سلخ الاقتصـاد المفيد من الجغـرافية السورية

2018.06.11 | 01:06 دمشق

+A
حجم الخط
-A

صحيح أن الجغرافية السورية بحلتها الحالية، لم يتم اقتطاع أي شبر منها، لصالح هذه الدولة أو تلك، وأن الحدود ما زالت قائمة، لكن الناظر للمشهد العسكري وخرائط النفوذ، وحتى التوافقات السياسية، يدرك ببداهة أن داخل الحدود الجغرافية لهذا الوطن، باتت هنالك حدود اقتصادية قد رُسمت، وسلطة دولية حاكمة للقوى التي تتزعم تلك المنطقة.

ولكن رغم التقسيم الاقتصادي للجغرافية السورية، بثرواتها وخيراتها، لا تكل الدول المنغمسة في الملف السوري، عن استخدام دعاية السيادة السورية، كمظلة لإخفاء الحقائق والوقائع الصادمة على الأرض، فهذه القوة العسكرية، تتحدث عن شرعية مزيفة نالتها من السلطة الحاكمة، وتلك تعجن مكافحة الإرهاب بما يناسب تفاصيل مشروعها، وأخرى دخلت عبر الاتفاقيات والتنسيق، بعد التهديدات المتكاثرة على حدودها.

أما في حال نظرنا إلى خريطة النفوذ والصراع، فنجد أن الولايات المتحدة الأمريكية تحت مسمى "مكافحة الإرهاب- تنظيم الدولة" في سوريا، قد رسمت حدوداً خاصة بها، مستخدمة صنيعتها "قوات سوريا الديمقراطية"، لتسيطر على الرقة وأجزاء واسعة من دير الزور والحسكة، وغيرهم، وهذه الحدود تقدر بقرابة 25% من مساحة سوريا الكلية!، أما من ناحية الاقتصادية فقيمتها أكبر بكثير من تلك الموضوعة.

المساحة الاقتصادية المقتطعة أمريكياً أو عبر التحالف الدولي، هي الثروة النفطية لسوريا، علماً أن هذه الثروات، كانت موجودة قبل ثورة الشعب السوري، ولكنها كانت بحكم الغائبة المغيبة عمداً، بفعل هذا النظام الذي جعل السوريين يهرولون وراء رغيف الخبز، أما تلك الخيرات فكانت للفئة الحاكمة، تديرها وتنهبها كما ترغب، أو كما ترغب الدول التي سيطرت عليها اليوم.

ثروات سوريا النفطية في دير الزور والرقة وبقية المناطق التي يسيطر عليها التحالف الدولي أو قوات سوريا الديمقراطية استفاد منها الجميع ما عدا أصحاب الأرض

بعد الثورة، لم تبقى المناطق الغنية بالثروات الباطنية، إلا لفترات وجيزة مع المعارضة السورية، وسط فشل ذريع لكيانات الثورة السياسية بالحفاظ أو إدارة تلك المناطق، لينتزعها تنظيم الدولة، ويبني خلافته ويتمدد في كافة الاتجاهات مستفيداً من مردودها المالي الضخم جداً، ليتم بعدها طرد التنظيم منها، واستبداله بتنظيم آخر، ليس مرحب به لدى السوريين، ولكن التحالف الدولي بقيادة واشنطن يتغزل به، ويرعاه.

وهنا يمكننا القول: ثروات سوريا النفطية في دير الزور والرقة، وبقية المناطق التي يسيطر عليها التحالف الدولي أو قوات سوريا الديمقراطية، ذات الغالبية الكردية، استفاد منها الجميع... نعم الجميع ما عدا أصحاب الأرض، الذي تقاذفتهم الدول وقصفتهم وهجرتهم بعيداً بعيدا..

النظام السوري، يسيطر وفق آخر خرائط النفوذ على مساحة 56% من الجغرافية السورية، ولكن في الحقيقة، هذه السيطرة غير مربحة للنظام اقتصادياً، رغم ما يغنمه بمقابلها من نواحي عسكرية، وهنا لا يجب البحث عن القوة الاقتصادية للأسد، لأنها فعلياً معدومة بفعل حليفه "روسيا"، التي توفر له راحة عسكرية، مقابل زلزال اقتصادي يصعب على النظام تخطيه، دون تخطي القوة الروسية بأي حال من الأحوال.

وهنا، بعد أن تمت مصادرة النسبة الأكبر من الثروات الباطنية لسورية، ننتقل لجوهرة سورية لا تقل قوة اقتصادية عن النفط، ألا وهي البحر الأبيض المتوسط- المتنفس البحري الوحيد لسوريا، نحو العالم الخارجي.

المتوسط، الذي ربطته روسيا قبل الثورة وبعدها، بقاعدتين عسكريتين كبيرتين، الأولى في طرطوس، وهي قاعدة قديمة تمت عملية توسعتها خلال أعوام الثورة، بحجة الاتفاقيات المبرمة مع النظام السوري والشراكة الاستراتيجة!

والثانية، تم سلبها روسيا، مقابل منع إسقاط نظام آل الأسد، وفعلاً باتت قاعدة حميميم، التي تعج بالطائرات وبطاريات الصواريخ، وآلاف العسكر، ومئات المدرعات، حصن عسكري روسي، على الشريط البحري لسوريا، ولم ينتهي الأمر ها هنا، فروسيا عززت تلك القاعدة بسفن حربية عملاقة في عرض المتوسط، مما يعني أن بحر سوريا الدافئ، قد انتقل من سارق لسارق! وهنا غرق الشعب السوري ما بين اتفاقيات الحماية والعقود الاقتصادية لسرقة ثرواته النفطية والبحرية مجدداً، وتنتقل معها منافع البحر المتوسط من جيوب الطغمة الحاكمة لخزائن الدولة الحامية!

سوريا الجغرافية انتزعت منها سوريا الاقتصادية المفيدة وحتى تلك الموجودة تحت سيطرة الجيش السوري الحر تم إعدام قدراتها الاقتصادية بقرارات دولية

طبعا روسيا، التي تقلق دائما على الدستور السوري، والسيادة الوطنية لتراب الوطن، وضعت ما تبقى من اقتصاد سوريا النفطي في البادية في جعبتها، وهنا قد يقول البعض: "ولكن من كان يسيطر على تلك نفط سوريا وغازها، هو تنظيم الدولة"، لهؤلاء أقول: قبل أن يكون هنالك تنظيم أو قبل تمدده، كل هذه المناطق كانت مناطق محررة، لا يوجد فيها سوى أبنائها، سواء كانوا مدنيين أو مقاتلين، ولولا دفع تنظيم الدولة نحو تلك المناطق دفعا، وعدم مساعدة المعارضة السياسية السورية بإدارة وهندسة تلك المناطق، لكانت خيرات تلك الثروات تعود على السوريين، وتكفيهم عن تبرعات المجتمع الدولي، والمساعدات المقدمة في مخيمات التهجير، ولكن المجتمع الدولي تعمد هذا السيناريو لإيصال ثورة السوريين نحو الهاوية، ومن لم تقتله مدافع الأسد وطائراته، يتم انتزاعه من أرضه بسياسة الأرض المحروقة، كما فعلت روسيا والتحالف الدولي، وما أكثر التشابه بينهم وبين النظام السوري، في تلك السياسة.

إذا، سوريا الجغرافية، انتزعت منها سوريا الاقتصادية المفيدة، وحتى تلك الموجودة تحت سيطرة الجيش السوري الحر، تم إعدام قدراتها الاقتصادية بقرارات دولية، تقودها ذات الدول التي اختطفت جغرافية سوريا الاقتصادية، وهنا على سبيل المثال..أحدثكم عن درعا، ذات القوة الزراعية والجمركية الكبيرتين، لاحظوا كيف تآمرت الدول على جنوب سوريا، فمنعت المعارضة من فتح معبر نصيب التجاري مع الأردن، وأجبرت تجارها على بيع كميات كبيرة من محاصيلها الزراعية للنظام، وترفض أي دولة أن تتعامل مع الحكومة السورية المؤقتة كشريك اقتصادي على أقل تقدير، وطبعا الهدف هنا سياسي بحت، وهو عدم إعطاء أي شرعية للثورة السورية بأي صبغة كانت، حتى كانت زراعية!

ليس هذا فحسب، بل إن الدول تسعى لإفادة النظام السوري اقتصادياً، عبر التفاهمات التي يصار إلى الوصول إليها حول ملف الجنوب السوري، وللعلم لا يمكن لأي منطقة مهما صغر حجمها أو كبر أن تقف وتكافح البطالة والفقر وتأمين الحاجيات دون قوة اقتصادية محلية تديرها الأيدي المحلية، وهذا ممنوع منعاً تاما على المدن أو المحافظات الحدودية التي تبسط الثورة أجنحتها عليها.

حتى الشمال السوري، وإدلب على وجه التحديد- عاصمة المهجرين، تركت لأهل الثورة السورية المحليين والمهجرين إليها كموطن جديد، لكونها خالية نفطياً، ولا يحيطها بحر دافئ، وقوتها الاقتصادية متوسطة أو دون ذلك، مقارنة بالأوتاد الاقتصادية الكبيرة التي سلختها الدول الكبرى باسم مكافحة الإرهاب والاتفاقيات المشروعة.

ونلخص حديثنا، بالقول: المعادلة الدولية حول السوريين وسوريا، تقول: سوريا مفيدة للدول العملاقة والنظام الذي ما يزال يقف على قدميه بحماية تلك الدول، وفقيرة متعبة لأهلها الذين حولتهم الحرب المستعرة إلى فقراء، وعاطلين عن العمل، غير مسموح لهم بإدارة ثروات موطنهم التي يبدو أن تلك الدول تنظر إليها عن كثب ومطامع كبيرة.