ساعة إيلي كوهين تستأنف حركتها

2018.07.09 | 00:07 دمشق

+A
حجم الخط
-A

تزامن خبر استعادة إسرائيل لساعة عميل الموساد الراحل إيلي كوهين الذي صال وجال في أروقة السلطة في دمشق، في مطلع الستينات، مع مقالة جريدة هآرتز الإسرائيلية التي جاء فيها تعبير "حليفنا الاستراتيجي في قصر المهاجرين". هذا التزامن الذي قد لا يكون مقصوداً، يثير في النفس رغبةً عارمة في الربط بين الحدثين.

ليس مهماً، في حالة بشار الأسد، أن يكون بالفعل عميلاً للموساد مع رقم وبطاقة تعريف واسم مستعار وجهاز لإرسال المعلومات الاستخبارية إلى قادته في تل أبيب، أم لا يكون كذلك (الواقع أنه أتفه من أن يتنكب مهمة خطيرة كسلفه كوهين). إذ يكفي التنويه الذي كثيراً ما نكرره بصدد تصريحات ابن الخال رامي مخلوف، في شهر أيار 2011، بشأن الربط بين أمن نظامه وأمن إسرائيل. وقد كانت تلك التصريحات بمثابة دليل عمل للتحالف غير المعلن بين الطرفين، أعطى ثماره في لحظة مفصلية من الصراع السوري، حين ضغطت إسرائيل بكل ثقلها لإنقاذ النظام من ضربة أميركية محتملة، عقاباً له على قصف الغوطة بالسلاح الكيماوي في 21 آب 2013.

ضغطت إسرائيل بكل ثقلها لإنقاذ النظام من ضربة أميركية محتملة، عقاباً له على قصف الغوطة بالسلاح الكيماوي في 21 آب 2013

وعموماً كان الموقف الإسرائيلي من الصراع في سوريا أقرب إلى ضرورة بقاء النظام "الذي تعرفه" باعتباره أحسن، لها، من أي شيطان لا تعرفه، مع ثبات الموقف الرافض للوجود الإيراني في سوريا، من خلال الضربات العسكرية المتتالية لمواقع ميليشيات حزب الله وقوافل نقل الأسلحة، عبر الأراضي السورية، إلى لبنان. توجت إسرائيل ضرباتها هذه بغارات العاشر من شهر أيار 2018 التي "دمرت جميع المواقع الإيرانية تقريباً" على ما أعلن وزير دفاعها أفيغدور ليبرمان.

كانت العملية أكثر صخباً مما عهدناه من إسرائيل التي غالباً ما كانت تتكتم، في السابق، على مسؤوليتها عن العمليات المماثلة على الأراضي السورية، وخاصة ما تعلق منها بضرب مواقع قوات النظام الكيماوي نفسه. لم تمض أيام قليلة على تلك العملية إلا وقد جلس الإسرائيليون والإيرانيون إلى طاولة التفاوض عبر وسيط أردني في أحد فنادق عمان. ما بعد تلك المفاوضات، اختلف تماماً عما قبلها. توقفت التصريحات الإسرائيلية النارية ضد إيران، ولم يعد نتانياهو إلى المطالبة بخروج كل القوات والميليشيات المرتبطة بقاسم سليماني من سوريا. فقد أصبح الموضوع "في أيد أمينة": روسيا التي ستتولى تنظيم الوجود الإيراني في سوريا، بما يبعد ميليشياتها عن الحدود الإسرائيلية، مع موافقة إسرائيلية لعودة قوات النظام إلى المنطقة الحدودية واستمرار نظام الهدنة المقر منذ العام 1974. وترافق الأمر مع تعزيز الجيش الإسرائيلي لقواته في تلك المنطقة بدبابات هجومية جاهزة لردع أي خرق للتفاهمات السرية بين إسرائيل وكل من روسيا وإيران.

لم تمض أيام قليلة على تلك العملية إلا وقد جلس الإسرائيليون والإيرانيون إلى طاولة التفاوض عبر وسيط أردني في أحد فنادق عمان

كذلك يصبح ميسوراً تفسير الاستسلام الأميركي الكامل أمام خرق النظام وروسيا لشروط "خفض التصعيد" الموقعة، قبل عام، بين الأميركيين والروس، إذا قرأناه من خلال الموافقة الإسرائيلية على عودة قوات النظام للسيطرة على الجنوب. وهو الأمر الذي قامت بتحليله صحيفة هآرتز فانتهت إلى القول بأن الأسد هو "الحليف الاستراتيجي" لإسرائيل.

الواقع أنه أقل بكثير من وصف "الحليف"، بل يناسبه أكثر وصف العميل. ذلك أن الحلفاء يكونون، عادةً، أنداداً في القوة والإرادة والمصالح المتبادلة. صحيح أن للنظام مصلحة في هذه العلاقة مع إسرائيل، عنيت بها مصلحة البقاء على رأس السلطة فيما تبقى من سوريا، لكنها هي نفسها مصلحة إسرائيلية. أعني أن العلاقة لا تقوم على صفقة يربح فيها كل طرف ما يريد، بل هي مصلحة واحدة يشتريها الطرفان معاً: بقاء النظام. وبما أن إسرائيل هي الشريك الأقوى في هذه العلاقة، فالشريك الضعيف المستتبع لأكثر من دولة لا يعدو كونه عميلاً صغيراً في خدمة سادته في تل أبيب، يدمر من أجلهم سوريا، ويرحل نصف سكانها، ويبقى في السلطة من أجلهم أولاً.

رأينا كيف اضطر خامنئي لإعلان تبرئه من رغبة دولته في رمي اليهود في البحر. وذلك في أعقاب ضربات العاشر من أيار

الأمر بالنسبة لإيران أكثر تعقيداً. فهذه دولة كبيرة، إذا ما أتيح لها تحقيق حلمها الإمبراطوري، وفي القلب منها سوريا، باتت إسرائيل دولة صغيرة على تخومها، وبخاصة إذا مضى نظام الملالي في مشروعه النووي الذي يمكن أن يشكل نوعاً من توازن الرعب النووي بين الدولتين. هذا ما لن تقبل به إسرائيل، مهما قدمت لها إيران من ضمانات وبوادر حسن نية، بخلاف خطابها التقليدي المعلن المعادي لإسرائيل. حتى في هذا، رأينا كيف اضطر خامنئي لإعلان تبرئه من رغبة دولته في رمي اليهود في البحر. وذلك في أعقاب ضربات العاشر من أيار.

من المحتمل أن مفاوضات عمان السرية بين طهران وتل أبيب قد أفضت إلى تفاهمات، لا نملك، بعد، معلومات عن تفاصيلها وحدودها. ولكن لا مفر من ربط إعلان الصحيفة الإسرائيلية لبشار الأسد "حليفاً استراتيجياً" لإسرائيل، بجانب من تلك التفاهمات. وفي هذه الحالة يمكننا القول إن ساعة كوهين التي أعلنت إسرائيل عن استعادتها "بعملية استخبارية معقدة" عادت عقاربها إلى الحركة، بعدما كانت متوقفة عند السادسة والنصف وبضع دقائق. ولولا غلاوة كوهين لدى إسرائيل، واشمئزاز الإسرائيليين من بشار الأسد، لكان من الحصافة إهداءه تلك الساعة.

ولكن من يدري؟ لربما كان الأسد نفسه هو البطل السري لـ"العملية الاستخبارية المعقدة" التي أثمرت عودة الساعة إلى أصحابها، عربون مودة وعرفان بالجميل من بشار لنتانياهو.