ستّ نصائح رئيسية للمبعوث الأممي الجديد بيدرسون

2018.11.16 | 23:09 دمشق

+A
حجم الخط
-A

 

سنوات قاسية مرت على بلادنا منذ استلم كوفي عنان مهمته كأول مبعوث دولي إلى سوريا في 2012، وضع عنان وثيقة النقاط الستة التي صارت لاحقاً جزءاً من مقدمة بيان جنيف1 (حزيران 2012)، استقال عنان بعد بضعة أشهر فقطـ عندما شعر باستعصاء في حل القضية متجنباً تلويث سمعته بوحل الحرب الوحشية التي يشنها نظام الأسد وحلفائه على شعبه، وخلفه الأخضر الإبراهيمي الذي شعر بالأمر نفسه واستقال بعد نحو سنة، وكلاهما لم يترددا في توجيه المسؤولية وتحميلها لنظام الأسد بوضوح، احترم كل من عنان والإبراهيمي ما تبقى من حياتهما دون أن تتلوث يديهما بدماء السوريين.

أخيراً جاء ستيفان ديمستورا  مبعوثاً لسوريا، وتفاءل السوريون بأن الرجل ربما يريد أن يغطي اخفاقاته في مهمات دولية أخرى ويتعامل بجدية وهو على حافة قبره، ولأنه حريص على منصبه أكثر من حرصه على السوريين فقد ارتكب من الآثام في سياق العملية السياسية ما لا يمكن أن يغفره له السوريون، ساعد الروس على تمزيق المعارضة وتشتيت صفوفها، وخلق أجساماً وهمية فرضها على السوريين (مثل المجلس الاستشاري النسوي، وغرفة منظمات المجتمع المدني)، وحيث وجد أن المعارضة هي الطرف الأضعف في معادلة التمثيل الدولي فقد كان جهده منصباً على تحقيق أي تقدم من أي نوع كان على حساب المعارضة ليكون لديه إنجاز ما، لكن جميع الجهود التي بذلها ديمستورا لم تحقق أي نجاح، كان يكذب على المجتمع الدولي ويقول له "هنالك ضوء في النفق".

وبين توكيدة وأخرى سقط عشرات الآلاف من السوريين، كان في بعض الأحيان يبدو كما لو أنه يدعم التهجير القسري واقتلاع مئات الآلاف من السكان المعارضين لنظام الأسد من بيوتهم ورميهم إلى المجهول، حتى المساعدات الإنسانية كانت هنالك شكل من أشكال التبرير والتغطية لها، لم يتخذ موقفا جريئاً، لقد ظل يرواغ مستندا إلى الرؤية الروسية إلى أن وصل إلى الجدار، واتضح أن لا ضوء في نهاية النفق، و أن الأمر مجرد أكذوبة أو أمل خادع من أجل الاستمرار.

كان في بعض الأحيان يبدو كما لو أنه يدعم التهجير القسري واقتلاع مئات الآلاف من السكان المعارضين لنظام الأسد من بيوتهم ورميهم إلى المجهول

ما من شك أن معظم السوريين كانوا يتمنون أن يرحل من زمن طويل، فقد كان أداؤه مؤذيا للغاية، وإذ رحل فعلاً بعد خراب مالطا، وموت مئات الآلاف من السوريين؛ فإن ما فعله ديمستورا هو أنه أطفأ الأمل في نفوس السوريين من حصول أي تقدم، وعزز النظرة السوداء إلى الأمم المتحدة والنظام العالمي الذي ينظر إلينا كأرقام وبشر من الدرجة الثانية من حقبة ما قبل التاريخ الحديث معتادون على سفك الدماء.

أمام المبعوث الأممي الجديد فرصة ليلعب دوراً إيجابياً وبناءً، فالصراع مستمر، ولا أحد يمكنه التنبؤ بنهايته، وثمة نصائح أقدمها للمبعوث الدولي يمكنها أن تمنحه دوراً أفضل وقد يتيح له ذلك إنجازا يضيفه إلى مفاخره:

نظام الأسد وحلفاؤه يحتلون 54% من أراضي بلادي، والباقي خارج سلطته بالمطلق، ويقع تحت سلطة تنظيمات محلية معارضة غالباً ترعاها دول كبيرة مثل الولايات المتحدة وتركيا، هذه حقيقة لا تخضع للرأي، ويجب انطلاقا من ذلك أن يعامل النظام على أنه نصف نظام، فهو لا يسيطر على أكثر من منتصف الأرض، وهذا يعطي المبعوث الجديد فرصة قوية للضغط عليه وعلى شركائه فهو ليس في وضع يسمح له بفرض شروطه.

الإصرار على العملية السياسية في إطار الأمم المتحدة، لا ينبغي المضي خلف الروس الذين يحاولون جر الجميع إلى مسارات أخرى، مسار أستانا وسوتشي استنفذا أغراضهما، اقتطعا الكثير مما كان من مهام الأمم المتحدة، في الواقع جبن المبعوث الدولي السابق وسياسة إدارة أوباما كانا حاسمين في ذلك.

الإصرار على العملية السياسية في إطار الأمم المتحدة، لا ينبغي المضي خلف الروس الذين يحاولون جر الجميع إلى مسارات أخرى

التمسك بالمرجعيات الدولية والعمل في إطارها لإبقاء العملية السياسية حية؛ فقد عمل الروس على تجزئة الحل الواضح في خارطة الطريق في بيان جنيف1/2012، والقرار 2254/2015، ثم اختصاره بجزء واحد هو الدستور والانتخابات، في محاولة لعكس قواعد الحل، ونسيان "هيئة الحكم الانتقالي" بالمطلق، اندمج ديمستورا في المسار الروسي هذا، هدد المعارضة بطرق شتى، اعتذر لهم لعض المرات لكنه أدى دوراً روسياً فوق العادة، لا أحد كان مسروراً بدور ديمستورا كالروس. ينبغي التشدد وعم ترك شيء لأي طرف في المجتمع الدولي، مصلحة السوريين جميعاً في دور أممي عادل.

عدم انتهاج أسلوب الضغط على الطرف الأضعف، فقد كانت هذه استراتيجية ديمستورا، يجب أن يتذكر السيد بيدرسون أن تحقيق أي تقدم فعلي يجب أن يكون من تقريب طرفين وليس الاقتراب من طرف على حساب آخر. يجب أن يتذكر في سياق ذلك أن ما حدث في سوريا هو ثورة، ومن قتل من السوريين معظمهم أبرياء، وأن الطرف الذي يقف في صف هؤلاء الأبرياء والضحايا يجب أن يكون هو الطرف الأقوى في معايير الحقوق وفي المنطق الإنساني.

تحديد المسؤول بشكل مباشر عن عرقلة العملية السياسية، وحيث أن العرقلة تأتي ممن لا مصلحة له بالحل السياسي فإن قول الحقيقة يشكل عاملاً مهما للضغط على الطرف المعرقل من جهة، ولكي لا يعطى السوريون ولا المجتمع الدولي آملاً كاذبة كتلك التي كان ديمستورا يختلقها.

عدم إهمال النقاط الست،وما يعرف بإجراءات الثقة، فتجاوزها بحجة أن نكون "واقعيين" وعمليين" لا يعني سوى السماح بمناخ انعدام الثقة بالاستمرار والسماح لأحد الطرفين بالمراوغة وتطبيق مبدأ "اضرب وفاوض"، بمعنى آخر هو تمديد الحرب لا اختصارها.

عدم التورط في دعم التهجير القسري كما فعل ديمستورا بشكل غير مباشر حيناً وبشكل مباشر وإن لم يظهر في الصورة حيناً آخر، من الجيد مراجعة تصريحات ديمستورا إبان حصار حلب، وإبان حصار الغوطة، كان يقول إنه مستعد لإخراج الناس بنفسه "لحمايتهم"، ما كان يعنيه هذا القول في ذلك السياق هو دعم التهجير لا غير.

من المهم أن لا يتورط بيدرسون في خطايا سلفه الستة تلك وأن يحفظ ما تبقى من أمل للسوريين حياً.