشعب على الفيدرالية

والفيدرالية عندما تشمل أراضي الدولة السورية يتم إعلانها من قبل جميع السوريين فهم شركاء في هذا القرار، ولا بد من حصول موافقة الأغلبية، ويتم الحصول عليها بطريقتين:

 الأولى: صريحة وتتم عن طريق إجراء استفتاء شعبي عام يشمل الأراضي السورية كافة دون استثناء، ويشترك به جميع المواطنين السوريين داخل البلاد وخارجها.

أما الثانية: ضمنية، فإنها تستشف من خلال موافقة الشعب على دستور دائم للبلاد، متضمناً تغيير شكل الدولة.

ولأن شكل الدولة لا يرد إلا ضمن قاعدة دستورية، لأن شكلها من الأهمية بمكان أن يرد ضمن القانون الأعلى في الدولة، حتى يشترك كل الشعب بتحديد شكل الدولة بكل أطيافه ومكوناته دون إقصاء لفئة أو تهميش لطائفة.

أما إذا تم الإعلان من قبل إقليم أو محافظة أو رقعة جغرافية ما، عن قيام دولة اتحادية تشمل أراضي الدولة السورية، فهو أقرب للإعلان عن الانفصال، حتى لو وافق على الإعلان سكان تلك المحافظة.

نتيجة المبادرة

إذا ما تم إعلان الجمهورية الاتحادية - وفق المبادرة - فهو إعلان غير مشروع، لأنه منتج من سلطة غير شرعية، وهو قرار سلطة أمر واقع، يبقى ما بقي الواقع العسكري المرتبط بالمتغيرات العسكرية، ويلغى عند انتخاب أي سلطة شرعية، وكأنه لم يولد، لأن القرار الباطل عند انعدامه يعدم من ولادته، ولا يرتب أي أثر قانوني أو دستوري.

وتوصيفه الدستوري مهما كانت تسميته، هو قرار انفصال أو مقدمة للانفصال عن الدولة السورية.

إذاً في ظل المعطيات الحالية يبقى الجدل السياسي حول شكل الدولة لا أثر له قانونياً، وإنما هو محاولة من جميع الأطراف لفرض ما يعتقدون بسلطة الأمر الواقع، وإذا ما تم ذلك لأحد الأطراف فإنه لن يدوم لأن ما يتم فرضه بالقوة سيتم نقضه بالعنف والقوة أيضاً.

كلمات مفتاحية